الترابط بين امر الله وامر الرسول ( الحلقة 3)

الترابط بين امر الله وامر الرسول ( الحلقة 3)

الحلقة الثالثة من برنامج "أئمة الهدى"

في 9-5-2012

المقدم: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين، المصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مشاهدينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.

قال تعالى في كتابه الحكيم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.

تساؤلات متجددة:

  • من هم هؤلاء الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله؟

  • هل أنهم كل من وصل إلى السلطة أو ورث سلطة؟

  • هل هم من ارتكبوا الجرائم وسفكوا الدم لينالوا سلطة؟

  • أم أنهم أعدل الخلق، وأفضل الخلق، وأكمل الخلق، وأعرف الخلق، وأعلم الخلق، وصفوة الخلق بعد النبي صلى الله عليه وآله، وأنهم أئمة اختارهم الله تعالى؟

تساؤلات نطرحها في بداية كل حلقة، لننتقل وإياكم أعزاء المشاهدين إلى محور من محاور هذا البحث المرتبط بأسس الهداية الإلهية لبني البشر، عبر رسله، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾.

أحييكم أطيب تحية في لقائنا المتجدد مع برنامج "أئمة الهدى"، والذي نتابع فيه معكم رحلة من البحث والنقاش العلمي والموضوعي المرتبط بالآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة التي وردت في حق أهل البيت عليهم السلام، والتي تأمر بالتمسك بهم وتبين مكانتهم.

محور حديثنا في هذه الحلقة حول حقيقة الترابط بين الأمر الإلهي بطاعة الله وطاعة رسوله، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾.

ضيفنا الدائم في هذا البرنامج: الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية، سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي، والذي نرحب به في بداية هذا اللقاء.

المقدم: أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ ضيفاً عزيزاً على قناتكم قناة كربلاء الفضائية.

الشيخ: أهلاً وسهلاً بكم، حفظكم الله ورعاكم وسدد خطاكم.

المقدم: حياكم الله سماحة الشيخ وأهلاً ومرحباً بكم كذلك. سماحة الشيخ، في الحلقة الماضية ذكرتم في سياق الحديث عن الطاعة المفروضة في القرآن الكريم أن الأوامر الإلهية بالطاعة موجهة إلى شريحة خاصة من البشر وهم المؤمنون. وأشرتم في إطار الحديث عن هذه الآيات إلى وجود 14 آية في القرآن الكريم وردت فيها كلمة "أطيعوا"، بينها 11 آية تأمر بإطاعة الله وإطاعة الرسول، ومنها الآية التي هي موضوع بحثنا المتجدد: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾.

السؤال الأول الذي يطرح في هذه الحلقة: هل من ترابط في المعنى بين تلك الآيات الأحد عشر وهذه الآية؟

 

التلازم بين آيات الطاعة (أطيعوا الله والرسول)

 

الشيخ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً. أيها المشاهدون الكرام، ومن جوار سيد الشهداء أبي الأحرار الحسين بن علي عليه السلام نحييكم، ونقول لكم: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المقدم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ: فيما يتعلق بما طرحته من سؤال، لا بد قبل أن نجيب من أن نلاحظ جانبين في الموضوع:

  1. استعراض الآيات الأحد عشر على نحو الإجمال: لنرى العنصر المشترك بينها، وهو كلمة "أطيعوا" المقرونة بـ "الله والرسول".

  2. التأمل في خصوصية كل آية: فكل آية لها معنى خاص يظهر فيها بعد الأمر بالإطاعة.

المقدم: يعني سماحة الشيخ، هذه الآيات الأحد عشر، فقط الكلمة المشتركة هي "أطيعوا" مطلقاً، أم "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول"؟

الشيخ: هي الجملة التي تحمل هذا المعنى، ولكن نحن نريد أن نبدأ بلحاظ المعنى الإجمالي الذي نريد أن نركز عليه وهو كلمة "أطيعوا". نريد أن نفهم نحن من خلال استعراض خصوصيات الآيات الموجودة في كل آية مع ربطها بالمعنى العام، إلى أين توصلنا كلمة "أولي الأمر" في مورد الحديث.

 

دلالة الأمر في "أطيعوا"

 

الشيخ: كلمة "أطيعوا" في اللغة أتت بصيغة الأمر، والأمر فيه طلب للفعل، وظاهره يدل على الوجوب. وعندما يكون الأمر من الله تعالى، فإن له خصوصية في الدلالة.

  • الأمر لله: ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ﴾، ﴿أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ﴾، ﴿بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا﴾.

  • نماذج من الأوامر: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا﴾، ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾.

المقدم: يمكن أن نقول سماحة الشيخ هذه الأوامر الإلهية هنا إذا كانت صادرة من الله سبحانه وتعالى تكون مُلزِمة لا شك، والإلزام هنا بدرجة عالية جداً؟

الشيخ: لا شك. فالآية الكريمة تبين حقيقة الموضوع بقوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُكْرًا﴾. التمرد هو عدم الامتثال، وعدم الإطاعة. إذن، المخالفة لأمر الله تعالى (الذي يشمل أمر رسله) تستوجب العذاب الشديد.

 

الطاعة والمحبة: التلازم الذي لا ينفك

 

الشيخ: خلاصة المعنى العام لهذه الآيات أن حقيقة الدين، حقيقة الإيمان، هي طاعة الله والرسول بشكل مترابط ومتلازم، لا يمكن أبداً أن يصل الإنسان إلى الالتزام بالدين دون أن يكون ممتثلاً لأوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. وعندما نقول متلازمان، فالمتلازمان لا ينفكان (كالحرارة والنار).

(مداخلة هاتفية - الأخ أحمد من واسط):

يشير إلى روايات عن ابن عباس تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ ما جاءت في القرآن إلا وعلي بن أبي طالب هو رأسها وقائدها.

الشيخ (تعقيب): نحن نريد أن نجعل المستمع الكريم يصل إلى تلك الاستنتاجات دون أن نعطي عناوين، بل يتلمسها من خلال سياق حديثنا.

 

الرد على التفريق بين طاعة الله وطاعة الرسول

 

المقدم: قد يقول قائل بأن الأمر بإطاعة الله في الآية تعني طاعته في كتابه، وطاعة الرسول تعني طاعته في سنته، فهل يستقيم هذا الكلام في سياق الآية الكريمة؟

الشيخ: هذا الكلام يقوله البعض، ولكن يتضح من سياق ما تحدثنا عنه أن الأمر الوارد في القرآن الكريم في هذه الآيات الأحد عشر هو إطلاق وشمول، ليس مقيداً بأي قيد. وبالتالي لا يمكن أن تنفصل إطاعة الله عن إطاعة الرسول، ولا يمكن أن تكون إطاعة الرسول محددة بجانب وإطاعة الله محددة بجانب آخر.

المقدم: تفضلتم وقلتم بأن الطاعتان متلازمتان ولا معنى هنا لتفصيل.

الشيخ: نعم. حقيقة الأمر بإطاعة الرسول هي مستمدة من الأمر الإلهي. نجد آية تدل على حقيقة هذا الترابط على نحو له أثر: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ﴾ (سورة آل عمران، الآية 31).

المقدم: يعني هنا سماحة الشيخ يقول على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن محبة الله سبحانه وتعالى مرتبطة بإتباع الرسول.

الشيخ: أحسنت. الإتباع يعني الطاعة والامتثال لما أمر به. فالله تعالى ربط تبادل المحبة بأن يطيع الرسول (يتبعه). معنى ذلك أن الذي يخالف الرسول، أو يردّ عليه، لا يمكن أن ينال محبة الله تعالى، لأن المحبة والمخالفة لا يمكن أن يجتمعا. مصداقاً لقول الشاعر:

"تعصي الإله وأنت تظهر حبه؟

هذا مُحالٌ في القياسِ بديعُ!

لو كان حبك صادقاً لأطعتهُ،

إن المحبةَ لمن يُحِبُّ مُطِيعُ."

 

النتيجة والجزاء على الطاعة والعصيان

 

الشيخ: الطاعتان متلازمتان بالفعل ومتلازمتان بالأثر.

  • جزاء الطاعة: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (سورة النساء، الآية 13).

  • جزاء العصيان: ﴿وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ (سورة النساء، الآية 14).

إذن، القول بالتفصيل بين طاعة الله في جانب وطاعة الرسول في جانب آخر لا يمكن أن يستقيم.

 

التولي والعاقبة (الكفر)

 

المقدم: لو ذهبنا إلى الآية الثانية والثلاثين من سورة آل عمران: ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾. ما الربط بين الطاعة والمحبة والكفر في هذه الآية؟

الشيخ: هذه الآية فيها خصوصية. عندنا من جهة أمر بإطاعة الله وإطاعة الرسول. وفي هذا السياق قال: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾.

  • التولي: يعني الإعراض عن الطاعة، وأن يولي الإنسان بوجهه عن الأمر الإلهي.

  • العاقبة: يعني إن أعرض هؤلاء (الذين هم من المؤمنين بالخطاب) عن أمر الله تعالى بطاعة الله وطاعة الرسول، فماذا ستكون النتيجة؟

الشيخ: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾. هذا يربط التولي عن طاعة الرسول بالكفر.

(مداخلة هاتفية - الأخ سالم من بغداد):

يسأل: هل هذه الطاعة تكون واجبة، ومن خالفها لا يكون كفراً؟

الشيخ (تعقيب): نحن أخ سالم، نريد في البداية أن يتضح الآن للجميع أن مخالفة الله ومخالفة الرسول تستوجب الحكم بالكفر. أي نوع من الكفر هذا؟ إن شاء الله نتحدث عنه في حلقة قادمة.

المقدم: شكراً جزيلاً سماحة الشيخ. جزاكم الله خير الجزاء. في نهاية اللقاء، نشكر سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي على هذه الإثارات والتوضيحات، والشكر لكم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة. نلتقيكم إن شاء الله في حلقة قادمة من الأسبوع القادم في نفس هذا الموعد، ونتابع فيها هذا البحث الشيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.