||   أهلاً بكم في كتاباتي .. زُواراً وقُرَّاء ... مع خواطرَ وذكريات .. مقالات وحكايات ..صور وتسجيلات ..أسئلة وإجابات..مع جديد الاضافات ، أدونها في هذه الصفحات .. مصطفى مصري العاملي   ||   يمكنكم متابعة البرنامج المباشر أئمة الهدى على قناة كربلاء الفضائية في الساعة الرابعة عصر كل يوم اربعاء بتوقيت كربلاء . ويعاد في الخامسة من فجر كل يوم الخميس .   ||  

حكمة الساعة :

وَ قَالَ ع احْذَرُوا صَوْلَةَ الْكَرِيمِ إِذَا جَاعَ وَ اللَّئِيمِ إِذَا شَبِعَ .

البحث في الموقع :


  

الكتب :

  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  •  مناسك الحج والعمرة مع شرح وملحق استفتاءات
  • الطهارة مسائل واستفتاءات
  • كتاب التقليد والعقائد
  • شرح منهاج الصالحين، الملحقات الجزء الثالث
  • شرح منهاج الصالحين، المعاملات الجزء الثاني
  • شرح منهاج الصالحين، العبادات الجزء الاول
  • رسائل أربعين سنة

جديد الموقع :



 أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟

 حديث حول المرجع الراحل السيد الروحاني وبيان ارشادي لمقلديه

 الاعلان عن موعد تشييع المرجع الراحل

 الوكيل العام لسماحة السيد الروحاني قدس سره ينعاه

  رحم الله آبا آمنة.. له مع أئمة الهدى بصمات لا تنسى

 من أهم ما يهدى الى الميت بدقائق

 كيف يتحمل عقل الانسان العادي احداث المنايا والبلايا

 إضحك مع مغالطة ( والله العالم ) من منكري التقليد

 لا تغضبوا المتوالي.. ولو قيدته الشريعة..

 لماذا اخر الامام علي (ع) صلاة العصر وكرامة رد الشمس ؟

 كشف حقيقة خالد ابن الوليد !!

 رؤية الهلال بين العين الطبيعية والعين المسلحة

 رؤية الهلال بين اتحاد الافق و اختلاف الافق

 هل قال علي (ع) هذا الكلام ؟كلام منسوب للأمير (ع) بين الإفراط والتفريط

 هل أغاثهم علي (ع) قبل ولادته ؟

مواضيع متنوعة :



 اضاءات من عرفات الى الاضحى - الحلقة 164

 علي عليه السلام في القرآن ج32 - الحلقة 270

  الشباب بين التعرب بعد الهجرة والواقع المجهول

 علي عليه السلام وآية الولاية ج8- الحلقة 282

 علي عليه السلام في القرآن ج21 - الحلقة 258

 مخالفة الله ورسوله بين الفسق والكفر ج1 ( الحلقة 5)

 المهدي ع وتوحيده لأتباع الديانات السماوية - الحلقة 231

  محاضرات رمضانية في الصحن الشريف للعتبة الحسينية – اليوم الثامن

 وجلست أقرأ في الوجوه صفحات التاريخ..

  رقص دموي في العراق على حافة الهاوية

 علي عليه السلام وآية الولاية ج1- الحلقة 275

 مصر في عصر الظهور ج1

 قراءة في وصية عمر الجزء 3 - الحلقة 190

 محاضرات رمضانية في الصحن الشريف للعتبة الحسينية – اليوم الرابع عشر

 مع دعاء اليوم الاول من ايام شهر رمضان المبارك

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 3

  • الأقسام الفرعية : 32

  • عدد المواضيع : 685

  • الألبومات : 5

  • عدد الصور : 36

  • التصفحات : 6810653

  • التاريخ : 20/04/2024 - 01:59

 
  • القسم الرئيسي : كتاباتي .

        • القسم الفرعي : الى كربلاء .

              • الموضوع : رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة التاسعة ( في مسجد الكوفة) .

رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة التاسعة ( في مسجد الكوفة)

 الحلقة التاسعة: في مسجد الكوفة

قف بخشوع.. واخلع نعليك إنك في مكان وطأته أقدام النبيين، والوصيين، إنك في مكان تتعاهده الملائكة في كل حين.
في هذه اللحظات تتوقف ساعات الزمن لتنتقل بفكرك الى تلك العوالم..
إنك ستدخل الى مسجد آدم.. الى مسجد نوح .. الى مسجد صلى فيه ابراهيم الخليل.. صلى فيه خاتم المرسلين..
الى مسجد أمَّ فيه الصلاةَ أميرُ المؤمنين.. وهناك في محرابه .. صرخ قائلا: فزتُ ورب الكعبة..
لئن كان الخطاب الموجه الى موسى (ع) بالقول: فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً..
فقد كان الخطاب هنا: يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَسْجِدُ أَبِيكَ آدَمَ وَ مُصَلَّى الْأَنْبِيَاءِ فَانْزِلْ فَصَلِّ فِيهِ .
ينزل نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بالبراق ليصلي فيه قبل أن ينطلق في رحلة إسراءه نحو السماء..
أية مشاعر تعيشها وأنت على باب مسجد الكوفة؟ أي باب هو هذا؟
إنه  الباب المسمى باب الثعبان؟  وأسموه باب الفيل..
لقد سمي باب الثعبان بعد أن دخل منه ثعبان عظيم وأمير المؤمنين (ع) على المنبر..
فقد روى المؤرخون: أَنَّ عَلِيّاً (ع) بَيْنَمَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ أَقْبَلَتْ حَيَّةٌ مِنْ‏ بَابِ الْفِيلِ مِثْلُ الْبُخْتِيِّ الْعَظِيمِ (الابل الخراسانية)،  فَنَادَاهُمْ عَلِيٌّ: افْرِجُوا لَهَا فَإِنَّ هَذَا رَسُولُ قَوْمٍ مِنَ الْجِنِّ.
فَجَاءَتْ حَتَّى وَضَعَتْ فَاهاً عَلَى أُذُنِهِ وَ إِنَّهَا لَتَنِقُّ كَمَا يَنِقُّ الضِّفْدِعُ وَ كَلَّمَهَا بِكَلَامٍ شَبِيهٍ بِنِقِّهَا ثُمَّ وَلَّتِ الْحَيَّةُ فَقَالَ النَّاسُ مَا حَالُهَا؟
 قَالَ: هُوَ رَسُولُ قَوْمٍ مِنَ الْجِنِّ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ وَقَعَ بَيْنَ بَنِي عَامِرٍ وَ غَيْرِهِمْ شَرٌّ وَ قِتَالٌ فَبَعَثُوهُ لِآتِيَهُمْ فَأُصْلِحَ بَيْنَهُمْ فَوَعَدْتُهُمْ أَنِّي آتِيهِمُ اللَّيْلَةَ ...
أما بنو أمية فقد أزعجتهم هذه التسمية التي تخلد معجزة من معجزات أبي تراب، فربطوا عنده فيلا كبيرا ليسمى بعدها بباب الفيل بعد أن سقط الفيل عنده ميتاً.
أما أمير المؤمنين (ع) : فقد سماه بالباب الاعظم..
أليس هو القائل صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : ادْخُلْ إِلَى الْجَامِعِ مِنَ الْبَابِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّهُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ؟
خلعنا النعل ودخلنا بخشوع.. ويحار الفكر عندما يتنقل بين الماضي والحاضر..
لقد شُيّد هذا المسجد على أرض مربعة الشكل ، بانحراف قليل عن القبلة بمقدار 17 درجة تقريباً ، وقد خُطط ليتسع لأربعين ألف مصلٍ ، وقد مرّ بتطويرات وإصلاحات متعددة حتّى استقر على وضعه القائم وبالشكل الحالي على مساحة كلية تبلغ: 11162م2 فالمنطقة المكشوفة منه تبلغ 5642 م2 والمسقفة تبلغ 5520 م2.
 وعدد الاعمدة الكلية في المسجد تبلغ 187 عامودا، بينما تبلغ عدد الاقواس فيه  56 قوسا..
الماضي البعيد يحملُ كل تلك المعاني التي تجعل القلب والفكر خاشعاً.. والماضي القريبُ يجعلك تصطدم بما تراه من جديد..
يشغلك الجديد عن القديم .. وتحتار بينهما..
في الماضي القريب بالنسبة لي أي منذ منذ قرابة أربعة عقود ترتسم في مخيلتي تلك الصورة الخاصة لمسجد الكوفة.. مسجدٌ يذكرك بالماضي البعيد.. أرضه رملية.. جدرانه المرتفعة عشرة أمتار تحاكي جدران قصر الامارة.. يتوسطه مكان كان يجذب اليه الكبار والصغار وخاصة من كان في مثل عمري آنذاك ليقف وينظر اليه و هو محاط بسور حديدي يمنع السقوط في ذاك المكان العميق بضعة أمتار..
إنه المكان الذي فار منه التنور.. إنه مكان سفينة نوح..
كنت شابا في مقتبل العمر أقف وأتأمل ذاك المكان.. من هنا كانت بداية الطوفان حيث نبع الماء من تنور النار.. فعمَّ العقاب المعمورة التي لم ينج من سكانها سوى من ركب السفينة.. وكنت أتساءل بيني وبين نفسي قائلا: كيف يمكن للماء أن يفور من تنور النار؟ وكنت افترض الجواب سريعاً.. كما حصل مع ابراهيم الذي صارت النار عليه بردا وسلاما..
مَن فهمَ قصة الطوفان يفهمُ قول رَسُولِ اللَّهِ (ص) أَهْلُ بَيْتِي كَسَفِينَةِ نُوحٍ مَنْ رَكِبَهَا نَجَا وَ مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا غَرِقَ.
كان للتنور رمزيته في مسجد الكوفة.. وكان الزائرُ يتجول في أرجاءه بين تلك الاسطوانات التي تحمل كل واحدة منها رمزية خاصة.
ها نحن عند الباب الاعظم نهيئ أنفسنا للدخول فلا بد لنا من ننتقل من حالة الفكر والخيال الى حالة الواقع والعمل، لذا علينا ان نسلم قائلين:
السَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ.
السَّلَامُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى مَجَالِسِهِ وَ مَشَاهِدِهِ وَ مَقَامِ حِكْمَتِهِ وَ آثَارِ آبَائِهِ آدَمَ وَ نُوحٍ وَ إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ بُنْيَانِ بَيِّنَاتِهِ.
السَّلَامُ عَلَى الْإِمَامِ الْحَكِيمِ الْعَدْلِ الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ الْفَارُوقِ بِالْقِسْطِ الَّذِي فَرَّقَ اللَّهُ بِهِ بَيْنَ الْحَقِّ وَ الْبَاطِلِ وَ الْكُفْرِ وَ الْإِيمَانِ وَ الشِّرْكِ وَ التَّوْحِيدِ لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ.
أَشْهَدُ أَنَّكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ خَاصَّةُ نَفْسِ الْمُنْتَجَبِينَ وَ زَيْنُ الصِّدِّيقِينَ وَ صَابِرُ الْمُمْتَحَنِينَ وَ أَنَّكَ حَكَمُ اللَّهِ‏ فِي أَرْضِهِ وَ قَاضِي أَمْرِهِ وَ بَابُ حِكْمَتِهِ وَ عَاقِدُ عَهْدِهِ وَ النَّاطِقُ بِوَعْدِهِ وَ الْحَبْلُ الْمَوْصُولُ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ عِبَادِهِ وَ كَهْفُ النَّجَاةِ وَ مِنْهَاجُ التُّقَى وَ الدَّرَجَةُ الْعُلْيَا وَ مُهَيْمِنُ الْقَاضِي الْأَعْلَى.
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ بِكَ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى أَنْتَ وَلِيِّي وَ سَيِّدِي وَ وَسِيلَتِي فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ.
نعم لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) رمزية خاصة في هذا المسجد.
لقد أصبحنا مهيئين للدخول فخطونا نحو المسجد ونحن نقول:
اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ.
هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِاللَّهِ وَ بِمُحَمَّدٍ (ص) وَ بِوَلَايَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ الصَّادِقِينَ النَّاطِقِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً، رَضِيتُ بِهِمْ أَئِمَّةً وَ هُدَاةً وَ مَوَالِيَ.
سَلَّمْتُ لِأَمْرِ اللَّهِ لَا أُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مَعَ اللَّهِ وَلِيّاً كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ وَ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً حَسْبِيَ اللَّهُ وَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ.
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ (ص) وَ أَنَّ عَلِيّاً وَ الْأَئِمَّةَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ (ع) أَوْلِيَاؤُهُ وَ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ.
ها نحن داخل مسجد الكوفة نتجه الى المحطة الاولى، إنها مقام ابراهيم الخليل،
ما الذي اشاهده؟ يا الهي!!
لقد غابت الارض الرملية التي كانت تغطي أرض المسجد، واستعيض عنها برخام أبيض ناصع البياض لا يتأثر بأشعة الشمس المحرقة خاصة في صيف العراق الحار، بل يشعر الزائر ببرودة يحفظها هذا الرخام..
إنه من نفس النوع الذي يغطي أرض  بيت الله الحرام في مكة المشرفة...
سقفٌ جديد من الجهات الاربع يغطي مساحة معينة بمحاذاة الجدار ليبقى وسط المسجد مكشوفاً.. وأتلفت يمينا وشمالا .. اين هي المقامات التي كانت منتشرة في ارض المسجد والتي كانت تميزها الاسطوانات البارزة؟
لقد استعيض عنها بلوحات رخامية ترتفع قليلا عن وجه الارض للدلالة على كل مقام من المقامات.. بعد أن عمَّت الزخرفة ذاك البناء الجديد من جهاته الاربع..
لا شك ان هذا البناء يضفي على المسجد مسحة من الحداثة والفن العمراني الذي يقوم به البهرة المختصون في مثل هذه الاعمال وعلى نفقتهم، ولكن هل تبقى تلك الروحية التي كان يشعر بها الزائر عندما كان المسجد لا يزال يحاكي التاريخ القديم؟
قد تتعدد الاراء وتختلف، ولكن ما استطيع أن أقوله أن ذاك المكان الذي كان يجسِّد مكان السفينة لم تعد له تلك الرمزية والروحية التي كانت فيما مضى، لقد تحوَّل ذاك المكان الى ما يشبه بركة ماء متساوية مع سطح الارض، تبدوا وكأنها وُضعت في وسط المسجد لكي تضفي مسحة جمالية خاصة، ولكنها خالية من تلك الرمزية التي كانت ترمز اليه في حالتها السابقة..
لقد دخلنا المسجد من الجهة الشمالية ووجهنا نحو القبلة.. وقد صار خلفنا الجدار الشمالي الذي يبلغ طوله 110 أمتار.. أما الجدار المقابل لنا حيث مقام أمير المؤمنين عليه السلام فيبلغ طوله 109 أمتار.. والى يسارنا الجدار الشرقي الذي تخرج منه الى مقامي مسلم بن عقيل وهاني بن عروة فيبلغ طوله 116 مترا وكذلك الجدار الغربي الذي كان يؤدي الى منزل أمير المؤمنين عليه السلام والى مقام ميثم التمار.
للتنقل بين محطات المسجد ترتيب ذكره علماء السلف.. فاتفقوا على أشياء واختلفوا في ترتيب بعضها، ولكننا في كل الاحوال لن نستطيع الالتزام بهذا الترتيب مراعاة لعدة أمور، بل سنتنقل بينها حسبما تسمح لنا الظروف بذلك.
المحطة الاولى: مقام ابراهيم (الاسطوانة الرابعة)
إن المحطة الاولى للداخل الى مسجد الكوفة و التي علينا أن نقصدها هي مقام أبينا ابراهيم عليه السلام، لقد كانت تُعرف بأنها عند الاسطوانة الرابعة، ولكن ما يدل عليها الان هو تلك اللوحة الرخامية الجديدة الى يسارنا.
علينا أن نصلي هنا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الصَّمَدِ وَ رَكْعَتَانِ بِالْحَمْدِ وَ الْقَدْر.
هكذا فعل إمُامنا الصادق عليه السلام فَقَدْ رُوِيَ عَنْه أَنَّهُ جَاءَ فِي أَيَّامِ السِّفَاحِ حَتَّى دَخَلَ مِنْ بَابِ الْفِيلِ فَتَيَاسَرَ قَلِيلًا ثُمَّ دَخَلَ فَصَلَّى عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الرَّابِعَةِ وَ هِيَ بِحِذَاءِ الْخَامِسَةِ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ تِلْكَ أُسْطُوَانَةُ إِبْرَاهِيمَ (ع) تُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ.
لقد أدينا هذه الصلاة ونحن نستحضر صورة أبينا ابراهيم (ع) وصلاته في هذا المكان ونستذكر كلامه يوم القيامة " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ شِيعَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع)".
لا بد إذن من أن نقدم شهادتنا أمامه فنقرأ ما ورد من المأثور:
السَّلَامُ عَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ الرَّاشِدِينَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً وَ جَعَلَهُمْ أَنْبِيَاءَ مُرْسَلِينَ وَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ‏ وَ سَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. سَلامٌ عَلى‏ نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (سَبْعَ مَرَّاتٍ).
نَحْنُ عَلَى وَصِيَّتِكَ يَا وَلِيَّ الْمُؤْمِنِينَ الَّتِي أَوْصَيْتَ بِهَا ذُرِّيَّتَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ مِنْ شِيعَتِكَ وَ شِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ (ص) وَ عَلَيْكَ وَ عَلَى جَمِيعِ الْمُرْسَلِينَ وَ الْأَنْبِيَاءِ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ نَحْنُ عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَ دِينِ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ وَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ وَ وَلَايَةِ مَوْلَانَا عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ.
السَّلَامُ عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ رَحْمَتُهُ وَ رِضْوَانُهُ وَ بَرَكَاتُهُ وَ عَلَى وَصِيِّهِ وَ خَلِيفَتِهِ الشَّاهِدِ لِلَّهِ مِنْ بَعْدِهِ عَلَى خَلْقِهِ عَلِيٍّ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) الصِّدِّيقِ الْأَكْبَرِ وَ الْفَارُوقِ الْمُبِينِ الَّذِي أَخَذْتَ بَيْعَتَهُ عَلَى الْعَالَمِينَ.
رَضِيتَ بِهِمْ أَوْلِيَاءَ وَ مَوَالِيَ وَ حُكَّاماً فِي نَفْسِي وَ وُلْدِي وَ أَهْلِي وَ مَالِي وَ قَسَمِي وَ حِلِّي وَ إِحْرَامِي وَ إِسْلَامِي وَ دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي وَ مَحْيَايَ وَ مَمَاتِي، أَنْتُمُ الْأَئِمَّةُ فِي الْكِتَابِ وَ فَصْلُ الْمَقَامِ وَ فَصْلُ الْخِطَابِ وَ أَعْيُنُ الْحَيِّ الَّذِي لَا تَنَامُ وَ أَنْتُمْ حُكَمَاءُ اللَّهِ وَ بِكُمْ حَكَمَ اللَّهُ وَ بِكُمْ عُرِفَ حَقُّ اللَّهِ.
لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، أَنْتُمْ نُورُ اللَّهِ مِنْ بَيْنِ أَيْدِينَا وَ مِنْ خَلْفِنَا أَنْتُمْ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي بِهَا سَبَقَ الْقَضَاءُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَا لَكُمْ مُسَلِّمٌ تَسْلِيماً لَا أُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئاً وَ لَا أَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ وَلِيّاً الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانِي بِكُمْ وَ مَا كُنْتُ لِأَهْتَدِيَ لَوْ لَا أَنْ هَدَانِي اللَّهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا هَدَانَا.
لقد كان دعاؤنا هنا شاملا للكثير من المعاني، وها نحن ننتقل الى محطة أخرى.
المحطة الثانية: مقام الخضر
الى اليسار قليلا من مقام ابراهيم (ع) نصل الى مقام الخضر (ع)، وما أدراك ما الخضر...
إنه الخضر..المعروف والمجهول.. والذي سماه الله تعالى( عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ عَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْما).
إنه صاحب موسى الذي ذهب يبحث عنه حتى التقاه في مجمع البحرين .. وتبعه ليتعلم مما علمه الله رشدا.. وحصل بينهما ما حكاه الله قرآنا..
إنه الذي رافق الاسكندر وشرب من ماء الحياة.. إنه أحد الاربعة الاحياءِ حياةً تزيد عن المعدل الطبيعي لبني البشر.. يونس وعيسى في السماء، والخضر والمهدي في الارض.
إنه الذي توسلت به ام جعفر منذ سنوات مع توسلها بالامام المهدي ، وحصل معها ما حصل.. مما كتبت عنه حينها في موضوع خاص:
هذا مقام الخضر الذي روى الامام الجواد (ع) احدى حكاياته فقال:
أَقْبَلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ مَعَهُ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) وَ هُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى يَدِ سَلْمَانَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فَجَلَسَ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَ اللِّبَاسِ فَسَلَّمَ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ فَجَلَسَ ثُمَّ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَسْأَلُكَ عَنْ ثَلَاثِ مَسَائِلَ إِنْ أَخْبَرْتَنِي بِهِنَّ عَلِمْتُ أَنَّ الْقَوْمَ رَكِبُوا مِنْ أَمْرِكَ مَا قُضِيَ عَلَيْهِمْ وَ أَنْ لَيْسُوا بِمَأْمُونِينَ فِي دُنْيَاهُمْ وَ آخِرَتِهِمْ وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى عَلِمْتُ أَنَّكَ وَ هُمْ شَرَعٌ سَوَاءٌ.
فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) سَلْنِي عَمَّا بَدَا لَكَ قَالَ:
أَخْبِرْنِي عَنِ الرَّجُلِ إِذَا نَامَ أَيْنَ تَذْهَبُ رُوحُهُ؟
وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يَذْكُرُ وَ يَنْسَى؟
وَ عَنِ الرَّجُلِ كَيْفَ يُشْبِهُ وَلَدُهُ الْأَعْمَامَ وَ الْأَخْوَالَ؟
فَالْتَفَتَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) إِلَى الْحَسَنِ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَجِبْهُ، قَالَ فَأَجَابَهُ الْحَسَنُ (ع) فَقَالَ الرَّجُلُ:
أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِذَلِكَ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَمْ أَزَلْ أَشْهَدُ بِهَا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّكَ وَصِيُّهُ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ وَ أَشَارَ إِلَى الْحَسَنِ (ع).
وَ أَشْهَدُ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَصِيُّ أَخِيهِ وَ الْقَائِمُ بِحُجَّتِهِ بَعْدَهُ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الْحُسَيْنِ بَعْدَهُ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُوسَى أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُوسَى بْنِ جَعْفَرٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُوسَى.
وَ أَشْهَدُ عَلَى عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ.
وَ أَشْهَدُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ وُلْدِ الْحَسَنِ لَا يُكَنَّى وَ لَا يُسَمَّى حَتَّى يَظْهَرَ أَمْرُهُ فَيَمْلَأَهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً.
وَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ثُمَّ قَامَ فَمَضَى.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ اتْبَعْهُ فَانْظُرْ أَيْنَ يَقْصِدُ فَخَرَجَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ (ع) فَقَالَ مَا كَانَ إِلَّا أَنْ وَضَعَ رِجْلَهُ خَارِجاً مِنَ الْمَسْجِدِ فَمَا دَرَيْتُ أَيْنَ أَخَذَ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ فَرَجَعْتُ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) فَأَعْلَمْتُهُ فَقَالَ يَا أَبَا مُحَمَّدٍ أَ تَعْرِفُهُ قُلْتُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ وَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَعْلَمُ قَالَ هُوَ الْخَضِرُ (ع).
ها نحن إذن في المكان الذي كان يصلي فيه الخضر(ع) في مسجد الكوفة  سنصلي هنا ركعتين، ونقرأ بعض الادعية المأثورة عند كل مقام، قبل ان ننتقل منه الى بقية المحطات.
المحطة الثالثة: دكة القضاء.
ها نحن الان في المكان الذي كان امير المؤمنين (ع) يجلس فيه للقضاء، إنها دَكَّة الْقَضَاءِ.
لقد تساوى هذا المكان الان مع بقية الامكنة ، ولكنه كان فيما مضى بناءً يشبه الحانوت.
وكان يجلس عليها (ع) ليقضي بين الناس ويحكم بينهم بالعدل، وكانت هنالك اسطوانة قصيرة مكتوب عليها الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ ).
يا له من مكان لا يجلس فيه ‏ إِلَّا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ أَوْ شَقِيٌّ..
وما أكثر الاشقياء عبر الزمن الذين تبوؤا غيرَ مناصبهم.. ألم يقل الامام الصادق (ع): الْقُضَاةُ أَرْبَعَةٌ، ثَلَاثَةٌ فِي النَّارِ وَ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ.
إنهم:
1-   رَجُلٌ قَضَى بِجَوْرٍ وَ هُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ.
2-    وَ رَجُلٌ قَضَى بِجَوْرٍ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ.
3-    وَ رَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ وَ هُوَ لَا يَعْلَمُ فَهُوَ فِي النَّارِ.
4-    وَ رَجُلٌ قَضَى بِالْحَقِّ وَ هُوَ يَعْلَمُ فَهُوَ فِي الْجَنَّة.
نعم في هذا المكان كان يجلس وصيّ خاتم الانبياء ويقضي بين الناس بحكم الله.
كم هي القضايا التي حَكم بها بأحكام أذهلت العقول.. وكم من الحقوق أرجع.. وكم من النفوس أنقذ.. وكم من الحقائق أظهر..
نكتفي بأن نصلي هنا رَكْعَتَيْنِ تليها تَسْبِيحَة الزَّهْرَاءِ (ع) وَنقرأ الدعاء التالي:
يَا مَالِكِي وَ مُمَلِّكِي وَ مُتَغَمِّدِي بِالنِّعَمِ الْجِسَامِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْقَاقٍ، وَجْهِي خَاضِعٌ لِمَا تَعْلُوهُ الْأَقْدَامُ لِجَلَالِ وَجْهِكَ الْكَرِيمِ، لَا تَجْعَلْ هَذِهِ الشِّدَّةَ وَ لَا هَذِهِ الْمِحْنَةَ مُتَّصِلَةً بِاسْتِيصَالِ الشَّأْفَةِ، وَ امْنَحْنِي مِنْ فَضْلِكَ مَا لَمْ تَمْنَحْ بِهِ أَحَداً مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ.
أَنْتَ الْقَدِيمُ الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ تَزَلْ وَ لَا تَزَالُ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ اغْفِرْ لِي وَ ارْحَمْنِي وَ زَكِّ عَمَلِي وَ بَارِكْ لِي فِي أَجَلِي وَ اجْعَلْنِي مِنْ عُتَقَائِكَ وَ طُلَقَائِكَ‏ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِين.
ولكن قبل أن نغادر الى جهة أخرى سنقف عند محطة ترتبط بهذا المكان، إنه المكان الذي يطلق عليه تسمية بيت الطشت، او بيت الطست.
المحطة الرابعة: بيت الطشت.
هنا في بَيْتِ الطَّشْتِ الْمُتَّصِلِ بِدَكَّةِ الْقَضَاءِ حكاية من حكايا علم أمير المؤمنين (ع) خلدها التاريخ.
بالطبع إن ما وصلنا ما هو إلا نزر يسير وصل إلينا بشق الانفس وسفك المهج.
وهل يقارَن من لديه علم الكتاب بمن لديه علم من الكتاب؟
لئن استطاع الذي عنده علم من الكتاب أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يرتد طرف سليمان.. فما الذي يستطيع الاتيان به من عنده علم الكتاب؟
 رُوِيَ أَنَّ تِسْعَةَ إِخْوَةٍ أَوْ عَشَرَةً فِي حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ كَانَتْ لَهُمْ أُخْتٌ وَاحِدَةٌ فَقَالُوا لَهَا كُلَّ مَا يَرْزُقُنَا اللَّهُ نَطْرَحُهُ بَيْنَ يَدَيْكِ فَلَا تَرْغَبِي فِي التَّزْوِيجِ فَحَمِيَّتُنَا لَا تَحْمِلُ ذَلِكِ فَوَافَقَتْهُمْ فِي ذَلِكَ وَ رَضِيَتْ بِهِ وَ قَعَدَتْ فِي خِدْمَتِهِمْ وَ هُمْ يُكْرِمُونَهَا.
فَحَاضَتْ يَوْماً فَلَمَّا طَهُرَتْ أَرَادَتِ الِاغْتِسَالَ وَ خَرَجَتْ إِلَى عَيْنِ مَاءٍ كَانَ بِقُرْبِ حَيِّهِمْ فَخَرَجَتْ مِنَ الْمَاءِ عَلَقَةٌ فَدَخَلَتْ فِي جَوْفِهَا وَ قَدْ جَلَسَتْ فِي الْمَاءِ، فَمَضَتْ عَلَيْهَا الْأَيَّامُ وَ الْعَلَقَةُ تَكْبَرُ حَتَّى عَلَتْ بَطْنُهَا وَ ظَنَّ الْإِخْوَةُ أَنَّهَا حُبْلَى وَ قَدْ خَانَتْ فَأَرَادُوا قَتْلَهَا.
فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَرْفَعُ أَمْرَهَا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (ع) فَإِنَّهُ يَتَوَلَّى ذَلِكَ فَأَخْرَجُوهَا إِلَى حَضْرَتِهِ وَ قَالُوا فِيهَا مَا ظَنُّوا بِهَا فَاسْتَحْضَرَ (ع) طَشْتاً مَمْلُوءاً بِالْحَمْأَةِ ( الطين الاسود المنتن) وَ أَمَرَهَا أَنْ تَقْعُدَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَحَسَّتِ الْعَلَقَةُ بِرَائِحَةِ الْحَمْأَةِ نَزَلَتْ مِنْ جَوْفِهَا ...
وفي حادثة أخرى رويت عن عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَا:
كُنَّا بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ كَانَ يَوْمُ الْإِثْنَيْنِ لِسَبْعَةَ عَشَرَ خَلَتْ مِنْ صَفَرٍ وَ إِذَا بِزَعْقَةٍ عَظِيمَةٍ أَمْلَأَتِ الْمَسَامِعَ وَ كَانَ عَلَى دَكَّةِ الْقَضَاءِ فَقَالَ: يَا عَمَّارُ ائْتِنِي بِذِي الْفَقَارِ وَ كَانَ وَزْنُهُ سَبْعَةَ أَمْنَانٍ وَ ثُلُثَيْ مَنٍّ مَكِّيٍّ فَجِئْتُ بِهِ فَانْتَضَاهُ مِنْ غِمْدِهِ فَتَرَكَهُ‏ عَلَى فَخِذِهِ وَ قَالَ:
يَا عَمَّارُ هَذَا يَوْمٌ أَكْشِفُ لِأَهْلِ الْكُوفَةِ الْغُمَّةَ لِيَزْدَادَ الْمُؤْمِنُ وِفَاقاً وَ الْمُخَالِفُ نِفَاقاً.
يَا عَمَّارُ ائْتِ بِمَنْ عَلَى الْبَابِ.
قَالَ عَمَّارٌ فَخَرَجْتُ وَ إِذَا عَلَى الْبَابِ امْرَأَةٌ فِي قُبَّةٍ عَلَى جَمَلٍ وَ هِيَ تَشْتَكِي وَ تَصِيحُ:
يَا غِيَاثَ الْمُسْتَغِيثِينَ وَ يَا بُغْيَةَ الطَّالِبِينَ وَ يَا كَنْزَ الرَّاغِبِينَ وَ يَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينِ وَ يَا مُطْعِمَ الْيَتِيمِ وَ يَا رَازِقَ الْعَدِيمِ وَ يَا مُحْيِيَ كُلِّ عَظْمٍ رَمِيمٍ وَ يَا قَدِيمُ سَبَقَ قِدَمُهُ كُلَّ قَدِيمٍ وَ يَا عَوْنَ مَنْ لَيْسَ لَهُ عَوْنٌ وَ لَا مُعِينٌ يَا طَوْدَ مَنْ لَا طَوْدَ لَهُ يَا كَنْزَ مَنْ لَا كَنْزَ لَهُ.
إِلَيْكَ تَوَجَّهْتُ وَ بِوَلِيِّكَ تَوَسَّلْتُ وَ خَلِيفَةَ رَسُولِكَ قَصَدْتُ فَبَيِّضْ وَجْهِي وَ فَرِّجْ عَنِّي كُرْبَتِي.
قَالَ عَمَّارٌ وَ حَوْلَهَا أَلْفُ فَارِسٍ بِسُيُوفٍ مَسْلُولَةٍ قَوْمٌ لَهَا وَ قَوْمٌ عَلَيْهَا.
فَقُلْتُ أَجِيبُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَجِيبُوا عَيْبَةَ عِلْمِ النُّبُوَّةِ.
قَالَ فَنَزَلَتِ الْمَرْأَةُ مِنَ الْقُبَّةِ وَ نَزَلَ الْقَوْمُ مَعَهَا وَ دَخَلُوا الْمَسْجِدَ فَوَقَفَتِ الْمَرْأَةُ بَيْنَ يَدَيْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ قَالَتْ:
يَا مَوْلَايَ يَا إِمَامَ الْمُتَّقِينَ إِلَيْكَ أَتَيْتُ وَ إِيَّاكَ قَصَدْتُ فَاكْشِفْ كُرْبَتِي وَ مَا بِي مِنْ غَمَّةٍ فَإِنَّكَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَ عَالِمٌ بِمَا كَانَ وَ مَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ يَا عَمَّارُ نَادِ فِي الْكُوفَةِ:
مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ أَخَا رَسُولِ اللَّهِ فَلْيَأْتِ الْمَسْجِدَ قَالَ فَاجْتَمَعَ النَّاسُ حَتَّى امْتَلَأَ الْمَسْجِدُ فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) وَ قَالَ:
سَلُونِي مَا بَدَا لَكُمْ يَا أَهْلَ الشَّامِ فَنَهَضَ مِنْ بَيْنِهِمْ شَيْخٌ قَدْ شَابَ عَلَيْهِ بُرْدَةٌ يَمَانِيَّةٌ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ يَا كَنْزَ الطَّالِبِينَ يَا مَوْلَايَ هَذِهِ الْجَارِيَةُ ابْنَتِي قَدْ خَطَبَهَا مُلُوكُ الْعَرَبِ وَ قَدْ نَكَسَتْ رَأْسِي بَيْنَ عَشِيرَتِي وَ أَنَا مَوْصُوفٌ بَيْنَ الْعَرَبِ وَ قَدْ فَضَحَتْنِي فِي أَهْلِي وَ رِجَالِي لِأَنَّهَا عَاتِقٌ حَامِلٌ وَ أَنَا فَلِيسُ بْنُ عِفْرِيسٍ لَا تُخْمَدُ لِي نَارٌ وَ لَا يُضَامُ لِي جَارٌ وَ قَدْ بَقِيتُ حَائِراً فِي أَمْرِي فَاكْشِفْ لِي هَذِهِ الْغُمَّةَ فَإِنَّ الْإِمَامَ خَبِيرٌ بِالْأَمْرِ فَهَذِهِ غُمَّةٌ عَظِيمَةٌ لَمْ أَرَ مِثْلَهَا وَ لَا أَعْظَمَ مِنْهَا.
فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (ع) مَا تَقُولِينَ يَا جَارِيَةُ فِيمَا قَالَ أَبُوكَ؟
قَالَتْ يَا مَوْلَايَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنِّي عَاتِقٌ صَدَقَ، وَ أَمَّا قَوْلُهُ إِنِّي حَامِلٌ فَوَ حَقِّكَ يَا مَوْلَايَ مَا عَلِمْتُ مِنْ نَفْسِي خِيَانَةً قَطُّ وَ إِنِّي أَعْلَمُ أَنَّكَ أَعْلَمُ بِي مِنِّي وَ إِنِّي مَا كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ فَفَرِّجْ عَنِّي يَا مَوْلَايَ.
قَالَ عَمَّارٌ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الْإِمَامُ ذَا الْفَقَارِ وَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً.
ثُمَّ قَالَ (ع) عَلَيَّ بِدَايَةِ الْكُوفَةِ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ تُسَمَّى لَبْنَاءَ وَ هِيَ قَابِلَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَقَالَ لَهَا اضْرِبِي بَيْنَكِ وَ بَيْنَ النَّاسِ حِجَاباً وَ انْظُرِي هَذِهِ الْجَارِيَةَ عَاتِقٌ حَامِلٌ أَمْ لَا؟
فَفَعَلَتْ مَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ خَرَجَتْ وَ قَالَتْ نَعَمْ يَا مَوْلَايَ هِيَ عَاتِقٌ حَامِلٌ.
فَعِنْدَ ذَلِكَ الْتَفَتَ الْإِمَامُ إِلَى أَبِي الْجَارِيَةِ وَ قَالَ يَا أَبَا الْغَضَبِ أَ لَسْتَ مِنْ قَرْيَةِ كَذَا وَ كَذَا مِنْ أَعْمَالِ دِمَشْقَ قَالَ وَ مَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ قَالَ هِيَ قَرْيَةٌ تُسَمَّى أَسْعَارَ قَالَ بَلَى يَا مَوْلَايَ قَالَ وَ مَنْ مِنْكُمْ يَقْدِرُ عَلَى قِطْعَةِ ثَلْجٍ فِي هَذِهِ السَّاعَةِ قَالَ يَا مَوْلَايَ الثَّلْجُ فِي بِلَادِنَا كَثِيرٌ وَ لَكِنْ مَا نَقْدِرُ عَلَيْهِ هَاهُنَا فَقَالَ (ع) بَيْنَنَا وَ بَيْنَكُمْ مِائَتَانِ وَ خَمْسُونَ فَرْسَخاً قَالَ نَعَمْ يَا مَوْلَايَ.
ثُمَّ قَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ انْظُرُوا إِلَى مَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عَلِيّاً مِنَ الْعِلْمِ النَّبَوِيِّ وَ الَّذِي أَوْدَعَهُ اللَّهُ وَ رَسُولُهُ مِنَ الْعِلْمِ الرَّبَّانِيِّ قَالَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ فَمَدَّ يَدَهُ (ع) مِنْ أَعْلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ وَ رَدَّهَا وَ إِذَا فِيهَا قِطْعَةٌ مِنَ الثَّلْجِ يَقْطُرُ الْمَاءُ مِنْهَا.
فَعِنْدَ ذَلِكَ ضَجَّ النَّاسُ وَ مَاجَ الْجَامِعُ بِأَهْلِهِ فَقَالَ (ع) اسْكُتُوا فَلَوْ شِئْتُ أَتَيْتُ بِجِبَالِهَا.
ثُمَّ قَالَ يَا دَايَةُ خُذِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِنَ الثَّلْجِ وَ اخْرُجِي بِالْجَارِيَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَ اتْرُكِي تَحْتَهَا طَشْتاً وَ ضَعِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مِمَّا يَلِي الْفَرْجَ فَسَتَرَى عَلَقَةً وَزْنُهَا سَبْعُمِائَةٍ وَ خَمْسُونَ دِرْهَماً وَ دَانِقَانِ فَقَالَتْ سَمْعاً وَ طَاعَةً لِلَّهِ وَ لَكَ يَا مَوْلَايَ ثُمَّ أَخَذَتْهَا وَ خَرَجَتْ بِهَا مِنَ الْجَامِعِ فَجَاءَتْ بِطَسْتٍ فَوَضَعَتِ الثَّلْجَ عَلَى الْمَوْضِعِ كَمَا أَمَرَهَا (ع) فَرَمَتْ عَلَقَةً وَزَنَتْهَا الدَّايَةُ فَوَجَدَتْهَا كَمَا قَالَ (ع) فَأَقْبَلَتِ الدَّايَةُ وَ الْجَارِيَةُ فَوَضَعَتِ الْعَلَقَةَ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ يَا أَبَا الْغَضَبِ خُذِ ابْنَتَكَ فَوَ اللَّهِ مَا زَنَتْ وَ إِنَّمَا دَخَلَتِ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ فَدَخَلَتْ هَذِهِ الْعَلَقَةُ فِي جَوْفِهَا وَ هِيَ بِنْتُ عَشْرِ سِنِينَ وَ كَبِرَتْ إِلَى الْآنِ فِي بَطْنِهَا.
فَنَهَضَ أَبُوهَا وَ هُوَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّكَ تَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَ مَا فِي الضَّمَائِرِ وَ أَنْتَ بَابُ الدِّينِ وَ عَمُودُهُ‏...
لقد أنقذ أمير المؤمنين (ع) الفتاة الاولى مما ظنه بها أخوتها، وأعاد لها كرامتها المهددة.. وأنقذ الثانية مما ظنه بها أبوها..
فكم كان من الممكن أن يُنقذ من هذه الامة لو انقادت له؟
وكم ضاعت لهذه الامة من كرامات بعد ان ضيَّعت قيادها..
سنُصَلِّي هُنَا رَكْعَتَيْنِ وبعد التسبيح سندعوا بالدعاء التالي:
اللَّهُمَّ إِنِّي ذَخَرْتُ تَوْحِيدِي إِيَّاكَ وَ مَعْرِفَتِي بِكَ وَ إِخْلَاصِي لَكَ وَ إِقْرَارِي بِرُبُوبِيَّتِكَ وَ ذَخَرْتُ وَلَايَةَ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ بِمَعْرِفَتِهِمْ مِنْ بَرِيَّتِكَ مُحَمَّدٍ وَ عِتْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ لِيَوْمِ فَزَعِي إِلَيْكَ عَاجِلًا وَ آجِلًا .
وَ قَدْ فَزِعْتُ إِلَيْكَ وَ إِلَيْهِمْ يَا مَوْلَايَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَ فِي مَوْقِفِي هَذَا وَ سَأَلْتُكَ مَا زُكِّيَ مِنْ نِعْمَتِكَ وَ إِزَاحَةَ مَا أَخْشَاهُ مِنْ نَقِمَتِكَ وَ الْبَرَكَةَ فِيمَا رَزَقْتَنِيهِ وَ تَحْصِينَ صَدْرِي مِنْ كُلِّ هَمٍّ وَ جَائِحَةٍ وَ مَعْصِيَةٍ فِي دِينِي وَ دُنْيَايَ وَ آخِرَتِي يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
 
وللحديث عن مسجد الكوفة تتمة.

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2009/05/10   ||   التصفحات : 9959



كتابة تعليق لموضوع : رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة التاسعة ( في مسجد الكوفة)
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

كتاباتي : الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي ©  www.kitabati.net     ||    البريد الإلكتروني : mostapha@masrilb.net    ||    تصميم ، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net