حجم الخط:

على خطى الحسين عليه السلام ج2

على خطى الحسين عليه السلام  ج2

 

الحلقة الثانية

المذيع: بسم الله الرحمن الرحيم،

أزكى الصلاة وأتم التسليم على حبيب قلوبنا محمد الأمين، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه الأخيار المنتجبين، وعلى الرسل والأنبياء أجمعين. أحبتي المشاهدين، السادة والسيدات، أهلاً ومرحباً بكم في برنامجكم "على خطى الحسين عليه السلام"، وفي حلقتنا الأولى من هذا البرنامج عن الخطى العقائدية والشرعية في حركة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته.

نستضيف في هذه الحلقة فضيلة الشيخ الأستاذ مصطفى المصري العاملي، فأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ.

فضيلة الشيخ:
أهلاً وسهلاً بكم، حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم.

المذيع:
بارك الله فيكم. بعد وقفة قصيرة سنبدأ الحديث إن شاء الله.

المذيع:
نرحب بكم مجدداً أعزائي المشاهدين، وأهلاً ومرحباً بكم فضيلة الشيخ مرة أخرى.

فضيلة الشيخ، نريد أن نتحدث، كما تحدثنا في الحلقة الماضية عن موضوع القدوة، الشخصية المُقتدى به وكذلك شروط المُقتدي. هناك نظريات عديدة جديدة، منها نظرية العالم الاجتماعي ماكس فيبر الذي يعبر عن السلطة، ونستطيع أن نقارنه بموضوع القدوة، بأن للسلطة ثلاثة أنواع: منها السلطة العقلانية التي تستمد شرعيتها من القانون، وكذلك سلطة الكاريزما والشخصية الفذة الذي يرتبط بموضوعنا، وكذلك الشخصية التقليدية كاتّباع الآباء وشيوخ العشائر وما شابه ذلك.

هنا نريد أن نسلط الضوء على موضوع الشخصية الفذة لقائد هذه الحركة والنهضة الحسينية. فممكن أن ندمج ما بين هذين النوعين؛ أي السلطة التي تحمل كاريزما، وهي لكل الأنبياء والأوصياء والشخصيات الخاصة، فإطاعة هؤلاء طبعاً طالت أمداً مديداً طوال هذه القرون إلى يومنا هذا، وربما إن شاء الله تعالى كذلك ستستمر باتّباع هكذا شخصيات كالإمام الحسين عليه السلام. وهناك كذلك شرعية هذه السلطة وهذا الاقتداء في الإمام الحسين عليه السلام، بما أنه يستمد شرعيته العقلانية من الرسالة النبوية. فلو سمحتم أن تشرحوا عن أبعاد مختلفة لهذا القائد الفذ من الجانب العقائدي والشرعي والإنساني.

فضيلة الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. سلام عليكم مشاهدينا الكرام، وسلام عليك أخي الكريم ورحمة الله وبركاته.

في واقع الحال، عندما نريد أن نتحدث عن شخصية الإمام الحسين عليه السلام، وما تمثله شخصية الإمام الحسين عليه السلام ذاتاً، وما ينعكس من هذه الشخصية على الآخرين بلحاظ أنهم ينظرون إليه كالشخصية القدوة في حياتهم، هنا نجد أن ما تفضلتم به مما ذكره عالم الاجتماع عن أن شخصية القيادة تكون واحدة من ثلاث، لو تأملنا بدقة نجد أن العناصر الثلاثة مجتمعة بالإمام الحسين عليه السلام.

كيف ذلك؟ لنبدأ من هذه الزاوية. عندما نريد أن ننظر إلى الجانب الذي يمثل الكاريزما الشخصية للإمام الحسين عليه السلام، فشكٌ ولا ريب أن ما تحدث به الأعداء عن الإمام الحسين عليه السلام، غير ما تحدث به المحبون، يعكس صورة عن شخصية فذة مؤثرة كان يجسدها الإمام الحسين عليه السلام في حركته وعندما كان يخاطب الآخرين. من ذلك مثلاً، نعطي أمثلة حية على ذلك، عندما كان يريد أن يخطب ويتحدث، لك أن تتصور جموعاً من المعادين، من الأعداء الذين يريدون النيل منه، يريدون منه أن يستسلم، يريدون أن يقضوا عليه، وإذ به عندما يقف ويريد أن يوجه لهم الكلام ويقول لهم "أنصتوا"، وإذ كأن على رؤوسهم الطير. فهل هناك قوة شخصية مؤثرة حتى بالعدو؟ لأنه عادة الشخصية التي لها صفات تكون مؤثرة بالمحبين وبالموالين. شخصية الحسين عليه السلام كان لها ذاك التأثير حتى بالعدو، بحيث كانوا يستمعون ويتفاعلون وإن كانوا لم يتجاوبوا في كثير من الأمور، لأن هناك أسباباً أخرى تدعوهم لعدم التفاعل للإجابة مع هذا الموضوع. لذا نجد أن البعض منهم كان يتأثر في الكلام، يتأثر من الناحية العاطفية، وإن لم تنعكس عملياً على سلوكه، وتجد أن البعض منهم تأثره انتقل من تلك المرحلة إلى مرحلة عملية، عندما نجد مثلاً نموذج الحر. نموذج الحر هو نموذج من تأثر بشخصية الحسين عليه السلام بجانب من الجوانب، هذا حول جانب الكاريزما.

المذيع:
طبعاً إذ هناك ملاحظة، أن أكيد شخصية الإمام الحسين عليه السلام كما باقي أولياء الله والأنبياء، هناك تأخذ يعني هذه الرهبة الإيمانية من الله تعالى.

فضيلة الشيخ:
لا شك ولا ريب، لأنه من الصفات التي امتاز بها مثلاً الإمام الحسين عليه السلام، كما نقل ذلك الأعداء، حالة الاطمئنان التي كان يعيشها في تلك الساعات العصيبة من يوم عاشوراء، حتى قال قائلهم: "لم نرَ إنساناً مثله قد قُتل أهل بيته..." إلى آخره.

طيب، هذا الجانب الذي يتعلق بالشخصية. لو أردنا أن ننتقل إلى الجانب الآخر الذي يُعبر عنه بالجانب التقليدي، الإمام الحسين عليه السلام باعتباره رأس بني هاشم في ذلك الوقت، وبالتالي من خلال موقعيته بأسرته وبمحيطيه كانوا جميعاً ينظرون إليه نظرة، أقل ما يقال فيها إنها بمنتهى الاحترام والتقدير. من ذلك مثلاً نجد ما يحدثنا التاريخ عن أخيه العباس، مدى الاحترام والتقدير والتأثر بشخصية الحسين الذي يريدون أن يعبروا عنها بأنها تقليدية، جعلت أخاه العباس في طوال مراحل حياته لا يخاطبه إلا بالكنية، لا يقول له "يا أخي" إلا في تلك الساعة الأخيرة عندما سقط على رمضاء كربلاء، ناداه: "يا أخي". إذاً هذه تدلل على مدى التأثير من خلال هذا الجانب.

المذيع:
عذراً، هناك فرق أساسي طبعاً لو سمحتم، أن قضية الحقوق والآداب التي تفضلتم بها في الإسلام العظيم تختلف عما يتصوره الأديان الأخرى والأفكار والمدارس الأخرى الفكرية، فأكيد هناك لدينا حقوق لاتباع الأبوين وما شابه ذلك، وكما تفضلتم لرأس القوم وقائده، كما تفضلتم، وبالتالي تجسد موقعية معينة في هذا السبب.

فضيلة الشيخ:
نعم. الجانب الثالث الذي أشرتم إليه مما ذكره عالم الاجتماع، المرتبط بالسلطة التي تستمد شرعيتها من القانون. عندما نقول "مستمدة من القانون"، القانون على نحوين. عندما نريد أن نتحدث عن القانون، هناك قانون وضعي تضعه الناس لأنفسها، فتحصل هناك سلطة معنوية لمن يتسنم مسؤولية معينة في هذه السلطة، كما نقول في زماننا: رئيس دولة، رئيس حكومة، وزير، إلى آخره. فسلطته مستمدة من خلال جانب قانوني وضعناه نحن البشر، وأُعطيت فيه تلك الصفات، فصار له تلك الهيبة، تلك المعنوية التي تؤثر، تجعله مؤثراً من خلال الموقع.

ولكن هناك جانب آخر نقول عنه غير ما يرتبط بالقانون الوضعي، هناك من يجسد القانون الإلهي، القانون السمائي على الأرض. وهو لمن حضر ولمن تابع حلقتنا السابقة عندما أشرنا إلى أن الحسين عليه السلام قد جسد من خلال حركته إرث الأنبياء جميعاً، من لدن آدم إلى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وهو ما يتجسد عقائدياً، سألت عن الناحية العقائدية، من الناحية العقائدية ما هي موقعية الحسين عليه السلام بالنسبة لمن يؤمن به؟ يتجسد ذلك بعبارات نكررها جميعاً عندما نذهب لزيارة الحسين عليه السلام، الزيارة المعروفة المشهورة، زيارة وارث، ماذا نقول له؟ السلام عليك يا وارث آدم صفوة الله، يا وارث نوح نبي الله، يا وارث إبراهيم خليل الله، يا وارث موسى كليم الله، يا وارث عيسى روح الله، يا وارث محمد حبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم.

إذاً المسألة ترتبط بموقعية إلهية يجسدها الحسين عليه السلام، فهنا يكون الرجوع للحسين عليه السلام بحكم العقل، بما أننا مؤمنون بالله تعالى ونؤمن أن هناك رسالة إلهية على الأرض، فالحسين عليه السلام يجسد هذه الرسالة الإلهية بدءاً بآدم وانتهاءً بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم. إذاً الحسين عليه السلام يجسد بأبعاد الانتماء والتاثير هذه الأبعاد الثلاثة وليس واحداً منها، كما يمكن أن نصف به أي حالة من الحالات الأخرى. وهذا الجانب الثالث يأخذني إلى طرح سبق وناقشته في أكثر من مرة، يرتبط بالأبعاد الثلاثية لشخصية الإمام الحسين عليه السلام.

لأننا عندما نبحث عن أي شخصية بالتاريخ أو بواقعنا، نجد أن لها بعداً أو بعدين؛ إما الشخص بذاته وعنوانه، والبعد الآخر الذي يرتبط إما بزمان أو بمكان. ما وجدته بالحسين، وأدّعي أنني لم أجد لحد الآن شخصية تحمل أبعاداً ثلاثية كالحسين عليه السلام، التي تجتمع فيها الإنسان مع الزمان مع المكان. الحسين الإنسان هو بعد من ضمن الأبعاد الثلاثة، البعد الآخر هو عاشوراء، البعد الثالث هو كربلاء. فهل ذُكر اسم من هذه الثلاث إلا وتبادر إلى الذهن العنصران الآخران؟

المذيع:
أكيد، أحسنتم.

فضيلة الشيخ:
هذا هو البعد الثلاثي. عندما تقول "الحسين"، يعني "عاشوراء"، يعني "كربلاء". عندما تقول "كربلاء"، يعني "الحسين"، يعني "عاشوراء". وعندما تقول "عاشوراء"، يعني "كربلاء" و"الحسين". إذاً، الإمام الحسين موسوعة رسالية في هذه الجوانب الثلاثية تتجسد بشخصية الإمام الحسين عليه السلام. وهذا أضيفه إلى ما ذكرتموه من خلال تلك الأبعاد الثلاثة للشخصية القيادية التي يمكن أن تؤثر بالمجتمع.

المذيع:
نعم، لو سمحتم فضيلة الشيخ، نأخذ فاصلاً ثم نواصل الحديث. أحبتي المشاهدين، بعد فاصل نكمل الحديث إن شاء الله.

[موسيقى]

[موسيقى]

المذيع:
نرحب بكم أحبتي المشاهدين، السادة والسيدات، في برنامجكم "على خطى الحسين عليه السلام". في هذه الحلقة كنا نتحدث فضيلة الشيخ عن الأبعاد الثلاثية أو الأبعاد التي تضم شخصية الإمام الحسين عليه السلام، هذا القائد الفذ العظيم. طيب، لنعكس هذا الارتباط كملمح تطبيقي ووجداني على بعض شخصيات هذه الواقعة، واقعة الطف، كزهير بن القين مثلاً، وحبيب بن مظاهر الأسدي، ومسلم بن عوسجة، وما شابه ذلك، ومن قبلهم الإمام أبي الفضل العباس عليه السلام. فهذه العينات كيف تأخذ وترتبط بهذا القائد الفذ وهذه الشخصية العملاقة؟

فضيلة الشيخ:
جميل. في واقع الحال، عندما نريد أن ندرس شخصيات كربلاء ومدى تأثرها بالإمام الحسين عليه السلام، يستوقفنا أمر قبل أن ندخل بمفردات تلك الأسماء، ألا وهو أن النماذج التي ظهر تأثرها بالحسين عليه السلام لم تكن على لون واحد أو نموذج واحد. نجد فيها كل نماذج المجتمع، نجد الطفل، الشاب، الفتى اليافع، نجد الكهل، نجد الذي كان يحمل موقفاً عدائياً فكرياً في البداية، ثم نجد الذي كان يحمل السلاح ضد الحسين، ونجد أولئك الذين كانوا يتفانون بالذود عن الحسين. إذاً، كل نماذج المجتمع تجدها، ولذا نجد في ملحمة عاشوراء، في ملحمة كربلاء، جميع شرائح المجتمع لها دور.

وهنا إذا أردنا أن نتحدث عن الشخصيات ومدى تأثرها بذاك الأسلوب المؤثر والبالغ الأثر، لنا أن نبدأ من المحطة التي كان يسير فيها الحسين عليه السلام نحو الكوفة. نحن أشرنا إلى أن الحسين عليه السلام ترك الناس في أيام الحجيج وتوجه نحو المسار. هنا أريد أن أضيء على مسألة تدلل على ارتباط الحسين عليه السلام بذاك المشروع الإلهي الذي يجسده. عندما قيل له قبل خروجه إنك ذاهب للعراق، لماذا لا تذهب إلى مكان آخر؟ بعنوان نصائح أو تحذير، ماذا يريد أن يجيبهم؟ الحسين عليه السلام يتحرك ضمن مسار طبيعي ارتبط بدعوات وأمور تاريخية معروفة، لسنا الآن بصدد الحديث عنها. لكنه أشار بكلمة فهمها السائل وهو على معرفة، قال: "شاء الله أن يراني قتيلاً". "لماذا تأخذ النساء والعيال والأطفال؟" "شاء الله أن يراهن سبايا". إذاً، فهم السائل أن المسألة مرتبطة بضمن المشروع الإلهي، بتكليف إلهي. صحيح أن الحسين عليه السلام يتحرك ضمن نواميس الطبيعة الظاهرية، فلديه علمان: علم بالأمور الظاهرية، ولديه علم واقعي إلهي. فهو يتحرك ضمن الأمور الظاهرية؛ بعث مسلم بن عقيل، إلى آخره. ولكن هناك شيئاً آخر يدركه، وهو أنه سيلاقي مصيراً ينتظره. هو لا يتحرك ضمن هذا العنوان، ولكن يعرف تلك النتيجة.

هنا نجد التأثير. وهو على تلك الطريق، معروف أن زهير بن القين كان ممن يحمل فكراً سلبياً تجاه ما يجسده الإمام الحسين عليه السلام، والتاريخ يحدثنا أنه كان إذا نزل الحسين بمنزل يتقدم عنه أو يتأخر لكي لا ينزلا في منزل واحد، إلى أن اضطرتهما ظروف الطريق أن ينزلا في نزل واحد. فبعث إليه الحسين عليه السلام، وأظهر زهير انزعاجه من هذا الطلب، حتى تدخلت زوجته، هنا ننظر إلى دور المرأة الواعية. قالت: سبحان الله! ليست المسألة مسألة موالاة أو عدمها، الآن مسألة عقلانية، تأثير عقلاني. قالت له: "سبحان الله! يعني رجل، اعتبره أياً كان، ابن بنت رسول الله، حتى لو كانت لك مواقف، يدعوك فلا تجيبه؟" إذاً، المسألة خاطبت به العقل. كان هو يتحرك بحالة غرائزية سلبية يحملها تجاه الحسين عليه السلام، فاستجاب.

التقى بالحسين عليه السلام، ماذا دار من أمور؟ لا أحد يعرفها، لأنه لم يذكر لنا التاريخ خصوصية الحوار الذي جرى بين الحسين عليه السلام وزهير بن القين. إلا أن التاريخ يذكر التبدل الكبير الجذري الذي قلب حياة زهير بن القين رأساً على عقب، وإذ به ينتقل فيكون مع الحسين عليه السلام، وبالتالي نجده نموذجاً من النماذج التي برزت في ملحمة كربلاء من خلال خطابه ومواقفه وبطولته. هذا نموذج.

لك أن تنظر إلى نموذج آخر ومدى تأثره بالحسين عليه السلام بحيث أدى إلى تحول كامل في حياته، ألا وهو الحر. الحر كان وضعه أصعب من زهير بن القين. الحر كان قد خرج في المجموعة القتالية الأولى التي خرجت من الكوفة لمواجهة الحسين على رأس ألف فارس، وهو الذي التقى به ومنعه من متابعة الطريق كما يعرف القاصي والداني ذلك. ولكن هنا ندرك أن هذه الشخصية التي بدأت تتلمس شيئاً في الحسين عليه السلام لم يكن ببالها عندما التقيا في المرة الأولى. تنظر، وكان الحسين عليه السلام يسير بهدوء مع من معه، وهذه المجموعة التي أتت كان يعوزها الماء، ماذا قال الحسين عليه السلام؟ "اسقوهم الماء". سبحان الله! أعداء أتوا للتضييق عليه يقول لهم اسقوهم الماء. أية صفات أخلاقية يحملها الحسين عليه السلام! أكثر من ذلك: "رشفوا الخيل ترشيفاً". إذاً، هذه الأمور التي قام بها الإمام الحسين عليه السلام تركت أثرها في الحر بن يزيد الرياحي. لذا عندما بدأ الحسين عليه السلام يلقي الحجة عليهم تلو الحجة، منذ الأيام الأولى التي التقى فيها وصولاً إلى يوم التاسع وصولاً إلى يوم العاشر، هنا أدرك الحر أنه أمام مفترق طرق. كل السلوكيات التي تلمسها من الحسين عليه السلام تحكي نموذجاً مثالياً لا مثيل له، من ناحية الحوار، من ناحية النقاش، من ناحية الحجة، من ناحية الدور الذي يجسده. إذاً، أخذ خياره، ونعرف التحول كيف انطلق هو وابنه، ترك القيادة وتحول إلى جندي يقاتل مع الحسين عليه السلام. هذا نموذج من النماذج.

المذيع:
وعذراً، هناك كذلك نموذج آخر من النخب، وهو شخصية فقيه، حبيب بن مظاهر الأسدي.

فضيلة الشيخ:
نعم، حبيب بن مظاهر رجل بلغ التسعين من العمر، كان في الكوفة، وقد أحكم ابن زياد قبضته الأمنية على الكوفة بمداخلها، واعتقل من اعتقل، وسجن من سجن، وفعل ما فعل. استطاع، لأنه أخذ القرار أن يكون مع الحسين عليه السلام بعزم راسخ، واستطاع أن يتسلل ويخرج من الكوفة ويصل إلى الحسين عليه السلام ليكون أنموذجاً من نماذج عاشوراء، من نماذج أبطال كربلاء. ذاك الشيخ الكبير الذي نزلت حاجباه على عينيه من الكبر ويشدهما بعصابة، تجده بإرادة أين منها إرادة الشباب، بعزيمة أين منها عزيمة الشباب. كان يأخذ الموقف ويجسد في كل ذلك البعد العقائدي الذي يربطه بالحسين عليه السلام. ولذا نجد ما قاله وما قالوه، مثل مسلم بن عوسجة ومثل فلان وفلان، وهم يوم عاشوراء يتحدثون بابتسامة، وكان الواحد منهم ذاهب إلى عرس، يرى الدماء، يرى الرؤوس تتساقط وهو مطمئن، يتوجه إلى الموت كما يتوجه الإنسان إلى المكان الذي يأنس به. لماذا؟ خلفية ذلك ما هي؟ الارتباط بالحسين عليه السلام. لقد آمنوا أن الحسين عليه السلام هو الذي يمثل مشروع الله على الأرض، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا مع المشروع الإلهي على الأرض، وهذه فرصتهم لتجسيد حقيقة الانتماء الفكري مع السلوك العملي بأن يحملوا السيف مع الحسين عليه السلام ويسفكوا دمهم أمامه.

المذيع:
طيب، هناك كذلك شخصية خاصة عملاقة كذلك، الإمام أبي الفضل العباس عليه السلام. علماً أن هناك علقة وصلة بين الإمامين كأخوين، ولكن كيف كان هذا الاتّباع بين المقتدي والقائد؟

فضيلة الشيخ:
العباس عليه السلام، في مسيرته مع أخيه، لم يكن يتعاطى معه لأنه أخوه. وهذا نجد فيه مسألة مهمة تعود إلى نشأة نشأ عليها العباس عليه السلام. العباس هو ابن أمير المؤمنين، لو سمحتم باختصار لأن الوقت... هو من ناحية النسب ليس شقيق الحسين عليه السلام، ولكنه ابن امرأة فاضلة، عندما أُتي بها، أم البنين، إلى بيت أمير المؤمنين عليه السلام، قالت: "لا تنادوني بفاطمة"، لئلا يتذكروا فاطمة الزهراء. فإذاً، كان ينظر إليه كإمام قبل أن يكون أخاه، ولذا كان يتعاطى معه بهذه الخلفية، بأنه يمثل ويجسد المشروع الإلهي على الأرض، وبالتالي كان يتخاطب معه على هذا الأساس. لذا لم يخاطبه بعبارة "أخي" كما أسلفنا إلا في تلك الساعة التي سقط بها صريعاً على رمضاء كربلاء. فهنا نجد أن نموذج العباس عليه السلام في تعاطيه مع أخيه... لذا عندما جاءه العرض: "تعالوا، دعوا الحسين، وانجوا"، كان موقفه: "وهل نبيع إمامنا؟" قبل أن يقول "أخانا". إذاً، تجسد مدى الارتباط العقائدي بالحسين عليه السلام الذي جسده العباس عليه السلام. وهذه الصورة التي نراها امتدت إلى نماذج أخرى من الأطفال والنساء وغيرهم، نماذج نسوية وأخرى.

المذيع:
شكراً لكم فضيلة الشيخ على هذا الإيضاح القيم وعلى كلمتكم النافعة والمثمرة. كما أشكر أحبتي المشاهدين، السادة والسيدات، في برنامجكم "على خطى الحسين عليه السلام" وعلى حسن الإصغاء والمتابعة. ونتمنى أن نلقاكم في حلقات قادمة إن شاء الله تعالى، في حوار علمي هادف. على أمل أن نلقاكم، أستودعكم الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!