حجم الخط:

طاعة الله ورسوله توجب الحذر ج1 (الحلقة 10)

طاعة الله ورسوله توجب الحذر ج1 (الحلقة 10)

شاهد الفيديو

الحلقة رقم 10 - تاريخ: 27-06-2012

المقدمة ومحور البحث: أولو الأمر والطاعة المقرونة

المُقدِّم:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعزّ المرسلين المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مشاهدين الأكارم ورحمة الله وبركاته.

قال الله الحكيم في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾. لقد قرن الله تعالى في هذه الآية الأمر بطاعته، بطاعة الله وطاعة رسوله، بطاعة أولي الأمر.

بحثنا متواصل في هذا البرنامج عن هؤلاء: من هم؟ ما هي صفاتهم؟ ما هي أسماؤهم؟ كيف لنا أن نعرفهم أو نصل إليهم؟ هل يمكن أن يكون كل من وصل إلى السلطة أو ورث سلطة أو ارتكب الجرائم وسفك الدماء لينال سلطة؟ أم لا بد أن يكون أعدل الخلق، أفضل الخلق، أكمل الخلق، أعرف الخلق، أعلم الخلق، صفوة الخلق بعد خير الخلق، بعد النبي صلى الله عليه وآله، وأنهم أئمة اختارهم الله تعالى؟

ضيفنا الدائم في هذا البرنامج، الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية، سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي، والذي نرحب به في بداية هذا اللقاء.

المُقدِّم: أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ ضيفاً عزيزاً على قناتكم قناة كربلاء الفضائية.

الشيخ مصطفى العاملي: أهلاً وسهلاً بكم، حفظكم الله ورعاكم.

المُقدِّم: حياكم الله، أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ.


السؤال المحوري: الحذر في آية المائدة

المُقدِّم: السؤال الأول الذي نطرحه في هذه الحلقة من برنامجنا "أئمة الهدى" يتعلق بالآية الثانية والتسعين من سورة المائدة: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. أمر الله سبحانه وتعالى بـالحذر، وتحذير من عدم الحذر. الحذر من ماذا أولاً؟ وما ربط الحذر بطاعة الله ورسوله؟ تفضلوا.

الشيخ مصطفى العاملي:

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه سيدنا ونبينا محمد، وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ﴿الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنهمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرُوهُمْ تَطْهِيراً﴾. السلام عليكم أيها المشاهدون الكرام والمتابعون لهذا البرنامج، والسلام عليك أخي الكريم ورحمة الله وبركاته.

نحن في سياق الحديث عن الآيات التي أشرنا إلى أنها هي محور حديثنا، ألا وهي الآيات التي ورد فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله. نلاحظ كما أشرنا من بعض الجوانب أن هذا الأمر لا يخلو من شيء ملازم له. أمرٌ بطاعة الله وطاعة الرسول، هناك شيءٌ يرتبط بهذا الأمر. نحن في إطار حديثنا عن هذه التلازمات والمعاني التي تشير إليها هذه الآيات، وصل بنا الحديث إلى ما أشرتم إليه من الآية الثانية والتسعين من سورة المائدة. هذه الآية في الواقع تحمل عدداً من المعاني: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، هذا هو العنصر المشترك، أو الفقرة المشتركة بين هذه الآية والآيات الأخرى. ﴿وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾.

قبل أن ندخل في بيان فقرة الحذر التي هي مورد التساؤلات التي تفضلتم بها.

المُقدِّم: سماحة الشيخ قبل أن ندخل فيما تفضلتم به الآن عن المدخل، في إشارتكم في بداية كلامكم قلتم أن هناك آيات تعرض لطاعة الله وطاعة الرسول، وتحدثنا عن بعض هذه الآيات. طبعاً الآية المباركة اللي هي مورد بحثنا أو المحور الرئيسي للبحث في كل هذا البرنامج هي ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾. هنا يعني يمكن أن نقول هكذا باعتبار طاعة الله وطاعة الرسول وقرن طاعة الله ورسوله على أولي الأمر، إذا فهمنا طاعة الله وطاعة الرسول سوف نفهم بهذا القرن طاعة أولي الأمر، حتى يتبين للمشاهدين الكرام بأن بحثنا هذا سيطول، لأن ندخل من هذا الباب، فعندما نفهم معنى طاعة الله وطاعة الرسول حينها نفهم معنى طاعة أولي الأمر. نريد أن نقول أن هذه الطاعة لله ولرسوله لها مكانة خاصة من خلال استعراضنا لهذه الآيات. إذاً عندما يقرن الله طاعته بطاعة رسوله مع عنوان آخر هم أولو الأمر، فلا يمكن أن يكون هؤلاء إلا ممن يتصفوا بصفات، وهو ما يتضح بيانه من خلال هذا الاستعراض الذي نتحدث عنه.


🔎 دلالات الآية وسياقها في سورة المائدة

الشيخ مصطفى العاملي:

نعود إلى هذه الآية، هذه الآية قبل أن ندخل في مدلولات الحذر، أود أن أستعرض ما يرتبط بها في سياق موردها في القرآن الكريم. نجد أن هناك آيتين وردتا في سورة المائدة قبل هذه الآية، وجاءت هذه الآية عقيب تلك الآيتين.

الآية الأولى تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾، خطاب للذين آمنوا، وهذا يدخل في سياق ما تحدثنا عنه سابقاً من أن هناك خطاباً خاصاً للمؤمنين، كما أن هناك خطاباً خاصاً للكافرين، وهناك خطاب خاص لعناوين أُخر. فما يرد بأمر الله تعالى بإطاعته وإطاعة رسوله يدخل في إطار خطاب للمؤمنين. ثم يبين الملازمات والآثار التي تترتب عن المخالفة: الفسق المؤدي إلى الكفر.

فالآية السابقة التي أشرنا إليها تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

المُقدِّم: وهنا يذكرني بعض كلام نسمعه أحياناً يقولون أن الله تعالى قال: ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾. وهل هناك أمر أشد من التحذير بالاجتناب؟ لأن البعض ممن يمكن أن نصفهم بالمتفلسفين بالكلام، يعني يتصور أن الحرمة غير الاجتناب؟

الشيخ مصطفى العاملي: هنا نجد أن هناك نص الأمر بالاجتناب فيه أقوى دوافع المنع: ﴿قُلِ اجْتَنِبُوا﴾. المهم، الحديث حولها له مجال آخر. فهنا الله تعالى يحدد أشياء منها الخمر والميسر (القمار) والأنصاب والأزلام التي كانت تمارس بالجاهلية، عبَّر عنها بأنها رجس. والرجس هي صفة متقدمة لما يجب أن يحذر منه الإنسان ويتجنبه لما فيه من صفات خسيسة ودنيئة. الرجس عبَّر عنه أنه من عمل الشيطان، ﴿فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. هنا بين قوسين: الاجتناب يؤهلك لكي تكون مفلحاً وناجحاً إذا التزمت بأمور أخرى. لأنه قد يقول قائل: يعني هل إذا امتنعت عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أحقق الفلاح؟ يقول تعالى: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾. إذاً هو من باب تهيئة المقدمات، بأنك لو بقيت متصفاً بمثل هذه الصفات لما وصلت إلى الفلاح مطلقاً.

ثم تأتي الآية التالية - إنما، لأنه ورد فيها ﴿فَاجْتَنِبُوهُ﴾ - أنها من عمل الشيطان. ما هو دور الشيطان في حياة الإنسان؟ يبينه تعالى في هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ﴾. الصلاة هي معراج المؤمن، هي قربان كل تقي، هي الصلة التي يتواصل بها الإنسان مع خالقه في كل يوم وليلة خمس مرات.

بعد هاتين الآيتين جاءت الآية التي تقول - بعد أن بيّن تلك الجوانب التفصيلية جاء ليعطي حكماً كلياً عاماً في هاتين الآيتين تحدث عن مفردات - فقال: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. إذاً هناك الأمر بالاجتناب يستوجب الالتزام الذي مر بالآية: ﴿وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾.

في هذا الإطار ماذا نلاحظ في هذه الآية؟ أول شيء يمكن أن يُفهم من خلال الآية أن الله تعالى يتوعد المخالفين: ﴿وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. بمعنى أنه قد أعذر إليكم، بمعنى أن خياراتكم الأخرى التي تخالفون بها أمر الله وأمر رسوله، ومخالفة الله من خلال مخالفة أمر رسوله، تستوجب أن تنالوا العقاب الشديد الذي تحدث عنه في عدد من الآيات الأخرى. وهنا في هذا الإطار يقول أن مهمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي الإبلاغ: "أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي". المهمة التي أقوم بها هي أن أبلغكم ما يريده الله، وما طلبه الله منكم، وأحذركم وأبيّن لكم ما يرفضه الله تعالى وما ينهاكم عنه. وبالتالي تصبح نتائج أعمالكم مرهونة بسلوكياتكم.

المُقدِّم: هنا سماحة الشيخ أيضاً كما في الآيات السابقة، الخطاب للمؤمنين باعتبار تقديم ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾، يعني باعتبار الأمر بالطاعة يكون للمؤمن صحيح؟ فهنا أيضاً هذا الحذر والتحذير من عدم الحذر وكل هذا خطاب للمؤمنين؟


🌟 الإيمان والعمل (النية السليمة)

الشيخ مصطفى العاملي:

هذا يدخل في إطار أن حقيقة الإيمان تستوجب العمل، فلا يكفي أن تقول أنني مؤمن كما يقول البعض أن الإيمان بالقلب وكفى. نعم، الإيمان ينطلق من القلب ولكن لا بد من تحقق أمرٍ عملي.

هنا مثلاً في الآية الكريمة: ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾. انتهى الموضوع. هذا قسم من الناس وهذه نتيجتهم.

المُقدِّم: يعني نعطيه ما يريد في الدنيا فقط؟

الشيخ مصطفى العاملي: نعطيه ما ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾ أحسنتم. يعني من أراد، من كان هدفه في هذه الحياة هي الحياة الدنيا فقط، يمكن أن نعطيه ويمكن أن يصل ويمكن أن لا يصل الى ما يريد. ولكن نتيجة هذا الاختيار، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾ وانتهى أمره.

الشيخ مصطفى العاملي:

و ﴿مَن أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾ - وهو في سياق الخطاب للمؤمنين - لا يصل بمجرد الإرادة، قال: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾.

المُقدِّم: يعني توجد أعمال لا بد من أن يأتي بها.

الشيخ مصطفى العاملي: وهنا تكون تلك الأعمال منطلقة من الإيمان القلبي.

المُقدِّم: طبعاً هذا سماحة الشيخ يرد على بعض الناس الذين يقولون: المهم النية، المهم أنت لا تعمل كذا، المهم أن تكون نيتك طيبة، كما في التعبير في اللهجة العراقية، نيتك طيبة فأنت مو مشكلة العمل، يعني سواء عملت أم لم تعمل.

الشيخ مصطفى العاملي: الله سبحانه وتعالى يبين ذلك بكل وضوح: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾. هنا يأتي دور الإيمان الذي يكون دالاً على أن هذا العمل ليس لهدف آخر، ليس لـرياء، ليس لكذا، مثل ما أشرنا في بعض الحلقات السابقة عن ذاك الذي دخل المسجد وكيف انقلب الفاسق إلى صديق والصديق إلى زنديق. فهنا نلاحظ أن مسألة النية بالعمل تظهر من خلال انسجامها مع العمل، يعني نية منسجمة مع العمل، فأُولَٰئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا. ﴿كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾.

هذه الآية التي أشرنا إليها في سياق الدلالة على أن مسألة القول بأنني مؤمن ليست ذات نتيجة إن لم تكن مقرونة بالعمل. ومن أهم مصاديق العمل هو العنوان العام للعمل، لأنه تارة أنت تتحدث عن مفردات العمل (تقول صل، صم، لا تكذب، لا تسرق، افعل كذا، لا تفعل كذا). وتارة أنت تتحدث عن عنوان عام يشمل كل المفردات.

العنوان العام الذي قاله تعالى من خلال هذه الآيات التي تدل على أن إطاعة الله مع ﴿أَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. إذاً هناك اقتران بين طاعة الله وطاعة الرسول ينطبق على كل المفردات وكل الجزئيات. صحيح أن التخلف عن أي جزئية من الجزئيات أو ترك أي مفردة من المفردات، حتى مع كونك تقول أنك مؤمن، من الممكن أن توصلك في مرحلة ما إلى الفسق، وفي مرحلة أخرى متقدمة كما أسلفنا الحديث من أن الفسق هو واحدة من دعائم الكفر، توصل إلى الكفر، ومع ذلك تكون نتيجتك حينئذ مع الهالكين، مع أنك تتصف بالعنوان العام بأنك من المؤمنين بالله ومن المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وآله.

المُقدِّم: سماحة الشيخ هذه الآية المباركة التي تفضلتم بها وكذلك آيات أخرى شبيهة مثلاً تقول: من أن أي إنسان يعمل من ذكر وأنثى ويضيف هذا القيد ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾. في آية أخرى ﴿مَنْ عَمِلَ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾. هنا بالتأمل في هذا القيد ﴿وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾. هناك أعمال تُعمل للدنيا، وهناك أشخاص غير مسلمين، غير مؤمنين لا بالقرآن ولا في كل شيء، قد يكونوا ملحدين، ولكن يعملون ويعملونه للدنيا. على سبيل المثال مثلاً بعض المكتشفين لبعض الأمور الحيوية في الدنيا، قد يكون مكتشف الكهرباء أو مكتشف شيء آخر، هذا ليس مسلماً ولكن هذا قدم خدمة للدنيا للبشرية.

الشيخ مصطفى العاملي:

الله سبحانه وتعالى هنا يعني يريد أن يقول: هذا يدخل بإطار الفقرة الأولى التي ذكرناها، فيمكن أن يؤديه يصل إلى ما يريده في هذه الدنيا. يعني يعطيه جزاءه في الدنيا، لأن عمله للدنيا ولا يؤمن بالآخرة، فأعطاه عمله في الدنيا. نعم، فيعطى منصب معنوي، منصب مادي، مكاناً يكون ممدوحاً، ولكن فيما يرتبط بربطه بالله تعالى يكون حينئذٍ كمن يقطع صلة الاتصال التي توصله إلى النجاة، مع أنه أدى خدمات كثيرة في تلك الجوانب. إذن هذا أيضاً له جزاء وله كذا. ولكن في الدنيا، ﴿عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ﴾، هذه ما أشارت إليه الآية.

نعود هنا إلى إطار الآية التي نتحدث عنها. إذاً مسألة الأمر ما تتحدث عنه هذه الآية الكريمة هنا تقول: يُفهم من أن مقابل التوعد للمخالفين بالعقاب، أن مهمة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هي الإبلاغ. وبالتالي فإن على كل مرئ أن يتحمل نتيجة تبعات أعماله في هذه الحياة الدنيا. يُفهم من هذه الآية أيضاً أن الأمر بطاعة الله يستبطن أن التشريع هو من الله تعالى. الله هو المُشرِّع، الله هو المُقوِّن، الله هو المنظم لتلك القوانين، وبالتالي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو في إطار بيان هذا التشريع، بإطار تنفيذ هذا التشريع. كما يمكن أن يقال أن المهمة الإجرائية موكلة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم. والمخالفة، أي مخالفة التشريع الإلهي والأمر الإلهي الذي قرن بطاعة الرسول، والذي يرتبط بالأمور العملية والاعتقادية، تؤدي الى ان يوجَّه للإنسان تحذير. هذا التحذير إلى أين يوصل؟ إلى ما سنستعرضه في سياق الآيات التي وردت في القرآن الكريم وتتحدث عن الحذر، وإلى أين يمكن أن يصل الإنسان الذي لا يحذر، وما هي النتائج التي تترتب على مثل تلك الأعمال.


⚠️ التحذير من ترك التحذير وعرض الأعمال

المُقدِّم: سماحة الشيخ قبل أن ندخل لهذه الآيات، يعني الآن عندما أتأمل في الآية المباركة ﴿وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾، يعني هنا سماحة الشيخ ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ جاءت بعد الحذر، بعد الحذر الأول. يعني حذَّرهم الله سبحانه وتعالى، يعني إن لم تلتفتوا إلى هذا التحذير؟

الشيخ مصطفى العاملي:

أحسنتم، هذه نقطة مهمة. يعني ﴿وَاحْذَرُوا ۖ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا﴾. يعني عليكم أن تلتزموا التزاماً كاملاً مطلقاً بكل ما شرعه الله تعالى، ﴿فَإِن تَوَلَّيْتُمْ﴾ معنى ذلك أنكم لم تحذروا. وهذا ما ورد في سؤالك: يمكن أن يقال تحذير من ترك التحذير الذي ورد في سياق الآية. فإن توليتم يعني أن تمردتم، أن ابتعدتم، أن لم تلتزموا بالأمر بالطاعة والتحذير الذي حذَّركم إياه، ﴿فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. قام بدوره، أتمَّه عليه. حينئذٍ انتظروا الحساب، انتظروا العقاب في يوم آخر. حينئذٍ لَا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ قَدْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ، يعني كسب الخير في مرحلة سابقة يكون ليس في تلك المرحلة.

نلاحظ هنا مسألة الربط بين الأعمال التي على المؤمنين أن يقوموا بها ودور الرسول صلى الله عليه وآله وسلم والأمر بطاعة الله تعالى. نجد يبيّن دور الرسول صلى الله عليه وسلم. عن الإمام الصادق عليه السلام يقول: "تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم". أليس بإجماع جميع المسلمين أنهم يقولون قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "مَنْ سَلَّمَ عَلَيَّ رُدَّتْ عَلَيْهِ السَّلَامُ"؟ نعم. وهذا مذكور في مصادر الفريقين. هنا في هذا السياق الإمام الصادق عليه السلام يقول: "تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّ صَبَاحٍ، أَبْرَارُهَا وَفُجَّارُهَا فَاحْذَرُوهَا".

المُقدِّم: سماحة الشيخ ﴿فَاحْذَرُوهَا﴾ أيضاً نتوقف للتأمل في هذا الحديث النبوي الشريف ونذهب إلى فاصل ونعود لإكمال هذا البحث الشيق إن شاء الله.


🔄 استعراض الأعمال والقدرة الإلهية

المُقدِّم: نرحب بكم مشاهدين الكرام مرة أخرى ونرحب بضيفي الكريم سماحة الشيخ مصطفى العاملي أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ.

الشيخ مصطفى العاملي: أهلاً وسهلاً بكم، حياكم الله.

المُقدِّم: طبعاً مشاهدين الأعزاء برنامجنا "أئمة الهدى" والآية المركزية أو محور الحديث في كل حلقاته ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾. وحديثنا في الآية في هذه الحلقة طبعاً في الآية المباركة الآية الثانية والتسعين من سورة المائدة: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾. سماحة الشيخ كان الحديث حول الحذر وهنا في الآية أمر بالحذر وتحذير من عدم الحذر.

الشيخ مصطفى العاملي:

هو ما سنستعرضه الآن في هذا المحور الثاني، حتى المشاهد الكريم أيضاً يفهم الحذر من ماذا. الحذر يعني الله سبحانه وتعالى عندما قال في الآية التي أشرنا إليها: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾. أمر بإطاعة الله وإطاعة الرسول ثم أمر بالحذر، ﴿وَاحْذَرُوا﴾. كيف يكون الحذر؟ بيّنا بعض الجوانب، وسنستعرض من خلال الحديث الذي أشرنا إليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والآيات القرآنية الكريمة نفهم حقيقة الحذر ما هي، مما يجب أن نحذر هو هذا البناء، وإلى أين يوصلنا عدم الحذر.

نلاحظ مثلاً في الحديث الذي تلونا فقرة منه قبل الفاصل عن الإمام الصادق عليه السلام عندما قال: "تُعْرَضُ الْأَعْمَالُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم، أَعْمَالُ الْعِبَادِ كُلَّ صَبَاحٍ، أَبْرَارُهَا وَفُجَّارُهَا فَاحْذَرُوهَا". إذن هناك سجل يرفع لأعمالك أيها الإنسان، هذا قبل أن يصل إلى يوم الحساب، هذا في كل يوم في كل صباح ومساء على رسول الله صلى الله عليه وآله. نعم، سجل يعرض على رسول الله، وبالتالي سيكون هناك تقييم لهذا السجل. طبعاً، ملاحظة وإشارة للمشاهد الكريم: أنه يُعرض على رسول الله صلى الله عليه وآله حتى في الوقت الحاضر. هنا دليل آخر سنستعرضه في سياق الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام يقول وهو قوله تعالى: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾. إذن هنا بيان لما تؤدي إليه نتائج أعمالنا في هذه الحياة، وهذا "سَيَرَى" هذا فعل مضارع ويفيد المستقبلي.

فإذن هناك أيها الإنسان أيها المؤمن - كنت أو ممن اتصفت بعنوان الإيمان من جهة ولكنك عملت عملة غير المؤمنين من جهة أخرى - تقرير، سجل، ملف يُعرض على رسول الله. قد يقول قائل: وكيف لرسول الله وهو فرد وإنسان أن يستعرض في آن واحد كل تلك الأعمال؟ نعم، عجيب. عندما نتحدث عن قدرة إلهية يمنحها الله تعالى لمن قرن طاعته بطاعته، نتوقف حينئذ عن أمور جزئية. الآن مثلاً، الآن هذا الجهاز الكمبيوتر الذي أمامي عندما تريد أن تنظم عملية حسابية أو عملية بحث معينة، تجد أن إمكانية البحث ولأي فقرة أو لكلمة ملايين العمليات الحسابية تجري باللحظات، يعطيك الجواب والنتيجة. وهذه أمور متاحة، هل يستطيع أحد أن ينكرها من يكون جاهلاً ولا يعرف بهذه التقنيات؟ هذا عليه أن يتعلم. فإذا المسألة إن كانت بإطار ما تمكن منه الإنسان أصبحت بهذه الأمور التي لا يمكن لإنسان عادي أن يستعرضها بشكل يسير، فما بالك بالقدير الذي بيده الأسباب؟ فالله تعالى عندما يُميز نبيه بتلك المكانة، هل يكون حينئذ من الصعب أو من الأمور المستحيلة أن يستعرض مثل تلك الأمور في آن واحد؟ هذا في الواقع، والمسألة التي تُطرح بهذا الإطار هو ناتج عن عدم إدراك لحقيقة الخالق.

المُقدِّم: قد يكون السبب سماحة الشيخ هنا التأطُّر بالإطار المادي.

الشيخ مصطفى العاملي:

وهذا هو الخلل. لذا نجد مثلاً بعقيدتنا كمسلمين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته قد خرق الحُجُب المادية التي نعيشها في واقع حياتنا بالإسراء والمعراج، وانتقل إلى عالم الآخر وحدث الناس بأمور حدثت وأمور ستحدث، وكلها من الأمور التي لا ينكرها مسلم ممن يريد أن يتعرض لمثل هذه الأمور. إذن مسألة الحذر هنا من خلال حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يفتح لنا نافذة أن أعمالك أيها الإنسان لا بد من أن تكون متطابقة مع ما أمر الله تعالى به من تشريع على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم. بكل شيء أمر به النبي عليك أن تكون ملتزماً: ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا﴾. هناك التزام فعلي عملي وهناك امتناع عن أمور يجب عليك أن تمتنع عنها، أي مخالفة توقعك بالمحذور، تحذرها، المخالفة هي محذور عليك أن تحذر منها: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ﴾.

المُقدِّم: سماحة الشيخ، أنا ما زلت في هذا التساؤل أقول: إذا كانت الطاعة مطلقة لله سبحانه وتعالى وللرسول، إذاً من موارد هذه الطاعة قد تكون باعتبار الآية المباركة التي أشرتم إليها الآن ﴿مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ﴾، يعني إذا ناقشت هنا الرسول صلى الله عليه وآله في ضمن أوامر رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قرن طاعته بطاعة أهل البيت عليهم السلام باعتبارهم عدل القرآن، العترة المباركة سلام الله عليهم. لدينا هذا باعتبارهم عدل القرآن، "مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِيٌّ مَوْلَاهُ"، أحاديث كثيرة للرسول صلى الله عليه وآله وسلم. إذن قد تكون من الموارد أو من أهم الموارد لطاعة الرسول نحن في طاعة أولي الأمر وأهل البيت سلام الله عليهم. نحن الآن نرجع إلى أئمة الهدى عنوان برنامجنا.

الشيخ مصطفى العاملي:

نعم، نحن نريد أن نقول أن الطاعة لرسول الله هي طاعة مطلقة، فكيف بالأمور! ألا تستنبط نتائج حديثنا؟ نعم، يعني أمر كلّي قد يريده المشاهد سماحة الشيخ. كل هذه التفاصيل التي نتحدث عنها لتظهر أهمية مكانة الذين قال عنهم بأنهم أولو الأمر وقرنوا طاعتهم بطاعة الله وطاعة الرسول، إذ لا يمكن أبداً لا بحكم العقل ولا بحكم الشرع أن يكون هناك إنسان لا يتصف بهذه الصفات وتقرن طاعته بطاعة الله ورسوله على الإطلاق.

نعود إلى مسألة الحذر. نعم، الحذر كما في آية قرآنية كريمة أنت قلت: مما يحذر الحذر مما؟ بيّنّا في الحديث عن النبي عنوان الأعمال. هنا الآيات القرآنية تبين لنا بعض التفاصيل الجزئية التي ترتبط بما على الإنسان أن يحذر منه، وصولاً إلى النتيجة المرجوة.


🎯 مصاديق الحذر (النية في العلاقات والفتنة)

الشيخ مصطفى العاملي:

في هذا الإطار يقوله تعالى في محكم كتابه في إطار بيان حكم شرعي يرتبط بحياة الناس الاجتماعية، وهذا الحكم الشرعي يرتبط بحياة الناس الاجتماعية هو عبارة عن بداية العلاقة التي تحصل قبل الزواج بين الذكر والأنثى، بين الرجل والمرأة، والتي تسبقها عادة ما نعبر عنه بالعرف الاجتماعي: الخطبة.

هنا يقول تعالى في بيان جانب من هذه الأحكام الاجتماعية: ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾.

يعني أنت عندك أيها الشاب الرغبة في خطبة امرأة، إعطاء الدلالات والإشارات من أجل هذه الخطبة ليس عليكم فيه محظور ﴿أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ﴾. يعني هنا إشارة إلى المودة التي تحصل عند الإنسان من خلال إعجاب أو محبة لطرف آخر يسعى لكي يقترن بها. ﴿عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ﴾. ولكن هنا الآية القرآنية تكمل: ﴿وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾. يعني اللقاء الخاص، اللقاء السرّ كما عبَّر عنهم. إن أطلق الإنسان فيه العنان لرغباته فإنه سيجمح. وعبارة الجموح تُطلق على الفرس عندما يخرج عن سياقه الطبيعي فيهلك صاحبه. هنا الإنسان الذي يطلق العنان لغرائزه فإنه يجمح عن جادة الصواب وينحرف ويقع، ولذا حذر الله تعالى يقول: أصل العاطفة التي نشأت عندك أيها الإنسان هي أمر، ولكن التزم ﴿لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾. لا بد من أن يكون هناك ضوابط. ﴿وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ﴾.

﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾. أحسنت. يعني أنت قد تتظاهر بالقول: أنا نية صافية بريئة، لن أتكلم بما يخالف الشرع. ولكن الله يعلم: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾. فمعنى ذلك ولذا يقال: "النظرة قد تعقب ألف حسرة". يعني نفس النظرة، الله يعلم خلفية تلك النظرة، هل أنها نظرة بريئة أو نظرة تحمل شيئاً آخر؟ عندما تتكلم ببعض الكلام، هل أن هذا الكلام الذي تتكلم به هو قول معروف فعلاً أو يستبطن شيئاً غير معروف؟ فإذا قلت أنا لم أتكلم إلا بمعروف، الله يقول لك إنه يعلم ما في أنفسكم فاحذروا.

المُقدِّم: الحذر هنا يعني ما يقبله العُرف؟ يعني ﴿قَوْلًا مَّعْرُوفًا﴾ يعني هنا في الآية المباركة لا أنه سليم بعيداً عن الأمور التي فيها انحراف، انحراف من خلال التوجيهات الشرعية، أن يتخطى تلك الحدود. ولذلك هو قال لا توعدوا إلا أن تقولوا قولاً معروفاً. صحيح، ولكن أقول: وحدد هذا القول معروف أو غير معروف هو العرف؟ يعني الاجتماعي يرجع للعرف؟

الشيخ مصطفى العاملي:

العرف الاجتماعي يلعب دور في بعض الجوانب، ولكن هناك ضوابط شرعية أخرى. يعني مثلاً العلاقة بين الشاب والفتاة، هناك مرحلة التعارف التي يتحدث عنها، حدود التخاطب هي مقيدة. ليس بحثنا هذا سمح لك. ولكن أشرتم إلى (الصبرادة). وهذا يعني كل يقول أنا قلت قولاً معروفاً. أين الملاك؟ يعني أين الذي يقول لا هذا قول معروف وهذا قول غير معروف؟ الذي يتحدد من خلال ذلك الذي نقول عنه أنه معروف أو غير معروف، هناك حدود في التخاطب بين المرحلة التي يعيشها الإنسان في علاقاته مع الآخرين، بينه وبين زوجته. في تلك المرحلة التي تسبق مرحلة الزواج، هنا يجد البعض استسهالاً لتخطي الحدود الشرعية، لقول ما: هذه ستكون زوجتي بعد أيام أو بعد شهر أو بعد. فيتخطى الحدود الشرعية سواء كان بالنظر أو بالكلام أو باللمس أو ما أشبه ذلك. لا، ما هو محرم الآن قد يكون حلالاً بعد ساعة، ولكن في المرحلة التي تسبق مرحلة التحليل عليك أن تكون حذراً من أن تتخطى ما حلله الله وما حرمه من أمور تفصيلية موضحة في أماكنها.

إذن هنا مسألة الحذر، يعني هنا الذي قال فيه تعالى ﴿وَاحْذَرُوا﴾، أمر الحذر معنى ذلك تشير هذه الآية إلى أن الله تعالى يعلم ما في نفسك. إذن عليك أيها الإنسان حتى في نيتك أن تكون ذات نية صادقة صافية سليمة متطابقة مع ما أمر الله تعالى به وبنفس الوقت مبتعدة عما نهى عنه. هذه مصداق كما يقال من مصاديق الحذر.

بعد يمكن أن ننتقل إلى آية أخرى. وهذه تدخل كلها في إطار أن عدم الطاعة لله ولرسوله يستوجب منا الحذر لأننا إن لم نطع فسنقع في المحظور.


8. الحذر من النفاق والمنافقين

الشيخ مصطفى العاملي:

في آية أخرى في سورة المنافقون هنا يبين الله تعالى الحذر من جانب آخر يرتبط بجانب آخر يتحدث في العلاقة عن العلاقة مع المنافقين يقول: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ ۖ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ۖ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ﴾. النفاق النفاق هو حالة موجودة وكانت محيطة برسول الله صلى الله عليه وسلم، أناس أظهروا الإسلام أظهروا أنهم مؤمنون، يؤدون الصلاة، يمارسون عدداً من الواجبات، ولكن يستبطنون في داخلهم شيئاً آخر. وما تحدثت عنه الآية السابقة التي تحدثنا عن ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾ تبين هذه الآية تلك الجماعة: ﴿كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ۚ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ۚ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ﴾.

إذن هنا قد يقول قائل: كيف أعرفهم وهم ليسوا معلنين، ليسوا ظاهرين؟ مسألة النفاق التي تحدث الله تعالى عنها تحدث عنها في سياق أوصاف. نعم، هذه الأوصاف وليس مصاديق. من خلال هذه الأوصاف نستطيع أن نعرف أن هذا هو فعلاً مؤمن ومسلم ملتزم التزاماً حقيقياً فيما لو كانت طاعته لله ولرسوله طاعة مطلقة. أما أولئك الذين سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر، سمعوا ما نصح، سمعوا ما أوصى، سمعوا ما وجّه، ومع ذلك خالفوا. قد يخالف إنسان بعض الأحيان مخالفة عن غير قصد قد يكون هذا معذور، ولكن إذا اتضح له الأمر فإنه يعلن توبته. فأما من يعرف تماماً أن هذا الأمر من رسول الله، أنه قال: "فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي"، أنه قال كذا وكذا وكذا، ويتعمّد المخالفة، فماذا تكون النتيجة؟ نعم، الجواب يظهر من خلال هذه الآيات الكريمة.

المُقدِّم: هنا أيضاً سماحة الشيخ، هنا في الآية المباركة ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾ طبعاً هنا الخطاب موجه للرسول صلى الله عليه وآله صحيح؟ في الآية التي تفضلتم بها الآن حول المنافقين ﴿فَاحْذَرْهُمْ﴾ الخطاب موجه للرسول وهم معلومون عند الرسول من هم هؤلاء مصاديقهم معلومة عند الرسول. فهنا عندما يخاطب الرسول بالحذر منهم، هو يعلم من هم هؤلاء بأسمائهم وأشخاصهم ولكن لم يعلنهم للأمة لمصلحة ما طبعاً.

الشيخ مصطفى العاملي:

نعم، ولكن هنا أيضاً في إشارة، يعني في إطار سياق الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي تتحدث عنه هذه الآية في الإطار العام هو تكليف لجميع المؤمنين بمسألة الحذر، وليس أمراً مختصاً برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


🔚 الخاتمة

المُقدِّم: أحسنتم سماحة الشيخ. انتهى وقت البرنامج. جزاكم الله خير الجزاء.

مشاهدينا الأعزاء، في نهاية اللقاء نشكر سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي، الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية. ونشكركم أيضاً مشاهدين الأعزاء. وما بقي إلا أن نودعكم ونستودعكم الله.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

طباعة
2015/09/08
7,593
تعليق

التعليقات

لا توجد تعليقات على هذا المقال بعد. كن أول من يعلق!