حجم الخط:

على خطى الحسين عليه السلام ج3

على خطى الحسين عليه السلام ج3

الحلقة الثالثة

[موسيقى]

المذيع:

بسم الله الرحمن الرحيم، أزكى الصلاة وأتم التسليم على حبيب قلوبنا محمد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الأخيار المنتجبين.

من أين أبدأ سيدي والبداية صارت ختامًا؟ وبما أختم والنهاية أضحت في ملحمة الطف ابتداءً؟ إذ وُلِدتَ من نحرك ثانيةً عند الظهيرة من يوم عاشوراء، مطروحًا فوق الرمضاء من أرض كربلاء، فصار سفرك الخالد عنوانًا للحياة، وأضحى جرحك الوضاء نبراسًا للنجاة. ومن سواك يا مولاي يا أبا الشهداء سكن الخلد دمُه؟

أحبتي المشاهدين، نحن وإياكم في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام"، في الخطى العقائدية والشرعية. ونستضيف سماحة الشيخ الأستاذ والباحث الإسلامي مصطفى المصري العاملي، فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ.

فضيلة الشيخ:

أهلاً وسهلاً بكم، وعظم الله أجورنا وأجوركم بهذه الأيام الأليمة.

المذيع:

أحبتي المشاهدين، سنبدأ الحديث بعد وقفة قصيرة.

المذيع:

أهلاً ومرحباً بكم أحبتي المشاهدين مجدداً في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". في هذه الحلقة نريد أن نتناول الملامح العقائدية في السير على خطى الإمام الحسين عليه السلام. سماحة الشيخ، قد يلاحظ الحضور العاطفي الكبير في جميع تفاصيل قضية عاشوراء وواقعة الطف، وكذلك في كربلاء بتفاصيل مختلفة، وهو أمر يوفر الغطاء الروحي للمقتدي والسائر على خطى الإمام الحسين عليه السلام.

ما نريد أن نقف عنده في هذه الحلقة هو الحضور العقائدي، بمعنى أن هنالك مسؤولية تجاه القضية الحسينية وقائدها العظيم. السؤال يطرح نفسه: ما الملامح العقائدية التي تلزمنا بالاقتداء بالقضية والشخصية الحسينية؟

فضيلة الشيخ:

جميل. بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه سيدنا ونبينا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. سلام عليكم مشاهدينا الكرام، وسلام عليك أخي الكريم ورحمة الله وبركاته.

عندما يتوقف الإنسان أمام هذين البعدين، الجانب العقائدي والجانب العاطفي، فلنعد قليلاً لندرك أن الجانب العقائدي هو ما يعكس حالة فكرية يؤمن بها الإنسان، وبالتالي تشكل عقيدة يعقد عليها قلبه وتفكيره، وينطلق منها نحو أمور أخرى. فالمنطلق لكل شيء لا بد وأن يكون العقيدة؛ العقيدة السليمة ينتج عنها عمل سليم، والعقيدة الفاسدة توصل إلى سلوكيات فاسدة. فالمنطلق الأساسي هو العقيدة، ما لا شك فيه.

ويأتي الجانب الآخر عندما نريد أن نتحدث عن العاطفة. العاطفة هي حالة شعور يعيشها الإنسان ويتفاعل فيها مع القضايا التي تطرأ على حياته ووجدانه وفكره، سواء كانت تلك العاطفة ببعد إيجابي أو ببعد سلبي. فالعاطفة هي شعور إنساني يتفاعل معه الإنسان أمام قضايا يعيشها في وجدانه وفكره وتنعكس على سلوكه العملي.

إذا أردنا أن ننظر إلى هذا الموضوع وارتباطه بموضوع الإمام الحسين عليه السلام، لننطلق إلى مسألة تسبق شعورنا كمن يقتدي بالحسين عليه السلام، بلحاظ موقعية الحسين عليه السلام، فماذا نجد؟ نجد أمراً عجيباً غريباً ملفتاً للنظر، وهو يرتبط بساعة ولادة الإمام الحسين عليه السلام. عندما بُشّر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووضعت الزهراء عليها السلام وليدها الثاني، الحسين عليه السلام، وإذ بجبرائيل ينزل، ثم نجد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبكي في تلك الساعة.

الموقف غريب، فهو يحتاج إلى فرح وسرور، فقد وُلد له مولود آخر، وإذ به يبكي. فتلتفت إليه الزهراء عليها السلام: "ما الذي يبكيك يا رسول الله؟ هل بولدي شيء؟" وهنا يقول لها: "لا يا زهراء، هذا جبرائيل قد أتاني، أتى مبشراً، ونتيجة البشارة هي الفرح، ولكن بعد هذه البشارة والتهنئة أخبرني بشيء آخر." "ماذا أخبرك جبرائيل يا رسول الله؟" قال: "إن أمتي ستقتل ولدي هذا بأرض يقال لها كربلاء". هنا تحول الفرح إلى حزن، والحزن عُبّر عنه بدموع سالت من عيني رسول الله.

ولم يبقَ الأمر مجرد حالة تعبير عن أمر مستقبلي، بل أظهر لها أمراً مادياً: "ها جبرائيل قد أحضر لي تربة من كربلاء، في هذه التربة سيسفك دم الحسين". وكانت هذه التربة عنواناً لحدث سيحصل، فقال: "يا أم سلمة، عليك بهذه التربة"، التي وضعها في قارورة، وكان أثر هذه التربة ظاهراً يوم عاشوراء لأم سلمة وهي في المدينة المنورة عندما خرجت صارخة باكية. هنا ندرك عظم تأثير الجانب العاطفي الذي يمهد لموقعية سينالها الإمام الحسين عليه السلام من الناحية العقائدية، عندما عبر عنه جده رسول الله بالعبارات الخالدة: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة"، و"حسين مني وأنا من حسين".

فإذاً، ندرك أن الجانب العاطفي كان له دور بارز في ربط المؤمنين بشخصية الحسين عليه السلام. إذاً، عقدت السماء منذ ولادة الإمام الحسين عليه السلام القلب بالعاطفة، والضمير بالعقيدة. وهذا ما نشاهده عبر الزمن، فبعد كربلاء عندما نقرأ في سيرة الأئمة عليهم السلام، كسيرة الإمام الصادق أو الإمام الرضا عليهما السلام، نجد تركيزاً على إثارة الأمور العاطفية المرتبطة بذكرى الإمام الحسين، بما يشعل القلوب أسىً ولوعة على ذاك المصاب الذي يركز البعد العقائدي. فنجد الإمام الصادق عليه السلام يقول لمنشده: "أنشدني كما تنشدون"، لأنه يعلم أن حالة الحزن التي تُتلى بها الأشعار تجعل القلوب تعيش حرقة على سيد الشهداء.

وهذا ما نجده أيضاً في سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام، كيف كان يحرك المشاعر بذكرى الحسين عليه السلام عندما يمر على سوق القصابين ويوجه كلامه: "أنتم معاشر القصابين، عندما تذبحون الشاة، هل تسقونها ماءً؟" فيقولون: "بلى يا ابن رسول الله"، فيقول: "ولكن أبي الحسين ذُبح عطشاناً". هو يريد أن يثير العواطف التي تربطهم بسيد الشهداء عليه السلام.

خلاصة ما نستطيع أن نقوله أن الجانب العاطفي في ذكرى الإمام الحسين عليه السلام هو أمر أساسي، ابتدأ به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وحمل مشعله الأئمة عليهم السلام، وصولاً إلى تكريس البعد العقائدي الناتج عن ذاك الارتباط العاطفي.

المذيع:

جزيل الشكر فضيلة الشيخ على هذا البيان الواضح والشافي. أحبتي، نأخذ فاصلاً ثم نواصل الحديث.

[موسيقى]

[موسيقى]

المذيع:

نرحب بكم أحبتي المشاهدين، السادة والسيدات، في برنامجكم "على خطى الإمام الحسين عليه السلام". وصلنا إلى حديث عن الإمام الحسين عليه السلام حيث يقول: "وإني لم أخرج أشِراً ولا بَطِراً، ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب عليهما السلام". فضيلة الشيخ، هل يمكن أن نستوحي من هذه السيرة الإصلاحية ما نعبر عنه بالجانب العقائدي؟

فضيلة الشيخ:

نعم. في واقع الحال، عندما نتأمل هذه العبارة التي وضعها الإمام الحسين عليه السلام عنواناً لخروجه، أود أن أتوقف أمام مفردة فكرية عقائدية. هل الحسين عليه السلام عندما خرج كان ينتظر أن يصل إلى الكوفة ويستولي على الحكم، أم كان لديه علم بأمر آخر سيلاقيه؟

الجواب، وفق عقيدتنا كأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، نعتقد أن الإمام المعصوم لديه علمان: علم لَدُنّي إلهي غيبي من السماء، وعلم بالأمور الظاهرية التي تحصل في هذه الحياة. تكليفه العملي هو وفق الأمور الظاهرية، وعلمه بالغيب لا يرتب عليه حكماً عملياً في الظاهر. إذا فهمنا هذه المعادلة، ندرك حقيقة كل تلك العبارات.

فهو من جهة، عندما تحرك تجاه الكوفة، كان يتصرف وفق أمور ظاهرية سار عليها، وابتدأت منذ أن وصلته رسل القوم. وكانت الخطة الظاهرية أن بعث مسلم بن عقيل، الذي كتب له بحصول البيعة، فكانت حركته وفق تكليف ظاهري. والذي أوجب ذلك عبارته في المدينة عندما طُلب منه مبايعة يزيد، فأعلن موقفه العقائدي: "يزيد رجل فاسق، معلن بالفسق والفجور، ومثلي لا يبايع مثله". إذاً، حدد موقفه، أنا لن أبايع.

كان قد تصرف ضمن هذا المنهج، مع علمه أنه لن يصل إلى الكوفة، ومع علمه أن مسلماً سيقتل. هذا العلم الغيبي ليس مورد تكليف، فقط أشار إليه عندما قيل له: "لماذا تذهب؟" فقال: "شاء الله أن يراني قتيلاً، وشاء الله أن يراهن سبايا". إذاً هو يتصرف وفق المسار الطبيعي للأمور.

ضمن هذا المسار الطبيعي، أعلن موقفه بأنه خرج لطلب الإصلاح، فهو صاحب رسالة عليه أن يؤديها على أكمل وجه مهما كانت النتائج. ولذا نجد أنه عندما اختار أن تكون معه النساء والأطفال، كان يدرك المسار المؤلم، ولكنه يعلم تماماً أنه لو ذهب بمفرده وقُتل، لما كان هناك من أثر لحركته في هز عرش الطغاة. كان لا بد من حالة لها أثرها، فنجد زينب عليها السلام يوم عاشوراء تقف وتقول: "اللهم تقبل منا هذا القربان"، وعندما تدخل على ابن زياد ترمي في وجهه كلمة أبلغ من السيف.

هنا نجد أن المسار العقائدي الذي انطلق منه الحسين عليه السلام، كان يدرك من خلاله تماماً أن ثمنه هو دمه. الثمن الذي سيكون للإصلاح هو دم الحسين الذي سيرسم معلماً تاريخياً مختلفاً.

المذيع:

فضيلة الشيخ، باختصار لو سمحتم، هناك كلمة عميقة تحتاج إلى تأملات، قال الإمام الحسين عليه السلام: "فإن من لحق بي استشهد، ومن لم يلحق بي لم يدرك الفتح".

فضيلة الشيخ:

نعم، هذا يعطي إشارة إلى ما أشرت إليه، عن الجانب العملي الظاهري والجانب الغيبي. يقول: من لحق بنا استشهد، مسيرنا سيؤدي بنا إلى الشهادة، وبالتالي سيدخل اسمه في سجل الخالدين. إذاً، الفتح تحقق بالشهادة. ومن لم يلحق بنا لم يبلغ الفتح، لم يصل إلى تلك المرتبة، لأن النصر الحقيقي لبقاء الرسالة كان من خلال الدماء التي كُتبت على رمضاء كربلاء.

المذيع:

إذاً، تحقق الفداء الأصيل من الإمام الحسين بأروع شكل مع أسرته وأصحابه، حتى يبقى الجانب العقائدي وكذلك الخلود بالجانب العاطفي. شكراً جزيلاً فضيلة الشيخ على هذا الكلام الواضح والهادف. وأشكر أحبتي المشاهدين على حسن الإصغاء والمتابعة. على أمل أن نلقاكم في حلقات قادمة، نستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!