الحلقة رقم 14 - تاريخ: 25-07-2012 (الطاعة والهداية والنهي عن التنازع)
◀ المقدمة والتساؤل المحوري
المُقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم
سلام مِنَ الله عليكم مشاهدينا الكرام وتقبل الله طاعتكم في هذا الشهر الكريم، وأهلاً ومرحباً بكم مع حلقة جديدة من برنامج "أئمة الهدى". عنوان هذه الحلقة هو الطاعة والهداية، وستكون هواتفنا مفتوحة لاستقبال اتصالاتكم واستفساراتكم حول هذا الموضوع.
بداية، دعونا نرحب بضيفي الدائم الأستاذ في الحوزة العلمية والباحث الإسلامي سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي. حيّاكم الله سماحة الشيخ معنا في هذه الحلقة.
الشيخ مصطفى العاملي: أهلاً وسهلاً.
المُقدِّم: سماحة الشيخ، في الحلقة السابقة توقفنا عند آية خاصة بالطاعة وهي قوله تعالى: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [الأنفال: 46]. وذكرتم كذلك تعليقكم حول هذه الآية وذكرتم حديث أو كلام لخطبة الزهراء عليها السلام، وكان هناك تعليق من سلمان المحمدي حول هذا الموضوع، ولكن يا حبذا تبينون ما المراد بالتنازع المنهي عنه في الآية؟ نعم، تفضل.
🔗 المحور الأول: التنازع المنهي عنه (الربط بخطبة الزهراء)
الشيخ مصطفى العاملي: بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ﴿الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً﴾.
بدايةً، أخي الكريم، أتوجه لك وللمشاهدين الكرام في هذا اليوم المبارك من أيام شهر رمضان الخير، ومن جوار سيد الشهداء أبي الأحرار الحسين بن علي عليه السلام، بأزكى آيات المودة والدعاء. في هذه المناسبة العطرة، أقول إننا في هذا الشهر الذي أُنزل فيه القرآن ﴿هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ﴾، فإننا نحاول من خلال هذا البرنامج الذي وصل بنا اليوم إلى الحلقة الرابعة عشرة، أن نبحث في إطار الآية الكريمة التي أشرت إليها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾. هذا محور الآية الأولى التي ترتبط بها الآيات الأخرى التي أشرت إليها.
ما أشرت إليه أخي الكريم يدخل في إطار بحثنا عن هذه الآيات التي وردت في القرآن الكريم والتي ورد فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله. وعندما نقول أن هناك عدداً من الآيات وصل إلى أحد عشر آية، نجد أن هناك اقتران بين الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول. واحدة من هذه الآيات هي مورد برنامجنا: ﴿أُولِي الْأَمْرِ﴾.
السؤال الذي يطرح استناداً إلى ما نفهمه من القرآن الكريم من أن فيه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات. انطلاقاً من هذا المعنى، نحاول أن نفهم مدلول هذه الآيات كما ورد عن أهل بيت العصمة عليهم السلام، وكما ورد عن المصادر المعتبرة. وبالتالي، نصل إلى السؤال الذي نطرحه دائماً في كل الحلقات التي مضت: عندما نقول أن الله تعالى عندما قرن طاعته بطاعة أناس في محور الآية ﴿أُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾، من هم هؤلاء الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله؟ هل أنهم كل من وصل إلى السلطة أو تمكن من سلطة؟ أم أنهم أناس بصفات معينة؟ من خلال بحثنا عن هؤلاء ذوي الصفات نحاول أن نبحث عن كل تلك الآيات.
وصل بنا الحديث في الحلقة الماضية إلى الآية التي أشرتم إليها: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾. المحور الذي طرحته الآن في الواقع الذي يقال فيه أن مسألة التنازع على ماذا؟ يعني هل يمكن أن يكون النهي ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ مرتبطاً بأمر اعتيادي؟ أليس هذا ما يفهم من سؤالكم الكريم؟
الجواب في ذلك نقول: لا يمكن على الإطلاق أن يكون الأمر مرتبطاً بأمر اعتيادي، بأمر مستحب، بأمر مكروه. لا بد من أن يكون مرتبطاً بأمر مهم له أثر على حياة الناس وعلى حياة المؤمنين. نعم.
المُقدِّم: فقط شيخ أذِكِّر المداخلة، فقط كي نتيح الفرصة للمشاهد الكريم لأجل المداخلة والسؤال والاستفسار، وأنتم تسيرون في البحث قد يتصور المشاهد الكريم أن الاتصالات قد تكون بعد الفاصل، ولكن هنا في هذه الحلقة تكون الاتصالات وأنتم تذكرون هذا البحث. نعم نعم نعم.
الشيخ مصطفى العاملي: فالذي نقول في هذا السياق أن الله تعالى لطيف بعباده ولا يرضى لعباده الكفر كما ورد في آيات أخر. ﴿وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ﴾. يعني من ناحية هو لطيف بعباده، ومن ناحية لا يرضى لعباده الكفر، ومن ناحية إن تشكروا يرضى الشكر منكم.
بهذا الإطار نجد أن الله تعالى ذكر في عدد من الآيات القرآنية التي تتحدث عن الكتاب، ذكر الكتاب مقروناً بالحكمة: ﴿لَقَد مَنَّ اللَّهُ عَلَى المُؤمِنينَ إِذ بَعَثَ فيهِم رَسولًا مِن أَنفُسِهِم يَتلوا عَلَيهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكمَةَ﴾.
بحثنا بهذا الإطار في هذه الآيات التي نحاول أن نستوحي منها الحكمة. فنجد أن الآية التي وردت في السؤال: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾، هل يمكن أن يكون لها ارتباط بمورد خاص ويكون هو المقصود منها وانتهى الأمر؟
لأنه قد يقول قائل أن لهذه الآية مناسبة نزول، وكما ورد في حديث عن الإمام الباقر عليه السلام: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أحد الغزوات، في أحد المعارك، أثناء مرحلة التجهيز للمعركة، كان هناك اقتراح من بعض الصحابة، من بعض أصحابه، بأن ينتقل من مكان إلى مكان، وأصبح هناك تنازع بين المسلمين، منهم من يؤيد البقاء حيث هم، ومنهم من يؤيد فكرة الانتقال إلى موقع آخر كما أشار بعضهم، فنزلت الآية الكريمة التي مطلعها: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ [الأنفال: 45-46].
المُقدِّم: يعني فمقتضاكم عفواً المقاطعة، أنه التنازع هنا مصاديقه الخلاف أم الاختلاف في تلك الواقعة؟ يعني قد يقول قائل أن المقصود من هذه الآية هي نزلت في واقعة، وبما أنها نزلت في واقعة موردها الاختلاف الذي حصل بين المسلمين بين من يريد أن يأخذ برأي أحدهم ومن يريد أن يأخذ برأي الآخر، إذن دائرة حصار أو دائرة تطبيق الآية هو في هذا المورد. قد يقول قائل هذا الكلام، ولكن يأتينا كلام آخر نقول أن هذا الكلام صحيح أن لكل آية من آيات الله الكريم مورد نزول، ولكن مورد النزول يكون فيه إشارة إلى حادثة معينة، أما ما يؤخذ من الآية الكريمة فهو أكبر بكثير، بل له صفة الاستمرارية.
صفة الاستمرارية في الأخذ بمدلول الآية هو الذي يفهم من آيات الله الكريم، وكما أشرنا الآية التي تتحدث عن الحكمة. لأننا لو أردنا أن نقول أن كل آية لا يُؤخذ منها إلا مورد النزول وانتهى الأمر، معنى ذلك أن أكثر آيات القرآن الكريم تصبح خارجة عن دائرة التطبيق العملي لأنها نزلت في موارد خاصة ستحصل فيه فقط. نعم. والمعروف أن القرآن الكريم هو كتاب هداية للبشرية جمعاء على مر الزمن. وبالتالي، فإن أسباب النزول التي ترتبط بعدد من الآيات لا تخرجها عن صفة الاستمرارية.
الشيخ مصطفى العاملي: وبالتالي، عندما نلحظ أن هناك سبباً للنزول في هذه الآية، فإن سبب النزول لا يلغي الأخذ بمدلول الآية الأخرى على مر، يعني مصاديق أخرى على مر العصور. بالضبط.
ولذا نجد مثلاً أن أمير المؤمنين عليه السلام في بعض الروايات المروية التي ينقلها الإمام الصادق عليه السلام، نجد له نص يذكر نصاً، وهذا النص ذكره يوصلنا إلى استشهاده بهذه الآية الكريمة: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا﴾. مع أن مورد النص الذي يتحدث عنه أمير المؤمنين عليه السلام لا ربط له بخصوص مورد نزول الآية. من هنا نفهم أن الآيات التي نزلت وإن كان لها تلك الخصوصية، إلا أنها هي عنوان عام يستفاد منه في جميع مراحل حياتنا.
وبالتالي، فعندما نبحث نحن في مثل هذه الآيات ونبحث في دلالاتها وعملية الربط بين طاعة الله وطاعة الرسول، كل ذلك مقدمة لنعود بعد حلقات لاحقة إن شاء الله إلى الآية الأولى التي طرحناها في بداية برنامجنا: من هم المقصدون بأولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله؟
في هذا الحديث الذي يُنقل عن الإمام الصادق عليه السلام، يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "لَا تَخْتَانُوا وَلَا تَغُشُّوا هُدَاتَكُمْ". يعني عمّن يتحدث؟ لا تنسب الخيانة إلى من؟ إلى ولاتكم. ولكن أي ولاتهم؟ لا بد أن يكون ولاة الحق، أئمة الصدق. عندما يتحدثون في أمر، عندما يبلغوكم أمراً، عندما يقومون بعمل، فلا يصح لكم أيها المؤمنون أن تصفوهم بالخيانة. وبالتالي، إذا أرادوا شيئاً فلا يحق لكم أن تريدوا شيئاً آخر. إذا أمروكم بأمر فلا يمكن لكم أن تأتوا بأمر معاكس لهذا الأمر. إذا نهوكم عن شيء فلا يمكن لكم أن لا تمتثلوا لأمرهم. هذا بالإلحاظ ولاة الأمر.
ثم يقول عليه السلام: "وَلَا تَجْهَلُوا أَئِمَّتَكُمْ". كلها نجد، نعم، كلها نلاحظ هذه العبارات تأخذنا إلى محورنا الأساسي. لا تجهلوا أئمتكم. يعني لا تنسبوا إليهم الجهل. طب الجهل أي جهل؟ الجهل مطلق. ليس جهلاً خاصاً، ليس جهلاً بأمور محددة، لا تنسب الجهل إليهم في كل شيء. بسيطة ومركبة. بسيطة ومركبة.
إذن لا بد حينئذ من أن يكونوا هؤلاء الولاة هم أعلم الناس بينكم. وعندما يكونوا أعلم الناس، فحينئذ يستطيع حينئذ أن يقال لا تجهلوهم، لأن من يصل إلى هذا الموقع ولا يكون أعلم الناس، فمعنى ذلك أنه مصاب بالجهل. وعندما يكون مصاباً بالجهل أو لديه صفة الجهل، لا يمكن أن يكون هناك نهي عن تجهيلهم مع أنهم جاهلون. إذاً تأخذنا هذه العبارات للدلالة كما ورد في سياق كلام أمير المؤمنين عليه السلام.
نجد هو أيضاً يقول هنا يدخلنا إلى مورد الآية التي تحدثنا عنها: ﴿وَلَا تَنَازَعُوا﴾. يقول: "وَلَا تَصْدَعُوا عَنْ حَبْلِكُمْ". ﴿تَصْدَعُوا عَنْ حَبْلِكُمْ﴾ معنى ذلك أن الحبل الذي ينجيك. يعني لماذا استعمل كلمة الحبل؟ نجد أن هناك تعبير الإنسان الذي يكاد أن يغرق في الماء، يقال: ألقِ إليه الحبل. عندما ترمي إليه الحبل يتمسك بالحبل ويصبح حينئذ على طور النجاة. عندما يتمسك بالحبل والطرف الآخر يسحبه، فإنه سينقذه من الغرق. فعندما يقال حبل النجاة، ففيه دلالة إلى هذا المعنى.
الغرق الجسماني أثره أن ينهي حياة الإنسان المادية لا أكثر، أما الغرق ببعده الآخر الذي يعني الانحراف عن الطريق القويم عن طريق الهداية، فيعني النهاية لحياة الإنسان الأبدية. لأن الحياة الدنيوية هي مرحلة مؤقتة محدودة، أما الحياة الأخرى التي ينتقل بها الإنسان إلى عالم الخلود، فإن كان من الهالكين فمعنى ذلك أنه حُكم على نفسه بالعذاب الأبدي الذي لا نهاية له.
عليّ عليه السلام يقول في هذا الإطار: "وَلَا تَصْدَعُوا عَنْ حَبْلِكُمْ فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ". إذن الابتعاد ومفردات ومفردات الآية، نعم، الابتعاد عن طرق الهداية، عن حبل النجاة، عن ولاة الأمر الحقيقيين، هو الذي يوصل إلى الهلاك.
ثم نراه يقول: "وعلى هذا" بعد أن بيّن "وعلى هذا فَلْيَكُنْ تَأْسِيسُ أُمُورِكُمْ". يعني القاعدة الأساسية التي تريد أيها الإنسان أن تبني عليها سلوكك في هذه الحياة، لا بد وأن يكون مستنداً إلى التمسك بحبل ينجيك، ينجيك كما قلنا بالنجاة الأبدية. وهذا يكون من خلال الالتزام بما يقوله ولاة الأمر. ولكن أي ولاة أمر؟ ولاة الأمر الذين فرض الله طاعتهم على العباد، لا الذين وصلوا إلى تلك المواقع من طرق مختلفة.
وعلى هذا يعود عليه السلام ليقول: "وَالْزَمُوا" هذه الطريقة، "فإنكم لو عاينتم ما عاين من قد مات منكم ممن خالف ما قد تدعون إليه، لَبَادَرْتم وخرجتم" و**"لَسَمِعْتُم"**. يشير إلى أن هناك محطات، محطات يعيشها الإنسان في هذه الحياة. وهذه المحطات تجعل الإنسان يعيش حالتين: حالة استجابة وحالة ابتعاد. حالة ابتعاد عما أُمر به من أولئك الأئمة الذين أُمر بطاعتهم وبالتالي هذه توصله إلى الهلاك، وحالة استجابة توصله إلى النجاة.
يقول: "إِلْزَمُوا" هذه الطريق من خلال الوصف الذي ذكره في هذا الإطار: أنتم على شفى مرحلة الانتقال من حياتكم إلى حياة أخرى، حينئذ تدركون عندما تصلون إلى تلك المرحلة، ولكن محجوب عنكم ما قد عاينوا ﴿وَقَرِيباً مَّا يَرْفَعُ الْحِجَابُ﴾.
📞 مداخلات المشاهدين وأجوبة فقهية
المُقدِّم: فقط عند هذه النقطة، لدينا اتصال من كربلاء المقدسة. اسمحوا لي أن أستقبل. السلام عليكم وتفضلوا. حيّاكم الله. اسمكم الكريم؟ تفضلوا. من معنا؟
الأخ طالب أبو زهراء: طالب أبو زهراء من كربلاء. أهلاً وسهلاً أهلاً أبو زهراء. تقبل الله طاعتكم. تفضلوا سؤالكم بلا زحمة. سؤالي على موضوع شهر رمضان. عندي سؤال سماحة الشيخ. تفضل. الله يساعدك شيخنا. أهلاً وسهلاً حبيبي. الله يتقبل. رمضان كريم إن شاء الله. من صيامكم جميعاً إن شاء الله. شيخنا، يا فتحة بخصوصية شهر رمضان. عندي فتحة لوز. أسأل... عديها؟ تفضل تفضل. شيخنا، عندي أهل بالبيت، وحليب مُرضِع، وحليب مُكفِّي بهذا المُرضِع. وهناك فَطْرَة. وكيف نحكم هذا؟ يعني عليها بس قضاء لو كفارة وقضاء؟ واضح السؤال.
المُقدِّم: واضح سؤالك. شكراً جزيلاً للأخ طالب. حبيت أنوّه للأخ طالب وباقي الإخوة أن هناك برنامج لسماحة السيد خضير المدني، ويُبث يوم الأحد والثلاثاء والخميس الساعة السادسة والنصف لاستقبال أسئلتكم الفقهية وعلى الهواء مباشرة. نعم.
الشيخ مصطفى العاملي: الشيخ يعني للسائل الكرامة. لا شك ولا ريب بالنسبة للمُرضِع التي يؤثر الصوم. طبعاً هناك حالات. صاحب العلاقة يستطيع أن يحدد المسألة بشكل طبيعي أكثر من المسؤول، باعتبار أن مجرد نقص الحليب هو أمر طبيعي للصيام، وليس بحد ذاته مبرر للإفطار. ولكن فيما لو كان هذا يؤدي إلى الإضرار، خاصة نعرف أنه يمكن الاستعانة بإرضاع الطفل أو الطفلة. إذا كان بالفعل يؤدي إلى ضرر كما هي القاعدة العامة التي تطرح في كل هذه المسائل، الضرر هو الذي يجيز الإفطار. عدم الضرر، مجرد قلة الحليب لمقدار ما أو مجرد ما يمكن أن يعانيه الإنسان من عطش وما أشبه ذلك ليست مبرر للصوم.
في هذه الحالة إذا كان إفطاره عن وجه مبرر من الناحية الشرعية، فليس على المفطر في مثل هذه الحالة إلا القضاء ولا كفارة عليه. أما إن كان لشبهة تصبح مسألة أخرى أيضاً لها وضع آخر. إن كان متعمداً فعليه الكفارة.
⚔ المحور الثاني: تنازع الأمة (هارون وعلي عليهما السلام)
المُقدِّم: نعود للتنازع المنهي عنه في الآية. وذكرت وأنكرت كلاماً لأمير المؤمنين. وهناك كان سؤال حول التنازع يؤدي الفشل والضعف وحكمة هذا التنازع.
الشيخ مصطفى العاملي: هنا نستطيع أن نقول من خلال ما استعرضناه في حديثنا أن التنازع المنهي عنه في هذه الآية الكريمة ليس تنازعاً على أمر اعتيادي، بل المقصود التنازع عن الأمر الذي يؤدي إلى الهلاك الأخروي، وهو من خلال مخالفة الله ورسوله وأولي الأمر الذين فرض الله طاعتهم. فالتنازع هنا يظهر يعود بنا الحديث إلى ما تحدثنا عنه في الحلقات السابقة وما قبلها، عندما عن كلام الزهراء عليها السلام عندما قالت عن: ﴿وَجَعَلَ طَاعَتَنَا نِظَامًا لِلْمِلَّةِ﴾. فالطاعة التي أمر الناس بالالتزام بها هي من التي توصل إلى ما جاء به الله تعالى من خلال أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولا يمكن أن يكون الأمر الإلهي في الآية القرآنية قاصداً لجانب ليس له أمر تأثيري أساسي في حياة الناس. على هذا ما يمكن أن يقال في موضوع سؤالكم الكريم.
المُقدِّم: لدينا هنا سؤال آخر إذا ذكرتم ورد في الآية رقم 90 من سورة طه قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: 90]. يعني أكو ربط بين كلام هارون عليه السلام وكلام الإمام عليه السلام؟
الشيخ مصطفى العاملي: تماماً. هذه الآية من ضمن الآيات الأربعة عشر التي وردت في القرآن الكريم وأشرنا إليها، فيها الأمر بالطاعة. أحد عشر منها: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بصيغ مختلفة. هذه جاءت بشكل مفرد عن بقية الآيات: ﴿أَطِيعُوا أَمْرِي﴾. نلاحظ في هذه الآية جاءت بلسان هارون. هنا يوجد علاقة معينة بين هارون وعلي عليه السلام.
الكلام الذي تحدثنا عنه قبل قليل عن علي عليه السلام يبين موارد الطاعة التي يجب أن يمتثلها المؤمنون. هارون عليه السلام وعلى نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام كان مع موسى، ومعروف دور هارون المكمل لدور موسى عليه السلام. وعندما بعثه الله مع موسى إلى فرعون، والآيات التي تتحدث عن موسى (لعل أكثر نبي من الأنبياء ذُكر اسمه في القرآن الكريم كان النبي موسى عليه السلام). هارون له دور الشراكة مع موسى. طيب عندنا هذه الصورة لبيان الشراكة.
🎬 فاصل إعلاني
المُقدِّم: اسمح لي بفاصل، ومثل ما نعود مشاهدينا الكرام. فاصل قصير ونعود إليكم.
(الفاصل يتضمن أبياتاً دينية)
المُقدِّم: حيّاكم الله مشاهدينا الكرام، وعودة من جديد لبرنامج أئمة الهدى، وعنوان هذه الحلقة هو الطاعة والهداية. وهواتفنا لا زالت مفتوحة لاستقبال اتصالاتكم واستفساراتكم حول هذا الموضوع. ونعود بالترحيب مرة أخرى بضيفنا سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي. حيّاكم الله سماحة الشيخ مرة أخرى.
الشيخ مصطفى العاملي: أهلاً وسهلاً بكم.
المُقدِّم: يعني كان لكم جواب، وذكرتم قصة نبي الله هارون من خلال السؤال الذي يربط هناك ما بين كلام هارون عليه السلام نبينا عليه السلام وكلام الإمام علي. وهارون كما أسلفنا له دور الشريك مع موسى عليه السلام، وعندما نقول دور الشريك أيضاً له صفة النبوة. يعني موسى نبي وهارون أيضاً نبي، ولكن الدور الأول هو لنبي موسى عليه السلام. لهارون دور في رسالة موسى.
الشيخ مصطفى العاملي: وجه المقارنة في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي يشبه مكانة علي عليه السلام بالنسبة إليه كمكانة هارون بالنسبة لموسى. والكلام لكليهما في كلام هارون عليه السلام يقول: ﴿فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾. كلام لهارون. وفي كلام علي عليه السلام ذكرنا الفقرات التي وردت مع إشارة إلى كلمة طالما رددها أمير المؤمنين عليه السلام عندما قال: "لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ". إذن هناك محور مشترك بالموضوع.
عندما نجد أن الأمر بالطاعة في كلام هارون عليه السلام كان بعد التنبيه من الفتنة. ماذا قالت الآية؟ ﴿وَلَقَدْ قَالَ لَهُمْ هَارُونُ مِن قَبْلُ يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ ۖ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَٰنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي﴾ [طه: 90]. كلامه في ثلاث محاور: ﴿إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ﴾. عمّ ماذا يتحدث هارون في هذه الآية؟ يشير إلى ما حصل من امتحان لبني إسرائيل.
وهنا نقول عندما نتحدث عن الامتحان، الامتحان لمن يكون؟ الامتحان لا بد من أن يكون لمن يقول أنني مؤمن. من يخرج عن دائرة الامتحان انتهى أمره، لم يعد بحاجة إلى امتحان. يعني من يخرج من دائرة المدرسة لا معنى لأن يُقال عنه أنه بحاجة إلى امتحان. من يكون في المدرسة، في الكلية، في الجامعة، في المورد التعليمي، في دائرة الانتماء، يكون بحاجة إلى امتحان. وبالتالي المؤمنون هم بحاجة إلى امتحان، لأن من خرج عن ربقة الإيمان انتهى أمره.
هارون عليه السلام كان دائرة من دوائر الامتحان لقوم موسى عليه السلام في الآية التي يشير إليها ﴿إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ﴾. يتحدث عما حصل مع موسى عليه السلام عندما تتحدث الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ﴾. في آية أخرى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾. يعني الأربعين كانوا ثلاثين ثم عشر فصاروا أربعين. ما الذي حصل؟ ﴿ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ﴾ [البقرة: 51]. لم يصبروا.
اتخاذ العجل في الواقع لم يكن مجرد قد يظن البعض أن عبادتهم للعجل كانت حالة ليست مستندة على حقائق معينة أو ليس لها جذور، بل إنها مستندة إلى أمور تثير في الإنسان التوجه نحو هذه الأمور. يعني عندما السامري مثلاً صنع لهم ذاك العجل أصبح له خوار، يعني عجل مصنوع من المعدن، من الذهب، من الفضة، وإذ به يتكلم، ينطق. ليس أمراً سهلاً. فكانت من موارد الفتنة التي وقع بها بنو إسرائيل.
في موارد الفتنة هناك أمورٌ دفعتهم لتصديق السامري، في المقابل كان هناك هارون: ﴿يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنتُم بِهِ﴾. هذه فتنة لكم. والله يقول: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ [العنكبوت: 2-3].
إذن هناك دائرة عاشها قوم موسى، نفس الأمر يعيشه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم. دائرة الافتتان بما حصل هي نفسها ولكن بصور مختلفة. فنجد هناك ربطاً بين كلام هارون عندما قال: ﴿أَطِيعُونِي﴾. ﴿أَطِيعُونِي﴾ لتخرجوا عن الفتنة، لتبتعدوا عن الفتنة، لكي تستقيموا حسب ما أراد الله تعالى منكم.
هل هناك كانت توصيات لنبي الله موسى عليه السلام لقومه بقضية هارون؟ بالطبع، لأنه ﴿خَلَفَنِي فِي قَوْمِي﴾. يعني عندما أوصاهم وأنه أنا سأذهب إلى ميقات ربي، سأغيب عنكم هذه الفترة الزمنية، إن هارون هو مكاني، إن هارون هو الذي عليكم أن تطيعوه. وعندما حصل ما حصل، فإن ذلك كان من مراحل الفتنة التي أشرنا إليها. نفس الأمر حصل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
علي عليه السلام يقول: "لَا رَأْيَ لِمَنْ لَا يُطَاعُ". بمعنى أنه كم تكلم ونصح وبين.
المُقدِّم: يعني أفهم كلامكم أن نفس العناصر الموجودة في المعادلة الأولى في قصة نبي الله موسى نعم، كانت في زمن النبي صلى الله عليه وآله، يعني كانت العناصر اللي هي مثل العجل زائداً التوصية زائداً الفتنة. بالضبط.
الشيخ مصطفى العاملي: عنوان الفتنة هو الابتعاد عن تعاليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي كان مصداقها عند بني إسرائيل في تلك المفردة التي خالفوا فيها. العنوان هو نفسه ينطبق مع النبي صلى الله عليه وسلم. ونجد أن الدور لعلي مع النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه أنه نفس هارون، إلا أن الفارق "لَا نَبِيَّ بَعْدِي". وإلا لو كان هناك نبي لكان علي في نص كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فعنصر الامتحان مشترك بين موسى وهارون من جهة وبين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي عليه السلام من جهة أخرى، لناحية الابتعاد عن التعاليم والمخالفة في التوجيهات التي نشير إليها ما تحدثنا عنه في الحلقة السابقة في كلام الزهراء عليها السلام. وهنا نجد أن العلاقة بين هارون وعلي عليه السلام تدخل في دائرة امتحان الأمة. فكما امتحنت أمة موسى عليه السلام، امتحنت هذه الأمة. وكما بين موسى لقومه من يجب أن يطاع، بين محمد صلى الله عليه وآله وسلم لقومه من يجب أن يطاع. وبالتالي من خالف هناك، هناك من خالف هناك، وهناك من خالف هنا. هذا ما يمكن أن نفهمه في إطار عملية الربط بين دور هارون ودور علي عليه السلام.
🛣 المحور الثالث: الطاعة هي طريق الهداية
المُقدِّم: جميل. يعني هناك في آية 54 من سورة النور كذلك ذكر لمسألة الطاعة. يقول تعالى: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ۖ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ [النور: 54]. يعني ربط الله تبارك وتعالى ما بين الهداية ربطها بالطاعة. يعني السؤال قد يكون له وجهه: هل يمكن أن تحصل الهداية بدون طاعة؟ هل يمكن أن تحصل الطاعة ولا تتحقق الهداية؟
الشيخ مصطفى العاملي: جميل. هذه الآية من الآيات التي هي في إطار حديثنا التي ورد فيها الأمر بالطاعة لله وطاعة رسوله. نجد في هذه الآية التي تقول: ﴿فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾. حول سؤالكم ما سنعنيه نقول أن هناك تلازم، هناك تلازم، تلازم بين الهداية وبين الطاعة. الهداية والطاعة. الطاعة لا يمكن أن تخرجك عن طور الهداية: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. ولا يمكن أن تصل إلى الهداية بدون الطاعة. هناك ترابط بين العنوانين في الآية الكريمة.
لو أردنا أن نتأمل في مفرداتها، نجد مثلاً قال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. هذه الآية من مجموعة الآيات التي يأتي بها الخطاب إلى المؤمنين بالواسطة. من حضر الحلقات الأولى من هذا البرنامج عندما فصلنا الآيات التي وردت، قلنا يومها أن هناك أنموذجان من الآيات: أنموذج من الآيات ورد فيها الخطاب مباشرة من الله تعالى، وأنموذج آخر بالواسطة. نحن جمعنا مجموع الآيات التي تتناول هذا المحور، وقلنا يومها أن ما خاطب الله به تعالى بالمباشرة منه ما كان مختصاً بالمؤمنين، ومنه ما كان مختصاً بأهل الكتاب، ومنه ما كان بالكافرين، ومنه ما كان لعموم الناس.
محور الآيات هذه هو في خطاب للمؤمنين، ولكنه كان هنا في هذه الآية بالواسطة: ﴿قُلْ﴾. الآيات التي وردت في القرآن الكريم فيها أكثر من 130 آيات فيها ﴿قُلْ﴾. فـ ﴿قُلْ﴾ هي الدليل لهذه الواسطة. يعني الله تعالى يريد في هذه الآية أن يخاطب المؤمنين، ولكن ليس خطابه مباشرة، بل كان بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يكون الخطاب بلسان النبي: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. هذه اللازمة التي ترددت في أحد عشر آية.
﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾. يعني هنا الخطاب أصبح للنبي. لماذا كانت هنا في الواسطة؟ لأن بعد الخطاب بالأمر ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، إشارة إلى سلوك يتصرف به المؤمنون المخاطبون مع النبي صلى الله عليه وسلم. ﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ يعني إن ابتعدوا عن الالتزام بما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم. في حياته أم في برهة كبيرة في سبيل المثال؟ هناك استمرارية، وهو ما نفهمه من خلال سياق الآيات جميعاً التي تحدثنا عنها.
﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ﴾. ماذا حمل النبي؟ حمل الرسالة. أُمر بأن يهدي الناس: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾. وفي آيات أخرى يقول: ﴿هَادِياً﴾. طيب، هو يقوم بدوره، عليه ما حمل بأن يبلغكم رسالة الله على الأرض.
﴿وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾. أيها المؤمنون الذين آمنتم بمحمد كنبي، كما أنه عليه ما حمل من تبليغكم رسالة الله على الأرض، عليكم ما حملتم بأن تطيعوه، بأن تتبعوه، تطيعوه طاعة مطلقة. الطاعة هنا لا يمكن أن تكون طاعة مجتزأة، لأنك عندما تطيع طاعة مجتزأة يصح أن يقال أنك لم تطع في ما لم تطع فيه. من جانب آخر، نفي الطاعة عن البعض يخرجك عن كونك مطيعاً له. وعندما تكون خارجاً عن كونك مطيعاً له، فمعنى ذلك أنك لست مطيعاً لله. ولذا كانت غير مقرونة بالطاعة.
يعني الغاية من الإمامة/النبوة ما هي؟ مقرونة بالطاعة، أن تكون هناك طاعة. ولذا في آية مرة الإشارة إليها: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾. يا إلهي، أنا أنت الخالق، نحن نريد أن نحبك. هذه المحبة ليست مقبولة، ليس لها أثر إلا من خلال الإطاعة: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي﴾. والإتباع يعني الطاعة. إذن هذا الدور المرتبط بالنبي والمؤمنين.
الفقرة الثالثة في الآية: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾. طب الهداية، الهداية إلى ماذا؟ الهداية إلى طرق معيشتكم قبل أن نصل إلى غاية الهداية. المراد بالهداية هل هي طريق إنارة الطريق أم الأخذ باليد؟ الأخذ باليد هي واحدة من وسائل الهداية، يعني تُمسك إنساناً بيده وتصحبه، ولكن الهداية بمعناها المقصود هنا أعم من عملية الأخذ. وإن كانت أساليب الهداية من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصلت إلى ما يشبه الأخذ باليد أكثر من أنه يمسك بيد علي عليه السلام ويحمله ويقول: "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ وَانْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ وَاخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ". فكانت المسألة وقد وصلت إلى هذا الإطار بحيث أنه بمسألة الهداية وصل إلى ذاك الجانب. لكن المقصود بالهداية هو الأعم.
الهداية هي ما يُنير الطريق، ما يدل على الهدف الذي يوصل الإنسان إلى النجاح. لأننا نقول كما ورد في كلام أمير المؤمنين الذي استعرضناه قبل الفاصل: ﴿وَقَرِيباً مَّا يَرْفَعُ الْحِجَابُ﴾. فإذن نلاحظ هنا في هذا الإطار أن مسألة الهداية، الهداية هل هي مرتبطة بأمور ليست ذات قيمة مؤثرة على مصير الإنسان؟ لا شك ولا ريب أن الهداية هي التي توصل الإنسان إلى النجاة. عندما يقول: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ﴾ [البلد: 10]. هديناه النجدين يعني هديناه إلى الطريق الذي يمكن أن يوصله إلى النجاة فيما لو اتبعه، ودللناه على الطريق التي توصله إلى العذاب فيما لو سلكه.
وبيّن ذلك أنه مقرون بالطاعة. طريق النجاة، الهداية التي تُنجي هي المقرونة بطاعة الله وطاعة رسوله. ولا نجد إمكانية تفكيك على الإطلاق للطاعة بين طاعة الله وطاعة الرسول على الإطلاق.
إذاً نقول في هذا الإطار أن ما يوصلنا إلى الهداية هو الطاعة المطلقة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. وهذا يأخذنا إلى فقرة أخيرة في الآية التي أشرنا إليها: ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. يعني مهمة الرسول أن يبلغكم، يبلغكم رسالات ربكم، ينصح لكم، يوجهكم، يرشدكم. من اهتدى فلنفسه، من أطاع فإنه يصل إلى تلك النتيجة المرجوة. من خالف وعصى فإنه لن يصل إلى النتيجة المرجوة، إلى النجاح على الإطلاق.
وعلى هذا الأساس، ما نستطيع أن نجمل موضوع الحديث بالقول أن الطاعة لله ولرسوله، الطاعة لا يمكن أن تنفك عن الهداية على الإطلاق. تلازم بينها تلازم. الطاعة لأن هنا عندما قالوا: ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾. حصرها. حصر الهداية بماذا؟ بطريق الطاعة. أنتم إذا خالفتم النبي، نعم، فمعنى ذلك أن الطاعة لم تتحقق.
إذا كانت هناك طاعة بإكراه، أتسمى طاعة؟ قد يطيع شخص آخر كأبوه مثلاً، ولكن في داخله لا، ليس مقتنعاً. مثل هذه تدخلنا مثل تلك القصة التي يُشترط فيها الإخلاص في النية عندما نتحدث عن الأمور العبادية. ذاك الذي سألني يوماً: كنت أقوم لصلاة الصبح فأنوي أصلي فرض الصبح خوفاً من أبي. هل صلاة الصبح حينئذ تكون صحيحة أو لا؟ هنا لا بد من أن يكون هناك توجه وإخلاص في النية. الطاعة التي تكون نابعة عن إرادة ذاتية وليست نابعة عن أمر قهري إلزامي من الآخرين، لأن تلك الطاعة لا توصل إلى الغاية المرجوة. الطاعة التي بيّنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عدد من الأحاديث، وورد ذكرها في عدد من الآيات، هي الانطلاق في عمل الطاعة من خلال الإرادة الذاتية التي يتمسك بها الإنسان بكل ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله.
🔚 الخاتمة
المُقدِّم: طيّب الله أنفسكم سماحة الشيخ. هذا ما يسمح به وقت البرنامج. الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي. في ختام هذه الحلقة، أشكر حضوركم معنا، حفظكم الله ورعاكم وتقبل الله صوم الصائمين وقيام القائمين هذا الشهر المبارك إن شاء الله.
المُقدِّم: كذلك يا مشاهدين الكرام، أشكر حسن المتابعة. تقبلوا تحياتي وتحيات كادر العمل. ملتقانا معكم في حلقة قادمة. إلى ذلك الحين أترككم في رعاية الله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
التعليقات
لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!