||   أهلاً بكم في كتاباتي .. زُواراً وقُرَّاء ... مع خواطرَ وذكريات .. مقالات وحكايات ..صور وتسجيلات ..أسئلة وإجابات..مع جديد الاضافات ، أدونها في هذه الصفحات .. مصطفى مصري العاملي   ||   يمكنكم متابعة البرنامج المباشر أئمة الهدى على قناة كربلاء الفضائية في الساعة الرابعة عصر كل يوم اربعاء بتوقيت كربلاء . ويعاد في الخامسة من فجر كل يوم الخميس .   ||  

حكمة الساعة :

قَالَ علي (ع) مَا أَضْمَرَ أَحَدٌ شَيْئاً إِلَّا ظَهَرَ فِي فَلَتَاتِ لِسَانِهِ وَ صَفَحَاتِ وَجْهِهِ .

البحث في الموقع :


  

الكتب :

  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  • كتاب رحلة في عالم الصلاة
  •  مناسك الحج والعمرة مع شرح وملحق استفتاءات
  • الطهارة مسائل واستفتاءات
  • كتاب التقليد والعقائد
  • شرح منهاج الصالحين، الملحقات الجزء الثالث
  • شرح منهاج الصالحين، المعاملات الجزء الثاني
  • شرح منهاج الصالحين، العبادات الجزء الاول
  • رسائل أربعين سنة

جديد الموقع :



 أماه ... لقد تغير كل شيء .. فمتى اللقاء؟

 حديث حول المرجع الراحل السيد الروحاني وبيان ارشادي لمقلديه

 الاعلان عن موعد تشييع المرجع الراحل

 الوكيل العام لسماحة السيد الروحاني قدس سره ينعاه

  رحم الله آبا آمنة.. له مع أئمة الهدى بصمات لا تنسى

 من أهم ما يهدى الى الميت بدقائق

 كيف يتحمل عقل الانسان العادي احداث المنايا والبلايا

 إضحك مع مغالطة ( والله العالم ) من منكري التقليد

 لا تغضبوا المتوالي.. ولو قيدته الشريعة..

 لماذا اخر الامام علي (ع) صلاة العصر وكرامة رد الشمس ؟

 كشف حقيقة خالد ابن الوليد !!

 رؤية الهلال بين العين الطبيعية والعين المسلحة

 رؤية الهلال بين اتحاد الافق و اختلاف الافق

 هل قال علي (ع) هذا الكلام ؟كلام منسوب للأمير (ع) بين الإفراط والتفريط

 هل أغاثهم علي (ع) قبل ولادته ؟

مواضيع متنوعة :



 أولي الامر في تفسير المسلمين ج3- الحلقة 23

 بين عيد الأضحى وعيد الغدير الاغر - الحلقة 123

 ماذا لو لم يكن هناك حسين ج3 - الحلقة 34

 الحلقة العاشرة

 ثبوت هلال شهر رمضان : بين الشرع والعلم

 تعليق على مقال حول بناء حسينيات طريق الاربعين

 إضحك مع مغالطة ( والله العالم ) من منكري التقليد

 بين غداء في النجف وغداء في قم خاطرة وذكرى

 رحلتي الى أعظم حجّ في التاريخ .. الى كربلاء- الحلقة الرابعة (من النجف الى كربلاء)

 اثر الصدق ج2 ، الحلقة 010

  محاضرات رمضانية في الصحن الشريف للعتبة الحسينية – اليوم الرابع والعشرين

  يعجبني في عاشوراء .. أنني أنتمي الى عاشوراء

 علي في حجر النبي ج4 - الحلقة 221

 الحلقة الثانية

 علي عليه السلام وآية الولاية ج24- الحلقة 299

إحصاءات :

  • الأقسام الرئيسية : 3

  • الأقسام الفرعية : 32

  • عدد المواضيع : 685

  • الألبومات : 5

  • عدد الصور : 36

  • التصفحات : 6764128

  • التاريخ : 29/03/2024 - 14:31

 
  • القسم الرئيسي : كتاباتي .

        • القسم الفرعي : خواطر .

              • الموضوع : حكايتي مع السيكارة..سأحرقها دفعة واحدة .

حكايتي مع السيكارة..سأحرقها دفعة واحدة

حكايتي مع السيكارة

سأحرقها دفعة واحدة

في مطلع شبابي ورغم أنني لم أكن ممن يهوى التدخين إلا أنني شاهدت نفسي ومن حيث لا ادري عضوا في نادي المدخنين العالمي، لقد صرت مدخنا من غير قصد و أصبحت علبة الدخان ، والقداحة من الاشياء التي لا تغيب عن جيبي كما هي حال بطاقة الهوية في بلد كانت تعصف فيه الحروب من كل حدب وصوب، فكما لا يستطيع اي شخص أن يخرج من منزله دون ان يكون بجيبه بطاقة تعريف لأنه سيكون عرضة للتوقيف والمساءلة عند اي حاجز مقام على كل الطرقات والمفارق والقرى سواء كانت رسمية أو حزبية، فكذلك الحال بالنسبة للمدخن فإنه لا يستطيع الخروج دون ان يكون في جيبه علبة دخان بجانب بطاقته الشخصية.

وكانت نوعية الدخان هي مصدر تباه بين الاصحاب ، فهذا يدخن المارلبورو ، وهذا يدخن الكانت، واما ذاك فإنه يدخن نوعا وطنيا هو سيدرز ، أما أنا فكنت ممن يدخن الروثمان، وهي بالتالي من مداعي الاعتداد بالنفس امام من يدخن الانواع الاخرى.

وهنا يخطر ببالي مقال قرأته يوما لحسن صبرا رئيس تحرير مجلة الشراع يحكي فيه عن علاقته بأحد شخصيات الثورة الايرانية و الذي قتل في الانفجار الشهير في ايران الذي أودى بحياة 72 شخصية من شخصيات الثورة حتى اصبح رقم 72 معلما من المعالم القائمة في ايران والتي تطلق على الساحات والشوارع والميادين والقرى ولحد الان.

المهم ان حسن صبرا كان يتحدث عن تلك العلاقة وذكرياته وينقل كلاما عن صديقه الشيخ بأنه قال له يوما: أنتم في لبنان تحرقون أميركا، بتدخينكم المارلبورو، أما نحن في ايران فإننا نحرق بريطانيا بتدخيننا روثمان، وبالطبع فهي ليست بمتناول الجميع.

ولكن تدخيني للروثمان يومها لم يكن على وفق تلك الخلفية التي تحدث عنها حسن صبرا بل باعتبارها نوعا يمتاز بأنه ثقيل ومهم وله نكهة تتذوقها النخبة.

          ما أريد أن أقوله عن تلك الحكاية هو أنني في احد ايام تلك الفترة كنت عائدا الى بلدتنا في الجنوب وعندما وصلت الى مدينة صيدا شعرت انني بحاجة الى شيء صار أساسيا في حياتي ولا استطيع متابعة السير بدونه ، إنها حالة يشعر بها جميع المدخنين.

 يتخلى المدخن عن الطعام والشراب ولا يتخلى عن سيكارته، بل يتخلى عن كثير من لياقاته واعتباراته بهدف الحصول على السيكارة، فتوجهت الى محل كبير  بجانب موقف السيارات مختص ببيع مادة وحيدة للزبائن ، انه محل بيع السكائر فاشتريت علبتي المفضلة ، وبما أنه لم تكن معي كبريتة كي اشعل سيكارتي فقد اشتريت قداحة صفراء اللون، وركبت في الاوتوبيس التابع لشركة الصاوي وزنتوت في ذلك الوقت المتجه من صيدا الى صور الى مفترق بلدتنا عند منطقة معروفة باسم ( أبو الأسْوَدْ).

نزلت هناك ولحسن الحظ وجدت سيارة تاكسي عند المفترق تنتظر راكبا نحو أنصار ، فركبت بجانب السائق وتحركت بنا السيارة بين بساتين الليمون وقصب السكر على الطرق المتعرجة بين الجبال والوديان، وما أن قطعت بضع مئات من الامتار حتى تناولت علبة السكائر من جيبي، والتي كانت قد نقصت اثناء الطريق عددا لم أحصه ، فقدمت سيكارة الى السائق، واشعلتها له وفي نفس الوقت امسكت بسيكارة اخرى بيدي تمهيدا لكي اشعلها.

 وفي تلك اللحظة بدأت الحكاية.

جارنا وابن بلدتنا ابو عباس ، سائق التاكسي الذي أمضى حياة قاسية كي ينشئ أسرة ، عمل بكد ونشاط في بيروت بائعا متجولا وكادا في سبيل عياله، وعندما كبرت عائلته وكون رصيدا يستطيع من خلاله تحسين أوضاعه اشترى سيارة مرسيدس مع لوحة عمومية يفوق ثمنها ثمن السيارة بأضعاف، وراح يشتغل سائقا عموميا بين البلدة والاماكن الاخرى.

 أبو عباس الذي بدأ التدخين منذ شبابه أو مراهقته هو هذا السائق الذي اشعلت له السيكارة .

 وما أن وضعها بين شفتيه وشرب منها ( مجة)  حتى راح يسعل سعالا مميزا، إنه سعال خاص بالمدخنين، قحة متواصلة للحظات ينقطع فيها النفس، ثم يتدارك ابو عباس ما فاته من لذة سيكارته في لحظات سعاله  ليأخذ نفسا عميقا آخر، ويمص السيكارة بشغف كما لو كان يقبل احدا احفاده قبلة شوق  ولهفة، إن لم نقل أنها تشبه مصة الطفل الجائع الذي يرضع من ثدي امه.

المهم ان ابا عباس بعد ان أخذ نفسا عميقا ونفث الدخان بدأ يكيل سيلا من العبارات اللاذعة للسيكارة ، ويلعن تلك الساعة التي تعلم بها شرب الدخان ، ويتبع ذلك بمصة جديدة وتعليقات لم تعد تدخل في اذني، لأن فكري اتجه اتجاها آخرا.

شعرت وكأنني أسمع هذا السعال للمرة الاولى في حياتي علما أنه ليس غريبا عن مدخن. فمن لا يعرف قحة المدخن؟

توقفت عن إشعال السيكارة الموضوعة بين اصْبَعَي، وتساءلت في نفسي قائلا:

أي شيء هي هذه السيكارة التي تكدر مزاج أبي عباس الى هذا الحد وفي نفس الوقت يبدوا أنه أسير لها أكثر من الطفل الصغير؟

أي جاذبية تتجسد في هذه السيكارة؟ وأي أثر تتركه في الانسان؟

هل من العقل في شيء أن يشمئز منها انسان الى الدرجة التي يتبرأ من تلك اللحظات التي تعلق بها ، وفي نفس الوقت يقع أسيرا لها ؟

 - (الى درجة تشبه الاسرى الذين كانت تقودهم تلك المجندة في معتقل ابو غريب؟) -

أين هي إرادة الانسان الذي يتفاخر على بقية المخلوقات بأن الله ميزه بعقل وسخر له ما الارض جميعا؟

كيف يطمح الواحد منا ونحن نملك عنفوان الشباب الى أن يكون جزءا من حركة التغيير الكوني نحو الافضل، رافضا للظلم ، متمردا على قوانين الاستغلال والتسلط ، وفي الوقت نفسه يسلم قيادة نفسه الى عادة ساحرة جاذبة مدمرة؟

هل ينسجم طموحنا الانساني مع سلوكنا المنبطح امام سيكارة نشعلها ونرشفها بشغف وتلذذ؟

وأي لذة كاذبة هي التي نخدع أنفسنا بها؟

نظرت الى السيكارة التي كانت لا تزال بيدي في الوقت الذي تدور تلك الافكار والتساؤلات في رأسي، وكأنني أردت أن أعرف حقيقة موقفي في ذلك الصراع الذي استعرت ناره في مخيلتي ، وأدنيتها من أنفي كي أشمها.

أي رائحة هي رائحة الدخان؟ فلو قسمت الروائح الى طيبة وخبيثة، أو الى زكية وقبيحة، او الى جذابة ومنفرة، فلن تكون من القسم الاول يقينا بل ستندرج تحت القسم الاخر.

شعرت أنني بدأت أسير ضمن فصول جلسة محاكمة دون تحضيرات مسبقة وعلي أن أستمع لأدلة الاتهام وأعطي المجال للدفاع وأخيرا علي بأن أصدر الاحكام.

إنني من الناحية السلوكية ولتلك الساعة أعتبر نفسي مدافعا عن التدخين فأنا جزء من هذا النسيج المشبع باندفاعه نحو السيكارة.

ولكن علي أن أستمع الى عناصر الاتهام وأحاكمها ، فإن ثبتت فليس علي إلا أن أكون منصفا، وأصدر الحكم على طبقها وإلا فإنها تسقط.

لقد كانت سعلة ابي عباس عنصر الاتهام الأول في هذه المحاكمة، ولم يكن في الحكم أدنى التباس. فالقحة هذه هي قحة ناتجة عن السيكارة وعنصر الاثبات في كلام ابي عباس واضح ، فهو يلعن تلك الساعة التي اوصلته الى هذه النتيجة.

أما عنصر الاتهام الثاني: فهو ناتج ايضا مما تلمسته من سلوك ابي عباس، وأنا مثله رغم أنني أشعر وكأني بعيد عنه، ألا وهو الانقياد المهين الى السيكارة ، التي يسبها من جهة ويتشوق اليها من جهة اخرى. لقد كانت الادانة واضحة هنا ايضا.

أما عنصر الاتهام الثالث: فكان مقاربتي للسيكارة من ناحية رائحتها فعندما شممت رائحتها ، وانا العارف بها ،كأنني كنت في سبات عميق واستيقظت منه وقد أصدرت حكما بثبوت التهمة الثالثة أيضا.

قفزت عن عنصر اتهام يتعلق بالاثر المادي الذي يترتب على شرب الدخان كما قال احدهم لبعض المدخنين يوما والذي كان يسعى  للحصول على مبلغ كي يدفعه اجرة شهرية له بعد أن سأله كم علبة تشرب في اليوم؟

ثم قال له : لو أنك ادخرت ثمن ما احرقته من سكائر في عمرك لكنت اشتريت بثمنه منزلا ولما احتجت للبحث عن اجرة منزل.

ورغم هذه الذاكرة لم اسجل في هذا الاتهام ادانة ثابتة لأن اوجه الكلام يمكن ان تكون هنا متعددة فانتقلت الى عنصر اتهام آخر يستند الى حكم الذوق، فتصورت نفسي انني سأضع السيكارة في فمي كي امضع الدخان فيها ، وهنا شعرت بقشعريرة من هذا التصور.

 وتذكرت حادثة كان قد مضى عليها في ذلك الوقت عدة سنوات.

كنا لا نزال حينها في النجف الاشرف ، وكنت كبير اخوتي ولم يكن عمري قد تجاوز السنين العشر.

كان أخي الاصغر يومها - والذي صار رفيق درس في ايامنا - لا يزال متعلقا باللهوة ( المصاصة البلاستيكية التي تعطى للاطفال )، وكان قد تجاوز السنتين من عمره وقرب من الثالثة .

لقد سمعنا الكثير من الكلام من الاصدقاء وممن يزورنا بأنه صار شابا ، ولا يزال متعلقا باللهوة!!

لقد تركز في ذهننا أن تعلقه باللهوة الى هذا العمر امر معيب ولا بد لنا من معالجته كي يمتنع عنها.

بالطبع لم تكن طريقة المنع تجدي نفعا فلديه سلاح أقوى وهو البكاء ولن نستطيع منعه من اللهوة مع استخدامه لسلاحه الفعال.

استمعنا الى الكثير من النصائح في بيان الاساليب التي تجعله يكره اللهوة ، جربنا وضع الملح عليها ، والحبر، والحر، وكل ما يمكن ان يجعله يكره اللهوة دون نتيجة ، يبكي أحيانا منها ويمصها بشغف، كما فعل قبل قليل جارنا ابو عباس ، لقد لعن الساعة التي تعرف فيها على السيكارة وهو يأخذ منها نفسا بعمق وشوق.

لم تجد محاولاتنا كي يكره اخي اللهوة نفعا، الى ان طرحت علينا فكرة وضع الدخان عليها، وبما أن الوالد لم يكن من المدخنين ولا نضع الدخان في منزلنا فقد تحينت الفرصة بعد حضور بعض الضيوف وشربهم للدخان وأخذت شيئا من السيكارة ووضعته على لهوة أخي، وهنا كانت المفاجأة السارة ، لقد أخرج اللهوة من فمه بعد أن تذوق طعم الدخان ، وراح يتفتف بانزعاج وقرف وحمل اللهوة ليذهب ويرميها في البالوعة التي كانت في وسط الدار.

لقد تخلى أخي عن اللهوة وكرهها ورماها بعد أن ذاق طعم الدخان منها.

وهنا أصدرت حكما على السيكارة بأن  أربعة عناصر اتهام من أصل خمسة استعرضتها في هذه الجلسة هي ثابتة عليها ولا مجال للانكار.

بعد هذا الحكم انتقلت في ذهني الى الفصل الثالث من الحكاية  وهو مرحلة ترتيب الاثر فتساءلت قائلا:

لقد استقبحنا أن نرى طفلا لم يصل الى ثلاث سنوات يضع في فمه مصاصة بلاستيكية يمصها فحاولنا التأثير عليه كي يتركها ولم  نفلح الا بوضع الدخان عليها.

فأي ضرر كانت تحمله اللهوة لأخي الصغير ؟ وأي قبح فيها؟ سوى أنها عادة اعتبرنا ان عمره تجاوز وقتها.

ولو وضعنا السيكارة مقابل اللهوة ، أليست هي عادة اعتدنا عليها كما اعتاد الطفل على تلك العادة؟

ليس للهوة اثر السعال والقحة الذي نلمسه في السيكارة، وليس فيها رائحة كتلك التي تنبعث من السيكارة، نعم هي مثلها في انها غير قابلة للاكل بل تشترك معها في اسلوب المص.

وهنا طرحت تساؤلا .. ماذا لو شاهدنا شابا مثلي يخرج امام الناس واللهوة في فمه ؟ ماذا سيقول الناس عنه؟ إن كنا نعتبرها امرا معيبا لطفل صغير ؟ فكيف ستكون النظرة لشاب كبير او رجل او ام يفعل مثل هذا ..

لا شك انه سيقال عنه ان به مس من جنون ، وأنه يتصرف بأمر غير طبيعي وغير عقلائي، وكما يقال بالدارج:( لكنا طبلنا له بالتنك).

ولكن أليس منظر السيكارة في فم الشاب أقبح بكثير من اللهوة؟؟

عندما وصلت الى هذه المرحلة من التفكير كانت السيارة تتجه صعودا عبر منعطفات  جبلية وقد صرنا بمحاذاة منعطف على طريق بلدتنا يعرف ب( كوع الشلالة)، - التي لو انحرفت السيارة عنه قليلا لنزلت في الوادي السحيق الذي لا ينجو منه أحد - وعندها أحسست بأنني سائر نحو منزلق أخطر من انزلاق السيارة عند كوع الشلالة فأخذت قراري اثر تلك المحاكمة وقررت الامتناع عن التدخين فورا وبشكل مطلق.

ولكي لا أتأخر في التنفيذ أرجعت القداحة من يدي التي كنت امسك بها كي اشعل السيكارة التي كانت لا تزال بين اصبعي فكسرتها بدل ان اشعلها ورميتها من الشباك.

وهنا التفت ابو عباس رحمه الله -( الذي أصيب فيما بعد بسرطان الرئة نتيجة التدخين وأدخل المستشفى ودفع اولاده جميع ما كان قد جناه في حياته لهم بل واستدانوا ما استطاعوا تأمينه كي يدفعوا مصاريف المستشفى في بيروت ولكن ابو عباس عاد من المستشفى جثة هامدة ) - وقال لي ضاحكا: ماذا تفعل؟

أجبته قائلا: قررت ترك التدخين ، فقال هازا برأسه : طالما عملنا مثل ذلك ولكنك ستعود كما عدنا .

قلت له كلا لن أعود ، وزيادة في الاصرار اخرجت علبة الدخان من جيبي ، فكأنه أدرك بأني سأرمي بها ، قال : لا تريدها إذن اعطني اياها.

قلت له: كلا . إن كنت لا أرتضيها لنفسي ، فكيف ارتضيها لك؟

وقبل ان ارمها من شباك السيارة قررت تكسيرها كي لا تقع بيد احد فتغويه ويشربها ، لقد رميتها بعد ان حطمتها ، وشعرت انني انسجمت مع نفسي اثر المحاكمة التي اجريتها.

ولكن بقي معي من آثارها ( القداحة ) حيث قلت في البداية أنني احتفظ بها واتركها في المنزل فربما احتجناها لاشعال غاز او شيء آخر،  ولكن بعد لحظات ، شعرت ان هذا تبريرا ، فلا احد يستعمل عادة قداحة الدخان للغاز بل ان استعمالها هو للتدخين فقط ، وهنا أخذت قرارا آخر ، لقد امسكت بالقداحة ، واشعلتها كي افرغها من الغاز ، ورحت انظر اليها بعد ارتفعت درجة حرارة رأسها وانا ممسك بها من الاسفل كي يفرغ الغاز منها وانا اقول في نفسي ، إنها كانت تريد ان تحرقني بالتدريج ، فأنا سأحرقها دفعة واحدة.

 

 

 

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2006/02/23   ||   التصفحات : 12529



كتابة تعليق لموضوع : حكايتي مع السيكارة..سأحرقها دفعة واحدة
الإسم * :
الدولة * :
بريدك الالكتروني * :
عنوان التعليق * :
نص التعليق * :
 

كتاباتي : الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي ©  www.kitabati.net     ||    البريد الإلكتروني : mostapha@masrilb.net    ||    تصميم ، برمجة وإستضافة: الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net