• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : ابحاث ومحاضرات .
                    • الموضوع : ماذا لو لم يكن هناك حسين؟ .

ماذا لو لم يكن هناك حسين؟

 قبل تسع سنوات وفي العام 1433 للهجرة وبمناسبة المؤتمر السنوي الاول المنعقد في جامعة كربلاء... تحت شعار: عاشوراء الامام الحسين(ع) عزة وإباء. كان لي البحث التالي تحت عنوان:

ماذا لو لو يكن هناك حسين؟

قراءة في أبعاد شخصية الامام الحسين عليه السلام

 بسم الله الرحمن الرحم

والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا ونبينا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين.

         ونحن في مدينة الامام الحسين عليه السلام، وفي أيام الامام الحسين .. وعلى أعتاب اربعينيته التي تحمل الرقم 1372.. وهي عدد السنوات التي انقضت منذ الاربعينية الاولى التي قصدها رجل واحد قبل عودة ركب الاسارى من الشام،  قادته بصيرته بعد أن فقد بصره ، ألا وهو جابر بن عبد الله الانصاري، نشاهد في هذه السنة كما في السنوات التسع الماضية زحفا بشريا مليونيا  ليس له مثيل في التاريخ ينمو عاما بعد عام، تتغير فيه  نواميس الطبيعة البشرية في علاقات الناس وسلوكهم وعطاءهم واندفاعهم وولاءهم ووفاءهم وتتجلى تلك الحالة بأبهى صورها فيما نشاهده ونتلمسه في هذه الايام..

ولكننا قبل ذلك لا بد لنا من أن نتوجه بقلوبنا وعقولنا وبكل عواطفنا ومشاعرنا، نحو الحسين قائلين:

 السَّلَامُ عَلَى الْحُسَيْنِ الَّذِي سَمَحَتْ نَفْسُهُ بِمُهْجَتِهِ

السَّلَامُ عَلَى مَنْ أَطَاعَ اللَّهَ فِي سِرِّهِ وَ عَلَانِيَتِهِ

السَّلَامُ عَلَى مَنْ جَعَلَ اللَّهُ الشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ

السَّلَامُ عَلَى مَنِ الْإِجَابَةُ تَحْتَ قُبَّتِهِ ..

 السلام عليكم ايها الحاضرون الكرام وعلى كل من يتابع ويستمع الى وقائع هذا المؤتمر السنوي الاول المنعقد في جامعة كربلاء... تحت شعار: عاشوراء الامام الحسين(ع) عزة وإباء. ورحمة الله وبركاته.

تمهيد.. 

         أود أن أشير في بداية حديثي الى ما ورد في بطاقة الدعوة الى هذا المؤتمر الكريم من أن الهدف الأول من أهداف المؤتمر .. ما ورد تحت عنوان: التعريف بمبادئ ثورة الامام الحسين ....

لأقول: إن وصفَ عملِ الامام الحسين عليه السلام بأنه ثورة يستدعي منا جميعا التوقف قليلا لتحديد معنى الثورة.. هل نقصد منها المعنى اللغوي عند العرب؟ أم نقصد منها استعمالا ورد في سالف الأزمنة؟ أم مصطلحا قرآنيا ؟ أم تفسيرا سياسيا حديثا؟

ولنتساءل بعد ذلك عن مدى دقة هذا التوصيف..

 

في اللغة   

فيما يتعلق باشتقاق كلمة الثورة ومعانيها .

لقد ورد في   لسان‏ العرب ج : 4  ص :  108

في بيان معاني كلمة ثور..

 ثور: ثارَ الشي‏ءُ ثَوْراً و ثُؤوراً و ثَوَراناً و تَثَوَّرَ: هاج؛

 و الثَّائر: الغضبان، و يقال للغضبان أَهْيَجَ ما يكونُ: قد ثار ثائِرُه و فارَ فائِرُه إِذا غضب و هاج غضبه.  و يقال: ثَوَّرَ فلانٌ عليهم شرّاً إِذا هيجه و أَظهره.

 هذا بعض ما ورد في قواميس اللغة.. ولا داعي لأن نستعرض المعاني البعيدة كليا عن مورد الاستعمال.

 

في النصوص التاريخية المرتبطة بصدر الاسلام

لدينا نص لرسالة أَرْسَلَ بها أَبُو جَهْلٍ بَعْدَ الْهِجْرَةِ إِلَى النَّبِيِّ  صلى الله عليه وآله يقول فيها: كما ورد في  بحارالأنوار    ج 19    ص 265    :

يَا مُحَمَّدُ إِنَّ الْخُيُوطَ الَّتِي فِي رَأْسِكَ هِيَ الَّتِي ضَيَّقَتْ عَلَيْكَ مَكَّةَ وَ رَمَتْ بِكَ إِلَى يَثْرِبَ، وَ إِنَّهَا لَا تَزَالُ بِكَ حَتَّى تَنْفِرَكَ وَ تَحُثَّكَ عَلَى مَا يُفْسِدُكَ وَ يُتْلِفَكَ إِلَى أَنْ تُفْسِدَهَا عَلَى أَهْلِهَا وَ تُصْلِيَهُمْ حَرَّ نَارٍ تُعَدِّيكَ طَوْرُكَ وَ مَا أَرَى ذَلِكَ إِلَّا وَ سَيَئُولُ إِلَى أَنْ تَثُورَ عَلَيْكَ قُرَيْشٌ ثَوْرَةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ لِقَصْدِ آثَارِكَ وَ دَفْعِ ضَرَرِكَ وَ بَلَائِكَ ..

وأقول بين قوسين : نعم لقد تحققت توقعات ابو جهل فيما يتعلق بثورة قريش على محمد ، ولكن متى وكيف؟

نترك الجواب على هذا التساؤل ليتضح من خلال السياق العام لهذا البحث.

 في القرآن الكريم

ورد في تفسير علي بن إبراهيم في قوله تعالى: وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً ، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً قال: ثورة الغبرة من ركض الخيل‏.

            فهذا استعمال لكلمة ثورة في تفسير آية قرآنية..

في كتب التراث والاخلاق

ورد في مجموعة ورام في سياق وصايا اخلاقية تربوية قوله:

تفكر أولا فيما يقرع سمع سكان القبور من شدة نفخ الصور، فإنها صيحة واحدة ينفرج بها القبور عن رءوس الموتى يثورون دفعة واحدة، فتوَّهم في نفسك و قد وثبت متغيرا وجهك، متغيرا بدنك من قرنك إلى قدمك، من تراب قبرك مبهوتا من شدة الصعقة شاخص العينين نحو النداء و قد ثار الخلق ثورة واحدة من القبور التي طال فيها بلاؤهم و قد أزعجهم الفزع و الرعب‏.

هذه بعض نماذج استعمالات كلمة ثورة في المصادر المختلفة ، فماذا عن استعمالاتها الحديثة؟

 في المصطلح السياسي الحديث

يقال: الثورة هي الخروج عن الوضع الراهن وتغييره - سواء إلى وضع أفضل أو اسوأ - باندفاع يحركه عدم الرضا. 

وللثورة في زماننا عدة تعريفات في المعاجم المختصة بالمصطلحات، ولكنها  تتلخص بتعريفين ومفهومين :

التعريف التقليدي القديم، الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية ومعناه : قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة.

اما التعريف أو الفهم المعاصر والذي يعبر عنه بأنه الاكثر حداثةً فهو: التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته ، "كالقوات المسلحة" أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات.

وهنا نطرح سؤالا: هل أن شيئا من هذه المعاني سواء تلك التي ورد ذكرها في المصادر المتعددة ، أم وفق التعاريف الحديثة، ينطبق على ما قام به الامام الحسين عليه السلام؟ أم أن استعمالنا لهذا التوصيف لا يعدو كونه استعمالا للفظ قاصر عن الدلالة على المعنى المراد؟ أو على المعنى الحقيقي؟

والجواب: يمكننا في الواقع ان نقول من خلال هذه القراءة أن وصف حركة الامام الحسين عليه السلام بالثورة هو ناتج عن التأثر بالمصطلح السياسي الحديث لهذه الكلمة والذي يستوحي معانيه من خلال التطورات السياسية والاجتماعية التي شهدها النظام العالمي منذ مطلع القرن التاسع عشر وحتى أيامنا  هذه بحيث نرى توسعا في دائرة استعمال كلمة الثورة لتشمل التغيير الكبير الذي يحصل في شتى المجالات حتى ولو كان علميا ولم يكن مسلحا او سياسيا فصرنا نستعمل مصطلح، ثورة التكنولوجيا، الثورة الصناعية، ثورة المعلومات.. وهكذا.

أما فيما يرتبط بالحسين عليه السلام فتبقى  كل تلك الصفات والمعاني قاصرة عن التعبير او الدلالة عن مضمون معاني العمل العظيم الذي قام به عليه السلام..

وهو ما يجعل الباحثين والمفكرين والكتاب والادباء والمؤرخين والشعراء وغيرهم من ذوي الباع  والقدرة ، عاجزين عن ايجاد عبارة تفي المعنى المراد حقه..

وما تلك التعبيرات التي نسمعها هنا أو هناك متحدثة عن الحسين او عن عاشوراء إلا من باب التعبير  بالجزء عن الكل.. وهل يمكن للجزء أن يفي حق الكل دوما؟

فمن قال أن عاشوراء تضحية.. يقال له : التضحية جزء من عاشوراء..

ومن قال ان عاشوراء إيثار.. يقال له : الايثار جزء من عاشوراء..

ومن قال أن عاشوراء شجاعة .. يقال له الشجاعة جزء من عاشوراء..

ومن قال أن عاشوراء ثورة..- على فرض صحة استعمال هذا الوصف - يقال له : الثورة جزء من عاشوراء..

وبالتالي فلن نجد ما يدل على عاشوراء سوى كلمة عاشوراء..

إن عاشوراء .. تختزن في معانيها ودلالاتها حكاية الخليقة، حكاية الحياة، حكاية الوجود، حكاية المستقبل وحكاية النشر يوم الخلود..

وهنا أتوقف قليلا لأشير الى أننا عندما نستعمل كلمة عاشوراء، فإن الذهن ينصرف تلقائيا نحو الحسين، كذلك الحال عندما نستعمل كلمة كربلاء، بما تمثله هاتان المفردتان من أبعاد مرتبطة بشخصية الحسين عليه السلام، سنشير اليها في المحور الثاني من هذا البحث .

هذا فيما يتعلق باستعمال وصف الثورة على ما قام به الحسين عليه السلام.

أما فيما يرتبط بموضوع بحثنا من خلال السؤال الافتراضي الذي طرحناه : ماذا لو لم يكن هناك حسين؟

فلقائل أن يقول.. إن هذا السؤال هو أمر افتراضي فكيف لنا أن نقرأ أبعاد شخصية الحسين عليه السلام من خلال سؤال افتراضي؟.

والجواب على ذلك يتلخص في أمرين، يحملان  النقض، والحلّ:

الامر الاول: إن الخطاب الافتراضي وخاصة الذي يعتمد على ضرب الامثال قد أولاه القرآن الكريم أهمية كبيرة، من خلال عدد ليس باليسير من آيات القرآن الكريم، بهدف مخاطبة عقل الانسان، بعيدا عن التأثر بالغرائز والعواطف، خاصة إذا أدركنا بأن القيمة الفعلية لإنسانية الانسان تكمن فيما منحه الله تعالى اياه من قوة عاقلة فُضل من خلالها على كثير من مخلوقات الله تفضيلا.

وفي هذا السياق نشير الى ما ورد عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الباقر ع قَالَ: لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ  اسْتَنْطَقَهُ ثُمَّ قَالَ لَهُ، أَقْبِلْ فَأَقْبَلَ ثُمَّ قَالَ لَهُ أَدْبِرْ فَأَدْبَرَ.

 ثُمَّ قَالَ: وَ عِزَّتِي وَ جَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقاً هُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْكَ وَ لَا أَكْمَلْتُكَ إِلَّا فِيمَنْ أُحِبُّ أَمَا إِنِّي إِيَّاكَ آمُرُ وَ إِيَّاكَ أَنْهَى وَ إِيَّاكَ أُعَاقِبُ وَ إِيَّاكَ أُثِيبُ.

 وفي حديث آخر عن العقل .. فَأَعْطَى اللَّهُ مُحَمَّداً ص تِسْعَةً وَ تِسْعِينَ جُزْءاً ثُمَّ قَسَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ جُزْءاً وَاحِداً‌.

 فذكر الامثال في القرآن الكريم وبالتالي طرح الامور الافتراضية هو وسيلة من وسائل مخاطبة العقل البشري بهدف ايصال الدلالات والاشارات، لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَ يَحْيى‏ مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ (42 الانفال).

لذا نجد نموذجا لذلك في قوله تعالى:

لوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى‏ جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21) 

وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (25)

وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (43)

لذا نجد الخطاب الالهي في عدد من الايات يذكر لنا أمورا افتراضية ويجيب عليها فيقول تعالى:

 قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَ لَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ﴿10).

وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَ الْأَرْضِ وَ لٰكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ.

وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ مَا فِي الْأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ .

وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى  ﴿31﴾

وَ لَوْ أَنَّ مَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلاَمٌ وَ الْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ  ﴿27﴾

وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

إِنَّ الَّذينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في‏ سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمينَ .

اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في‏ زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضي‏ءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‏ نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَليمٌ .

وليس استعمال المقال الافتراضي منحصرا في القرآن الكريم بل نجد له نماذج كثيرة في نصوص البلغاء والحكماء والمتكلمين، ونشير في ذلك الى ما ورد عن سلمان الفارسي الذي سماه رسول الله بسلمان المحمدي وذلك بعد الشرخ الاول الذي حصل في تاريخ الامة بعد وفاة نبيها حيث قال:

أَمَا وَ الَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ لَوْ وَلَّيْتُمُوهَا عَلِيّاً لَأَكَلْتُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ تَحْتِ أَقْدَامِكُمْ وَ لَوْ دَعَوْتُمُ الطَّيْرَ لَأَجَابَتْكُمْ فِي جَوِّ السَّمَاءِ، وَ لَوْ دَعَوْتُمُ الْحِيتَانَ مِنَ الْبِحَارِ لَأَتَتْكُمْ، وَ لَمَا عَالَ وَلِيُّ اللَّهِ وَ لَا طَاشَ لَكُمْ سَهْمٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ وَ لَا اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي حُكْمِ اللَّهِ..

الامر الثاني: إن طرح السؤال الافتراضي يستدعي منا أن نتأمل في خصائص الاحداث التي حصلت ومجرياتها، وبالتالي فإن فهمنا لتلك الخصائص يرسم لنا مسارا لا تتضح معالمه إلا من خلال الاسئلة الافتراضية المعاكسة..

فَالوَجهُ مِثلُ الصُبحِ مُنبَلِجٌ         وَالشَعرُ مِثلُ اللَيلِ مُسوَدُّ

ضِدّانِ لِما اِستَجمِعا حَسُنا         وَالضِدُّ يُظهِرُ حَسنَهُ الضِدُّ

لذا فإننا عندما نتحدث عن خصائص عمل ما فإننا لن نصل الى الصورة الحقيقية من دون قراءة للصورة الافتراضية العكسية التي تظهر لها عظم هذا العمل.

وقراءتنا لتلك الصورة الافتراضية يطرح أمامنا السؤال التالي:

هل أن شخصية الحسين عليه السلام لها امتداداتها الانية التي تدور حول حياته الشخصية والتي تحسب بعمر السنين وهي سبع وخمسون سنة؟ أم لها امتدادات تمتد نحو دائرة أوسع من حياته الشخصية؟ وما هي سعة تلك الدائرة؟ هل أنها تمتد لتشمل حياة الاسرة التي ينتمي اليها الحسين عليه السلام بما تمثله من دائرة ضيقة في عمر الزمن؟ أم أنها تشمل كل تلك الامتدادات المرتبطة بهذه الاسرة ببعدها الانساني، وبعدها الالهي؟

 والجواب: يستوقفنا في ذلك حديثان يرسمان لنا ما تمثله شخصية الحسين عليه السلام:

الاول: ما نقله جميع المسلمين وأجمعوا على صحته رغم اختلافاتهم الفقهية والعقائدية والمذهبية، وبالتالي فإن هذا النوع من الاجماع له دلالة قطعية لا لبس فيها، وما نقصده هو الكلام الصادر عمن وصفه الله تعالى بأنه لا ينطق عن الهوى إن هو الا وحي يوحى عندما قال:

حسين مني وأنا من حسين..

الثاني: ما نرويه نحن أتباع مذهب أهل البيت عليه السلام عن أهل بيت العصمة من عبارات نزور بها الحسين عليه السلام حيث نقول:

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ آدَمَ صَفْوَةِ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ نُوحٍ نَبِيِّ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُوسَى كَلِيمِ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ عِيسَى رُوحِ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ مُحَمَّدٍ حَبِيبِ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ وَصِيِّ رَسُولِ اللَّهِ

السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ الْحَسَنِ الزَّكِيِّ

السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الشَّهِيدُ الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ

السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الْوَصِيُّ الْبَرُّ التَّقِيُّ

السَّلَامُ عَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ وَ أَنَاخَتْ بِرَحْلِكَ

السَّلَامُ عَلَى مَلَائِكَةِ اللَّهِ الْمُحْدِقِين‏.

فالحسين اذن نال شرف وصف النبي الخاتم بأنه منه.

وكما أن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو خاتم سلسلة الانبياء التي بعثها الله للبشرية منذ عهد آدم ، فإن الحسين عليه السلام هو وارث تلك السلسلة من الانبياء اضافة الى كونه وارثا لجده وأبيه وأخيه.

وهذا يأخذنا للبحث عن امتدادات الحسين عليه السلام في عمق تاريخ الخليقة بما يمثله من موقعية اتضحت معالمها من خلال الحديثين المذكورين وذلك في محورين:

المحور الاول: ما قبل الحسين .

لم يكن الحسين عليه السلام وليد مرحلة زمنية محددة كما دلتنا على ذلك النصوص السابقة بل له امتداد يرتبط ببدء الخليقة، فعندما نقرأ في زيارة الجامعة الفقرة التالية:

وَ أَنَّ أَرْوَاحَكُمْ وَ نُورَكُمْ وَ طِينَتَكُمْ وَاحِدَةٌ طَابَتْ وَ طَهُرَتْ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ خَلَقَكُمُ اللَّهُ أَنْوَاراً فَجَعَلَكُمْ بِعَرْشِهِ مُحْدِقِين.

وهذا يوجب علينا أن نتوسع في البحث قليلا مستعرضين عددا من الحلقات الاساسية المرتبطة بهذا العمق الذي يمثله الامام الحسين عليه السلام، وبالتالي نستطيع حينها ان ندرك الابعاد الحقيقية لسؤالنا الافتراضي في موضوع بحثنا هذا.

لذا سنتحدث في هذا المحور في عدة محطات:

المحطة الاولى: بداية الخلقة.

يحكي لنا القرآن الكريم بداية الكون بقوله تعالى:

إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ ﴿71﴾ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴿72﴾

وبعد أن انتهت المرحلة الاولى تلك بأن قال تعالى:

 يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَ لاَ تَقْرَبَا هٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ ﴿35﴾

 تأتي المرحلة الثانية:

وَ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَ تَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَ يَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ...

 وهنا نرى في هذا السياق موقفا لمخلوقات خلقها الله تعالى سبقت الجنس البشري وجودا .

 هذه المخلوقات الملائكية تعرب عن استياءها أو انزعاجها أو تذمرها أو تعجبها من المخلوق الجديد الذي تناهى الى علمهم عنه أنه لن يكون منقادا للارادة الالهية بل يمتاز عنهم بقدرته على التمرد والافساد في تلك البقعة الكونية وهي الارض.

وكان الجواب الالهي لهم: قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ﴿30﴾

وتحققت الارادة الالهية بايجاد مخلوق جديد أخضعه لعملية امتحان وتأهيل قبل أن ينقله الى الارض لتشكل تلك النقلة بداية العصر البشري على كوكب الارض.

لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في‏ أَحْسَنِ تَقْويمٍ.

وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَريدِ.

 

 المحطة الثانية: الهدف من الخلقة.

وهنا يرتسم الهدف من تلك الخلقة لهذا المخلوق المتمرد الذي انزعجت منه الملائكة.. فيقول تعالى : وَ مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ.

           وفي الحديث القدسي «كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لاعرف"

ويأخذ الجنس البشري موقعه مكرما بين المخلوقات من خلال الخصائص المميزة.. وَ هَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿10﴾

ويظهر ذلك جليا عندما يقول تعالى: وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هٰؤُلاَءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴿31﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿32﴾ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ...

أية أسماء علمها الله لآدم؟

ربما نجد بعض الاجوبة في بطون كتب التفاسير والتي تذكر عددا من المعاني التي فسرت بها الاسماء التي تعلمها آدم وعلمها للملائكة، ولكن البعض منها يثير التعجب من أن تكون مثل تلك الامور هي مورد هذا الاهتمام الكبير بحيث تكون مادة لاحتجاج الله تعالى على ملائكته، ولكن الباحث يجد تفسيرا له بعده ومعانيه العميقة ، فمن ذلك ما ورد  عَنِ الصَّادِقِ ع أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى عَلَّمَ آدَمَ أَسْمَاءَ حُجَجِ اللَّهِ كُلَّهَا.

وفي تفسير فرات بن ابن ابراهيم تفصيل أدق حيث ينقل عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ  الصادق ع أنه قَالَ في حديث عن النبي (ص) : إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى كَانَ وَ لَا شَيْ‏ءَ فَخَلَقَ خَمْسَةً مِنْ نُورِ جَلَالِهِ وَ اشْتَقَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ اسْماً مِنْ أَسْمَائِهِ الْمُنْزَلَةِ فَهُوَ الْحَمِيدُ وَ سَمَّانِي مُحَمَّداً وَ هُوَ الْأَعْلَى وَ سَمَّى أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيّاً وَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَاشْتَقَّ مِنْهَا حَسَناً وَ حُسَيْناً وَ هُوَ فَاطِرٌ فَاشْتَقَّ لِفَاطِمَةَ مِنْ أَسْمَائِهِ اسْماً فَلَمَّا خَلَقَهُمْ جَعَلَهُمْ فِي الْمِيثَاقِ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَ خَلَقَ الْمَلَائِكَةَ مِنْ نُورٍ فَلَمَّا أَنْ نَظَرُوا إِلَيْهِمْ عَظَّمُوا أَمْرَهُمْ وَ شَأْنَهُمْ وَ لُقِّنُوا التَّسْبِيحَ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَ إِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَ إِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ.

 فَلَمَّا خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى آدَمَ ع نَظَرَ إِلَيْهِمْ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ فَقَالَ يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ يَا آدَمُ هَؤُلَاءِ صَفْوَتِي وَ خَاصَّتِي خَلَقْتُهُمْ مِنْ نُورِ جَلَالِي وَ شَقَقْتُ لَهُمْ اسْماً مِنْ أَسْمَائِي.

 قَالَ يَا رَبِّ فَبِحَقِّكَ عَلَيْهِمْ عَلِّمْنِي أَسْمَاءَهُمْ .. الخ الحديث.

وهنا نرى الحسين واحدا من مجموعة ارتبط وجودها بعالم بدايات الوجود، الذي بدأت تتجلى فيه عظمة الله في خلقه، كما مرت الاشارة اليه في محور حديثنا السابق..

لقد جعل الله لهذا الكون بداية، وهو الْأَوَّلُ لَا عَنْ أَوَّلٍ قَبْلَهُ وَ لَا عَنْ بَدْءٍ سَبَقَهُ وَ الْآخِرُ لَا عَنْ نِهَايَةٍ، فكان آدم الانسان الاول، وكان النبي الاول، وكانت به بدء الخليقة بجسمها المادي  الذي لا بد وأن تكون له نهاية ، ولكن بعد مرحلة من عمر الزمن لا نستطيع ان ندرك حدودها .. أهي أيام أم سنين؟ إن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون، بل خمسين ألف سنة ، فمتى و كيف ستكون النهاية وما ذا سيسبقها...؟

 المحطة الثالثة: دور ابليس.

أمام هذا الاختبار الالهي تظهر نتائج فرز جديد على مستوى أجناس المخلوقات..

فلم يكن خلق آدم امتحانا لجنسه فحسب بل كان امتحانا لأجناس أخرى..

نجحت الملائكة وهم الذين وصفهم تعالى بأنهم لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴿6﴾

                 وسقط من عبد هواه..قائلا:  أَ أَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً ﴿61﴾

لقد كان عابدا لله مع الملائكة حتى حسبوه منهم.. وقد قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الصادق ع إِنَّ إِبْلِيسَ عَبَدَ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ فِي رَكْعَتَيْنِ..

فيحل الغضب الالهي عليه ويصدر الامر: فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ ﴿13﴾

يطلب ابليس من الباري عز وجل جزاء عبادته له وهو يعرف تماما: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ... وَ لاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴿49﴾

قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿14﴾

قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ ﴿15﴾

وهنا تكمن البداية.. بداية ترتسم فيها قصة الحياة..

قصة ما حصل ويحصل وسيحصل بما كان قد حصل في تلك الساعة من عمر الخليقة..

ساعة تجلت فيها معالم ما ينتظر حياة الجنس البشري الجديد.. ويظهر ذلك جليا من من سياق الحوار بين الاله القدير والعابد المتمرد.. الذي لم يكفر بربه كفر جحود بل كفر كفر طاعة..

 قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿16﴾

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَ مِنْ خَلْفِهِمْ وَ عَنْ أَيْمَانِهِمْ وَ عَنْ شَمَائِلِهِمْ وَ لاَ تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴿17﴾

ويعلن عن هدفه بكل وضوح:

قَالَ أَ رَأَيْتَكَ هٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاَّ قَلِيلاً ﴿62﴾

 ( فمن هي هذه القلة )

ويرسم تعالى معالم طريق الامتحان..ولكن ما سامنحك اياه من قدرة لن يتعدى قدرة الاختيار التي منحتها لعبادي ..

قَالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَوْفُوراً ﴿63﴾

وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَ الْأَوْلاَدِ وَ عِدْهُمْ وَ مَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً ﴿64﴾

ثم يقول تعالى: إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ  ﴿65﴾

 

المحطة الرابعة: دور الانبياء.

وهكذا تنطلق مسيرة الحياة البشرية..ولا يدع الله ابليس في مسرح الحياة وحده يصول ويجول بل يبعث الى الناس من يزودهم بعناصر المنعة والهداية والقدرة على مواجهة التحدي ..

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَ أَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَ الْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ..

وتتواصل المهمة:  كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَسُولُهَا كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُمْ بَعْضاً.

 تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ .

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُنْذِرِينَ ﴿72﴾

رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ.

 مهمة استدعت أن يبعث الله للبشرية مائة واربع وعشرين ألف نبي ورسول..

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ص إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مِائَةَ أَلْفِ نَبِيٍّ وَ أَرْبَعَةً وَ عِشْرِينَ أَلْفَ نَبِيٍّ أَنَا سَيِّدُهُمْ وَ أَفْضَلُهُمْ وَ أَكْرَمُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ.( وهو يقول وأنا من حسين)

ويمنح الله الانسان مرتبة مميزة بين خلقه: وَ لَقَدْ كَرَّمْنا بَني‏ آدَمَ وَ حَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَ فَضَّلْناهُمْ عَلى‏ كَثيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضيلاً (70)

وبما أن لكل بداية نهاية فكان صلى الله عليه وآله وسلم كما يقول وصيه:

  أَمِينُ وَحْيِهِ وَ خَاتَمُ رُسُلِهِ وَ بَشِيرُ رَحْمَتِهِ وَ نَذِيرُ نِقْمَتِهِ.

وهو القائل بعد الشهادتين: وَ أَنَا الْخَاتَمُ وَ لَا حَوْلَ وَ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.

وهو من حمل : بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمَ النُّبُوَّةِ الذي كتب عليه سَطْرَانِ أَمَّا أَوَّلُ سَطْرٍ فَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَ أَمَّا الثَّانِي فَمُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّه‏.

 قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَ مَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَ مَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَ إِسْمَاعِيلَ وَ إِسْحَاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْبَاطِ وَ مَا أُوتِيَ مُوسَى وَ عِيسَى وَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿84﴾

وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴿85﴾

 

المحور الثاني : شخصية الحسين(ع)  وفيه محطات.

 

المحطة الاولى: الابعاد الثلاثية في شخصية الحسين.

  من يتأمل في كتاب الله الكريم وهو الذي ختمت به الكتب السماوية يلاحظ وجود عدد  كبير من آياته تتناول مواضيع قصصية، فيقول تعالى مخاطبا نبيه قائلا: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هٰذَا الْقُرْآنَ .

ولا يكتف القرآن الكريم بذلك بل يرسم بعدا لتلك القصص بقوله تعالى: فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴿176﴾.

وهو بالتالي يرسم منهجا هادفا من خلال تلك القصص ألا وهو الحث على التفكر.. بل وأكثر من ذلك.. فإننا نرى أن سياق تلك القصص يندرج في الاستدلال على أحقية رسالة الخاتم، فيقول تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَ أَبْنَاءَكُمْ وَ نِسَاءَنَا وَ نِسَاءَكُمْ وَ أَنْفُسَنَا وَ أَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴿61﴾ إِنَّ هٰذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَ مَا مِنْ إِلٰهٍ إِلاَّ اللَّهُ وَ إِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴿62﴾

وهنا    نتوقف عند ما يرتبط بموضوعنا في هذه الاية الكريمة من ناحيتين:

الناحية الاولى:هي أن  الحسين عليه السلام هو واحد ممن ورد ذكره في هذه الاية في الامر الالهي لنبيه الخاتم بأن استعن به ليكون أحد تلك المجموعة التي اريدك ان تتوجه واياهم بالدعاء لي كي أحسم النزاع مع من يكذبك يا محمد .

الحسين الطفل هو ابنك يا محمد، فأخرجه معك ليؤمن على دعاءك .

الناحية الثانية: ما حكاه الله في الاية عن القصص الحق، فالحسين واحد من مصاديق القصص الحق الذي يتفكر بها المتفكرون..

البعد الثلاثي المميز.

عندما نتأمل في تاريخ العظماء الذين كان لهم أثر  في تاريخ البشرية سواء كانوا أنبياء او غير أنبياء فإننا نلاحظ وجود بعد واحد يرتبط بنفس شخصيتهم، وربما يوجد لبعضهم بعدٌ ثان يرتبط بالزمان او المكان..

فعندما نستعرض شخصية أبي البشر آدم عليه السلام فإن ما يستحضرنا هو نفس شخصية آدم من كيفية خلقه، وتكريمه عندما أمر الله الملائكة بالسجود له، وتعليمه الاسماء كلها.

وعندما نستعرض شخصية الاب الثاني للبشر نوح عليه السلام فإننا نتوقف حول ما يرتبط بطول عمره وصنعه السفينة ودعوته على الكافرين ..

وعندما نستعرض شخصية ابراهيم عليه السلام، فإننا نرى له عددا من المواقف والمحطات من تكسير الاصنام ونجاته من نار نمرود وإكرامه بأن أعاد الله إحياء الطيور المقطعة اجزاء أمامه، وجعله للناس إماما..

وعندما نستعرض شخصية موسى عليه السلام فإننا نتوقف حول ما يرتبط بكيفية نجاته من فرعون اولا وكيف رمته أمه في اليم واستنقذه فرعون من الماء وكيف ظهرت منه المعجزات..

اما في شخصية عيسى عليه السلام فإنه اضافة الى الاعجاز في ولادته فإن ما يميز شخصيته ما منحه الله اياه من قدرة احياء الموتى وشفاء المرضى.

و فيما يرتبط بشخصية نبينا محمد صلى الله عليه وآله فإننا نلاحظ وجود بعد آخر غير شخصية نبينا يرتبط بمكان تعبده ونزول الوحي عليه ألا وهو غار حراء، ولكننا لا نرى لنفس المكان خصوصية إلا من خلال كونه مكان تأمل وعبادة لنبينا صلى الله عليه وآله.

وهكذا عندما نتأمل في سيرة أية شخصية من الشخصيات الفكرية او العلمية .

ولكن عندما نصل الى شخصية الحسين عليه السلام.. فإننا نجد ثلاثة أبعاد تتمحور حول تلك الشخصية ولا ينفك احدها عن البعدين الآخرين..

ونحن في إطار بحثنا عن السؤال الافتراضي :  ماذا لو لم يكن هناك حسين .. لا بد لنا من أن نتناول هذه الابعاد الثلاثة، ولكن بشيء من الاختصار.

البعد الاول: الحسين الانسان.

في الحديث عن حياة الحسين الانسان تستوقفنا عدة عناوين جديرة بالتأمل، وهي في الواقع تفتح آفاقا حول معرفة الخصوصية التي يمتاز بها الحسين ..

العنوان الاول: اسم الحسين (ع).

نجد في ذلك نصا يتحدث عن الارادة الالهية التي نراها تتدخل في أمر جزئي يتناول حياة فرد من بني آدم.

هذه الارادة التي نراها أنها تتدخل من أجل رسم مسار الرسل، فتوحي الى أم موسى أن اقذفيه في اليم، وتخاطب ام عيسى وهزي اليك بجذع النخلة ..وهي في ذلك تهدف الى الحفاظ على حياة هؤلاء الاشخاص تمهيدا لدور يريده الله تعالى منهم.

أما أن تتدخل فيما يرتبط بتحديد اسم لمولود ، ويصل الامر بهذا ان يقول : شاء الله أن يراني قتيلا، فإن ذلك يستدعي التوقف كثيرا لفهم مدلولاته .

هذا النص يقول:

 لَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ ع أَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَى جَبْرَئِيلَ ع أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِمُحَمَّدٍ ابْنٌ فَاهْبِطْ إِلَيْهِ فَهَنِّئْهُ وَ قُلْ لَهُ إِنَّ عَلِيّاً مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى فَسَمِّهِ بِاسْمِ ابْنِ هَارُونَ قَالَ فَهَبَطَ جَبْرَئِيلُ ع فَهَنَّأَهُ مِنَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ إِنَّ عَلِيّاً مِنْكَ بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى فَسَمِّهِ بِاسْمِ ابْنِ هَارُونَ قَالَ وَ مَا اسْمُهُ قَالَ شَبِيرٌ قَالَ لِسَانِي عَرَبِيٌّ قَالَ سَمِّهِ الْحُسَيْنَ فَسَمَّاهُ الْحُسَيْنَ.

 

العنوان الثاني: الحسين مع جده.

من الامور اللافتة للنظر والتي تعتبر رسالة عملية من رسول الانسانية الى المسلمين ليلتفتوا الى خصوصية طفله الذي كان يقبله في نحره أن أدخل أمرا عباديا يرتبط بعلاقة المسلمين مع خالقهم أيام عيدهم  مراعاة أوتذكيرا بمكانة طفله الصغير.

فقد ورد عَنْ عَلِيٍّ ع قَالَ: مَا كَانَ تَكْبِيرُ النَّبِيِّ ص فِي الْعِيدَيْنِ إِلَّا تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً حَتَّى أَبْطَأَ عَلَيْهِ لِسَانُ الْحُسَيْنِ فَلَمَّا كَانَ ذَاتُ يَوْمِ عِيدٍ أَلْبَسَتْهُ أُمُّهُ وَ أَرْسَلَتْهُ مَعَ جَدِّهِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ ص وَ كَبَّرَ الْحُسَيْنُ حَتَّى كَبَّرَ النَّبِيُّ ص سَبْعاً ثُمَّ قَامَ فِي الثَّانِيَةِ فَكَبَّرَ النَّبِيُّ ص وَ كَبَّرَ الْحُسَيْنُ حَتَّى كَبَّرَ خَمْساً فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ ص سُنَّةً وَ ثَبَتَتِ السُّنَّةُ إِلَى الْيَوْم‏.

 العنوان الثالث: الحسين اليافع مع الخلفاء.

ينقل مؤلف نثر الدرر حادثة ترمز الى الكثير من الدلالات حيث ينطق الطفل بما يعجز عنه الكثير من الكبار ، فقد ورد أنه : جاء عليه السلام إلى أبي بكر وهو يخطب فقال : انزل عن منبر أبي . قال أبو بكر : صدقت . إنه لمنبر أبيك لا منبر أبي ، ثم أخذه فأجلسه في حجره وبكى.

ويتكرر هذا الموقف مع الخليفة الثاني بل ويزيد عليه فقد ورد في تهذيب الكمال ج6 ص 404 ما يلي:عن الحسين بن علي ، قال : أتيت على عُمَر بن الخطاب وهو على المنبر ، فصعدت إليه ، فقلت له : انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر ابيك ، فقال عُمَر : لم يكن لابي منبر ، وأخذني فأجلسني معه فحعلت أقلب حصى بيدي ، فلما نزل انطلق بي إلى منزله ، فقال لي : من علمك ؟ فقلت : والله ما علمنيه أحد. قال : يا بني لو جعلت تغشانا. قال : فأتيته يوما ، وهو خال بمعاوية وابن عُمَر بالباب فرجع ابن عُمَر ورجعت معه فلقيني بعد فقال : لم أرك. فقلت : يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية وابن عُمَر بالباب ، فرجع ابن عُمَر ورجعت معه فقال : أنت أحق بالاذن من ابن عُمَر ، وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم.

ما أقوى تلك الرسائل من الحسين وما أبلغ مثل ذاك الاقرار.

العنوان الرابع: الحسين الرسالة

عندما نستعرض شخصية الامام الحسين عليه السلام في سياق سلوكه وموقفه الرسالي بعد أن آلت مقاليد الامامة الالهية اليه فإننا نجد عددا من تلك المواقف التي تظهر عظم مكانة الحسين في بعدها الرسالي التي تأخذنا مجددا الى ذاك التعبير الخالد لنبي الانسانية: وأنا من حسين.

وهذا ما يمكن ان نتلمسه في عدد من تلك المحطات:

المحطة الاولى: التزامه بالعهد.

عندما يعيش الانسان المبدئية في حياته فإن كثيرا من سلوكياته تبدوا غريبة على الاخرين الذين ينطلقون في حساباتهم وتقييمهم من خلال الفائدة الآنية او السريعة،

وفي ذلك امام مسألة الالتزام بالعهد حتى مع خرق الطرف الاخر لها ، لذا سنقف عند الحادثة التالية: ينقل المؤرخون أنه لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ ع تَحَرَّكَتِ الشِّيعَةُ بِالْعِرَاقِ وَ كَتَبُوا إِلَى الْحُسَيْنِ ع فِي خَلْعِ مُعَاوِيَةَ وَ الْبَيْعَةِ لَهُ فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ وَ ذَكَرَ أَنَّ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ مُعَاوِيَةَ عَهْداً وَ عَقْداً لَا يَجُوزُ لَهُ نَقْضُهُ حَتَّى تَمْضِيَ الْمُدَّةُ فَإِذَا مَاتَ مُعَاوِيَةُ نَظَرَ فِي ذَلِكَ.

 

المحطة الثاني: مواقفه الصريحه .

قد يتعجب البعض احيانا من مواقف لا تخضع لموازين الربح والخسارة الاني، لعدم إدراك خلفيات تلك المواقف، وهو ما يتجلى في موقف الحسين عليه السلام الذي كان قد أعلن التزامه بمفاعيل العقد والعهد الذي أبرمه أخوه الحسن، وهو من ناحية أخرى في موقف آخر يرفض حتى استعمال اسلوب المناورة أو التمويه، بل يعلن موقفا صريحا وحاسما لا لبس فيه ، فقد ورد انه بعد موت معاوية في الشام وتولي ابنه يزيد للسلطة في الشام وبعد أن تم استدعاء الامام الحسين من قبل والي المدينة كي يبايع ليزيد ماذا كان موقف الحسين عليه السلام؟

 أَقْبَلَ عَلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ أَيُّهَا الْأَمِيرُ إِنَّا أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ وَ بِنَا فَتَحَ اللَّهُ وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ وَ يَزِيدُ رَجُلٌ فَاسِقٌ شَارِبُ الْخَمْرِ قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُون‏.

 وهو في ذلك يخط نهجا ويكرس حقيقة تظهر بعض معالمها يوم عاشوراء عندما يخاطب المحدقين به ملقيا عليهم الحجة فيقول لَهُ قَيْسُ بْنُ الْأَشْعَثِ: مَا نَدْرِي مَا تَقُولُ يا ابن فاطمة.. وَ لَكِنِ انْزِلْ عَلَى حُكْمِ بَنِي عَمِّكَ فَإِنَّهُمْ لَنْ يُرُوكَ إِلَّا مَا تُحِبُّ

 فَقَالَ لَهُمُ الْحُسَيْنُ ع لَا وَ اللَّهِ لَا أُعْطِيكُمْ بِيَدِي إِعْطَاءَ الذَّلِيلِ وَ لَا أُقِرُّ لَكُمْ إِقْرَارَ الْعَبِيدِ.

 المحطة الثالثة: التسليم المطلق للارادة الالهية.

يتأول بعض المتكلمين أو المؤلفين أو المتعسفين في الحديث عما كان يريده الامام الحسين عليه السلام في حركته فيعتبرونه كان هادفا للوصول الى سلطة قال عنها أبوه يوما إنها أهون عليه من عفطة عنز، وتخلى أخوه عنها في مرحلة استدعتها ظروف الحفاظ على الرسالة فينقل لنا التاريخ أنه في اليوم الذي قرر فيه مغادرة المدينة متجها نحو الكوفة: فلَمَّا كَانَ السَّحَرُ ارْتَحَلَ الْحُسَيْنُ ع فَبَلَغَ ذَلِكَ ابْنَ الْحَنَفِيَّةِ فَأَتَاهُ فَأَخَذَ بِزِمَامِ نَاقَتِهِ وَ قَدْ رَكِبَهَا فَقَالَ يَا أَخِي أَ لَمْ تَعِدْنِي النَّظَرَ فِيمَا سَأَلْتُكَ ـ وكان أخوه لأبيه قد اقترح عليه بعض الاقتراحات كما اقترحها آخرون الذين حسبوا أن للحسين هدفا آنيا صرفا ـ  قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا حَدَاكَ عَلَى الْخُرُوجِ عَاجِلًا

قَالَ أَتَانِي رَسُولُ اللَّهِ ص بَعْدَ مَا فَارَقْتُكَ فَقَالَ يَا حُسَيْنُ اخْرُجْ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاكَ قَتِيلًا.

فهو يعلن التسليم للامر الالهي.

قال اسماعيل يوما لابيه افعل ما تؤمر ستجدي انشاء الله من الصابرين.

أما الحسين فقال أنا سائر الى ما يريده ربي مني بنفسي وأهلي وعيالي واطفالي، والصفوة الذين ادخرهم ربي ليكونوا معي وهو الذين وصفهم قائلا: فَإِنِّي لَا أَعْلَمُ أَصْحَاباً أَوْفَى وَ لَا خَيْراً مِنْ أَصْحَابِي, وعندما يقول له اخوه  مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ فَمَا مَعْنَى حَمْلِكَ هَؤُلَاءِ النِّسَاءَ مَعَكَ وَ أَنْتَ تَخْرُجُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَالِ؟

 قَالَ فَقَالَ لِي ص إِنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ أَنْ يَرَاهُنَّ سَبَايَا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَ مَضَى.

البعد الثاني: الحسين والمكان

( الحسين وكربلاء)

عندما يُذكر اسم كربلاء فإن الذهن ينصرف مباشرة  الى الحسين عليه السلام، وبالتالي فلا يمكن ان ينسلخ اسم كربلاء عن اسم الحسين عليه السلام.. وفي هذا الاطار لسنا بصدد الحديث عن كربلاء وتسميتها من الناحية التاريخية والاقوال المتعددة التي تتناول اشتقاق هذه الكلمة وأصلها، وهل أنها بابلية مركبة من كلمتي ( كور بابل) أم آشورية من ( كرب إبلا- حرم الله) أم فارسية مركبة من ( كار بالا - العمل الاعلى ) أما أنها عربية مشتقة من ( الكربلة - الارض الرخوة ، او نسبة الى نبتة الكربل) بل أننا سنتحدث عن كربلاء  من بعض الجوانب الاخرى:

الجانب الاول: كربلاء في حياة النبي (ص).

يظهر البعد المكاني المرتبط بكربلاء فيما يتعلق بالامام الحسين عليه السلام منذ اليوم الاول لولادته، إذ يخبر جبرائيل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما سيحل بالحسين في كربلاء، ومن يتتبع تلك النصوص الواردة في مختلف مصادر المسلمين يصل الى النتيجة القطعية بأن موضوع كربلاء ارتبط ارتباطا وثيقا بالدلالة على الحسين عليه السلام، وكانت الاشارة الى كربلاء تترافق مع جميع مراحل حياته بعد أن تكررت مرارا في حياة النبي صلى الله عليه وآله، وهنا نكتفي بنقل ما ذكره احمد بن حنبل في  فضائل الصحابة ج2 ص782 حيث ينقل عن أم سلمة زوج رسول الله  أنها قالت:

 كان جبريل عليه السلام عند النبي والحسين معي فبكى فتركته فدنا من النبي  فقال جبريل أتحبه يا محمد فقال نعم فقال أن أمتك ستقتله وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها فأراه إياه فإذا الأرض يقال لها كربلاء.

وينقل احمد بن حنبل في مسنده ج3 ص 242

عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ مَلَكَ الْمَطَرِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ أَنْ يأتي النبي  فَأَذِنَ له فقال لأُمِّ سَلَمَةَ املكي عَلَيْنَا الْبَابَ لاَ يَدْخُلْ عَلَيْنَا أَحَدٌ قال وَجَاءَ الْحُسَيْنُ لِيَدْخُلَ فَمَنَعَتْهُ فَوَثَبَ فَدَخَلَ فَجَعَلَ يَقْعُدُ على ظَهْرِ النبي  وَعَلَى مَنْكِبِهِ وَعَلَى عَاتِقِهِ قال فقال الْمَلَكُ للنبي  أَتُحِبُّهُ قال نعم قال أَمَا إِنَّ أُمَّتَكَ ستقتله وَإِن شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الذي يُقْتَلُ فيه فَضَرَبَ بيده فَجَاءَ بِطِينَةٍ حَمْرَاءَ فَأَخَذَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهَا في خِمَارِهَا قال قال ثَابِتٌ بَلَغَنَا انها كَرْبَلاَءُ .

وبالطبع تنقل لنا مصادر أخرى أن ام سلمة صرخت وبكت وولولت يوم عاشوراء عندما شاهدت تلك الطينة او ذاك التراب الذي احتفظت به وقد صار دما عبيطا واجتمع عليها المسلمون في المدينة فقالت لقد قتل اليوم الحسين في كربلاء..

 

الجانب الثاني: حديث علي ( ع) عن كربلاء.

لم يكن ذكر كربلاء مرتبطا برسول الله فحسب بل كان ذكرها والاشارة اليها قد حصل من علي عليه السلام، ففي كتاب وقعة صفين ج1 ص 142 لابن مزاحم المتوفي  سنة 212 والذي يعتبر من اقدم المصادر التاريخية ينقل: عن الحسن بن كثير عن أبيه: أن عليا أتى كربلاء فوقف بها، فقيل يا أمير المؤمنين، هذه كربلاء.قال: ذات كرب وبلاء.ثم أومأ بيده إلى مكان فقال: هاهنا موضع رحالهم، ومناخ ركابهم وأومأ بيده إلى موضع آخر فقال: هاهنا مهراق دمائهم.

 

الجانب الثالث: اختيار الحسين لكربلاء.

كربلاء كانت حاضرة دائما في ذاكرة الحسين عليه السلام وفكره وكلامه، يستحضرها قبل سنوات من يومها المعهود، كما استحضرها اخوه الحسن عليه السلام، ويوعز الى اخيه العباس في ذاك اليوم الذي رميت فيه جنازة الحسن بالسهام عندما منع أصحاب النفوذ دفن جنازة الحسن عند جده وأبيح لآخرين، وامتشق العباس سيفه فيذكره الحسين بأن لك يوما آخر يا عباس..

وعندما قرر المسير الى كربلاء نراه يقول: وَ خُيِّرَ لِي مَصْرَعٌ أَنَا لَاقِيهِ كَأَنِّي بِأَوْصَالِي يَتَقَطَّعُهَا عُسْلَانُ الْفَلَوَاتِ بَيْنَ النَّوَاوِيسِ وَ كَرْبَلَاءَ.

لقد كان ينتظر الوصول الى كربلاء فعندما فلقيه الجيش على خيولهم بوادي السباع وليس معهم ماء ، فقالوا يا بن بنت رسول الله اسقنا .

قال فأخرج لكل فارس صحفة من ماء فسقاهم بقدر ما يمسك برمقهم

ثم قالوا سر يا بن بنت رسول الله  فما زالوا يرجونه وأخذوا به على الجرف حتى نزلوا بكربلاء فقال الحسين أي أرض هذه قالوا كربلاء قال هذا كرب وبلاء قال فنزلوا وبينهم وبين الماء ربوة فأراد الحسين وأصحابه الماء فحالوا بينهم وبينه .

وتنقل لنا بعض المصادر تفصيلا أكثرفتقول:   

لما منعهم الحر من متابعة المسير قال زهير بن القين ..

فهاهنا قرية بالقرب منا على شط الفرات ، وهي في عاقول حصينة ، الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد . قال الحسين : وما اسم تلك القرية ؟ قال : العقر .

قال الحسين : نعوذ بالله من العقر .

فقال الحسين للحر : سر بنا قليلا ، ثم ننزل . فسار معه حتى أتوا كربلاء ، فوقف الحر وأصحابه أمام الحسين ومنعوهم من المسير ، وقال :انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب .

قال الحسين : وما اسم هذا المكان ؟ قالوا له : كربلاء . قال : ذات كرب وبلاء ، ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيره إلى صفين ، وأنا معه ، فوقف ، فسأل عنه ، فأخبر باسمه ، فقال : ( هاهنا محط ركابهم ، وهاهنا مهراق دمائهم ) ، فسئل عن ذلك ، فقال : ( ثقل لآل بيت محمد ، ينزلون هاهنا ) .

  اذن الحسين يفتش في رحلته عن أرض كربلاء.

الجانب الرابع: بين كربلاء والكعبة.

عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصادق ع إِنَّ أَرْضَ الْكَعْبَةِ قَالَتْ مَنْ مِثْلِي وَ قَدْ بُنِيَ بَيْتُ اللَّهِ عَلَى ظَهْرِي يَأْتِينِي النَّاسُ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ وَ جُعِلْتُ حَرَمَ اللَّهِ وَ أَمْنَهُ.

فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهَا كُفِّي وَ قِرِّي مَا فَضْلُ مَا فُضِّلْتِ بِهِ فِيمَا أُعْطِيَتْ أَرْضُ كَرْبَلَاءَ إِلَّا بِمَنْزِلَةِ الْإِبْرَةِ غُمِسَتْ فِي الْبَحْرِ فَحَمَلَتْ مِنْ مَاءِ الْبَحْرِ.

وَ لَوْ لَا تُرْبَةُ كَرْبَلَاءَ مَا فَضَّلْتُكِ وَ لَوْ لَا مَنْ ضَمَّتْهُ كَرْبَلَاءُ لَمَا خَلَقْتُكِ وَ لَا خَلَقْتُ الَّذِي افْتَخَرْتِ بِهِ فَقِرِّي وَ اسْتَقِرِّي.

الجانب الخامس: الشفاء في تربة كربلاء.

ورد في الزيارة المأثورة القول التالي: السَّلَامُ عَلَى مَنْ جَعَلَ اللَّهُ الشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ السَّلَامُ عَلَى مَنِ الْإِجَابَةُ تَحْتَ قُبَّتِهِ السَّلَامُ عَلَى مَنِ الْأَئِمَّةُ مِنْ ذُرِّيَّتِه.

وفي وسائل ‏الشيعة   ج 14    ص 522  ورد عَنِ الصَّادِقِ ع قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ تُرْبَةَ الْحُسَيْنِ شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ أَمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ فَإِذَا أَخَذَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيُقَبِّلْهَا وَ لْيَضَعْهَا عَلَى عَيْنِهِ وَ لْيُمِرَّهَا عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ وَ لْيَقُلْ اللَّهُمَّ بِحَقِّ هَذِهِ التُّرْبَةِ وَ بِحَقِّ مَنْ حَلَّ بِهَا وَ ثَوَى فِيهَا وَ بِحَقِّ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ وَ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ بِهِ إِلَّا جَعَلْتَهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ بَرْءاً مِنْ كُلِّ مَرَضٍ وَ نَجَاةً مِنْ كُلِّ آفَةٍ وَ حِرْزاً مِمَّا أَخَافُ وَ أَحْذَرُ ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهَا.

          وعَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ فِي طِينِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع الشِّفَاءُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ هُوَ الدَّوَاءُ الْأَكْبَرُ.

          وقد قال أبو عَبْدِ اللَّهِ  الصادق ع : حَنِّكُوا أَوْلَادَكُمْ بِتُرْبَةِ الْحُسَيْنِ ع فَإِنَّهَا أَمَانٌ.

وقال احدهم  لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ الْعِلَلِ وَ الْأَمْرَاضِ وَ مَا تَرَكْتُ دَوَاءً إِلَّا تَدَاوَيْتُ بِهِ فَقَالَ وَ أَيْنَ أَنْتَ عَنْ طِينِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ع فَإِنَّ فِيهِ الشِّفَاءَ مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ الْأَمْنَ مِنْ كُلِّ خَوْفٍ فَقُلْ إِذَا أَخَذْتَهُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ هَذِهِ الطِّينَةِ وَ بِحَقِّ الْمَلَكِ الَّذِي أَخَذَهَا وَ بِحَقِّ النَّبِيِّ الَّذِي قَبَضَهَا وَ بِحَقِّ الْوَصِيِّ الَّذِي حَلَّ فِيهَا صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ اجْعَلْ فِيهَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ وَ أَمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْف‏.

 الجانب السادس: استجابة الدعاء عند قبر الحسين في كربلاء.

ورد في وسائل ‏الشيعة  ج  14  ص   423    عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع وَ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ ع يَقُولَانِ إِنَّ اللَّهَ عَوَّضَ الْحُسَيْنَ ع مِنْ قَتْلِهِ أَنَّ الْإِمَامَةَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَ الشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَ إِجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ قَبْرِهِ وَ لَا تُعَدُّ أَيَّامُ زَائِرِيهِ جَائِياً وَ رَاجِعاً مِنْ عُمُرِهِ .

هنيئا للزوار الذين يمشون الايام الطوال..

وفي حديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ ص أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ ع إِلَى أَنْ قَالَ مَنْ زَارَهُ عَارِفاً بِحَقِّهِ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ثَوَابَ أَلْفِ حَجَّةٍ وَ أَلْفِ عُمْرَةٍ أَلَا وَ مَنْ زَارَهُ فَقَدْ زَارَنِي وَ مَنْ زَارَنِي فَكَأَنَّمَا زَارَ اللَّهَ وَ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُ بِالنَّارِ أَلَا وَ إِنَّ الْإِجَابَةَ تَحْتَ قُبَّتِهِ وَ الشِّفَاءَ فِي تُرْبَتِهِ وَ الْأَئِمَّةَ مِنْ وُلْدِهِ  الخ ..الْحَدِيثَ

  الجانب السابع: مواجهة الاعداء مع كربلاء.

النموذج الاول: المتوكل العباسي.

يذكر بن جرير الطبري المتوفي سنة 310 في ج5 ص 312 في احداث سنة 236 للهجرة وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه

فذكر ان عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه

وذكر ابو الفرج الاصفهاني في مقاتل الطالبيين:

كان المتوكل شديد الوطأة على آل أبي طالب، غليظاً على جماعتهم مهتماً بأمورهم شديد الغيظ والحقد عليهم، وسوء الظن والتهمة لهم، ...، وكان من ذلك أن كرب قبر الحسين وعفى آثاره؛ ووضع على سائر الطرق مسالح له لا يجدون أحداً زاره إلا أتوه به فقتله أو أنهكه عقوبة.

وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج، وكان يهودياً فأسلم، إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كل ما حوله، فمضى لذلك وخرب ما حوله، وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل، لا يزوره إلا أخذوه ووجهوا به إليه.

فحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجرى الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشيء من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها كشيء من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع.

فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه.

ويقول ابن الجوزي في المنتظم  في تاريخ الملوك والامم ج11 ص 237

 و ينقل ابن الاثير في الكامل في التاريخ ج 6 ص 108 عن احداث سنة 236 للهجرة

في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه فنادى بالناس في تلك الناحية من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق فهرب الناس وتركوا زيارته وخرب وزرع وكان المتوكل شديد البغض لعلي بن أبي طالب عيله السلام ولأهل بيته وكان يقصد من يبلغه عنه أنه يتولى عليا وأهله بأخذ المال والدم وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث وكان يشد على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون قد أقبل الأصلع البدين خليفة المسلمين يحكي بذلك عليا عليه السلام والمتوكل يشرب ويضحك ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفا منه فقال المتوكل ما حالك فقام وأخبره فقال المنتصر يا أمير المؤمنين إن الذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك فكل أنت لحمه إذا شئت ولا تطعم هذا الكلب وأمثال منه فقال المتوكل للمغنين غنوا جميعا

 غار الفتى لابن عمه

رأس الفتى في حر أمه

فكان هذا من الأسباب التي استحل بها المنتصر قتل المتوكل

أما ابن خلكان في وفيات الاعيان في الجزء 3 ص 365 فيقول:

ولما هدم المتوكل على الله قبر الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في سنة ست وثلاثين ومائتين عمل البسامي (علي بن أحمد بن منصور البسامي من أعيان الشعراء ) علي بن محمد بن نصر بن بسام العبرتائي- او بن نصر بن منصور بن بسام.

 وقال

تا اللَهِ إِن كانَت أُمَيَّةُ قَد أَتَت

                      قَتلَ اِبنِ بِنتِ نَبِيِّها مَظلوما

فَلَقَد أَتاهُ بَنو أَبيهِ بِمِثلِهِ

                  هذا لَعَمرُكَ قَبرُهُ مَهدوما

أَسِفوا عَلى أَن لا يَكونوا شارَكوا

                     في قَتلِهِ فَتَتَبَعوهُ رَميما

 

النموذج الثاني: غزوات كربلاء. وهابية 1801م

في التفسير الامثل  الجزء الاول ص 213 ينقل: في سنة 1216 ه‍ ( عشر سنوات بعد وفاة مؤسس الحركة الوهابية ) هاجمت جماعة من الوهابيين مدينة كربلاء قادمة من صحراء الجزيرة العربية ، واستغلوا فرصة سفر أهالي المدينة إلى النجف الأشرف بمناسبة عيد الغدير ، فدخلوا المدينة وقاموا بتخريب وهدم مرقد سيد الشهداء الحسين بن علي ( عليه السلام ) وسائر المراقد الشريفة في هذه المدينة ، ونهبوا ما فيها من أبواب ذهبية ونفائس ، وقتلوا ما يقرب من خمسين شخصا عند ضريح الحسين ، وخمسمائة شخص في صحن الروضة المشرفة ، كما قتلوا أعدادا كبيرة في سائر أنحاء المدينة ، حتى بلغ عدد المقتولين في ذلك الهجوم الوهابي خمسة آلاف إنسان ، ولم يسلم منهم حتى الشيوخ والعجائز والأطفال ، كما نهبوا كثيرا من البيوت .

  وفي كتاب مرقد الإمام الحسين (ع) - السيد تحسين آل شبيب - ص 164 - 168

ففي سنة 1216 ه‍ تعرضت كربلاء والحرم الحسيني لهجمة بربرية قامت بها الجماعة الوهابية بقيادة سعود بن عبد العزيز ، الذي استغل ذهاب معظم أهالي كربلاء إلى النجف الأشرف لزيارة ضريح أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) في يوم الغدير . وكان سعود بن عبد العزيز على رأس قوة كبيرة جمعها من نجد والعشائر والجنوب وتهامة وغيرها ، وكانت تقدر باثني عشر ألف ، وقصدوا بها العراق ، وتمكن جماعة من هذه القوة من الوصول إلى بلدة كربلاء في شهر ذي القعدة من هذه السنة ، وحاصروها ، وتسوروا جدرانها ودخلوا عنوة ، وقتلوا أكثر أهلها في ‹ صفحة 165 › الأسواق والبيوت ، فذبحوا ما يزيد على ثلاثة آلاف من السكان ، ونهبوا البيوت والأسواق ونفائس الضريح المقدس ، وقد أخذوا على الأخص صفائح الذهب بعد أن اقتلعوها من مكانها ، ثم هدموا الضريح المطهر.

وقد ذكرت هذه الحادثة في كثير من المراجع الغربية والشرقية ، على أن أهم من أشار إليها وتطرق بالتفصيل لها دائرة المعارف الإسلامية ، والمستر لونكريك في كتابه المعروف عن تاريخ العراق الحديث ( أربعة قرون من تاريخ العراق ) .

وقد أسهب لونكريك في ذكر هذه النكبة ووصفها ، نذكرها نقلا عن موسوعة العتبات المقدسة فهو يقول : " على أن الفاجعة الكبرى كانت على قاب قوسين أو أدنى ، تلك الفاجعة التي دلت على منتهى القسوة والهمجية والطمع الاشعبي ، واستعملت باسم الدين . فقد حدث في أوائل سنة 1801  أن تفشى الطاعون في بغداد ، فاضطر الباشا ( سلمان باشا الكبير ) وحاشيته للالتجاء إلى الخالص حيث ابتعد عن منطقة المرض .

وما استتب حاله هناك حتى فوجئ بنبأ من المنتفك علم أن القوات الوهابية تحركت للغزو الربيعي المعتاد ، فأرسل الكهية إلى الهندية ، إلا أنه ما كاد يغادر بغداد حتى وافت أخبار هجوم الوهابيين على كربلاء ونهبهم إياها ، وهي أقدس المدن الشيعية وأغناها ، إذ انتشر خبر اقتراب الوهابيين في عشية اليوم الثاني من نيسان عندما كان معظم سكان البلدة في النجف يقومون بأداء الزيارة ، فسارع من كان في المدينة لإغلاق الأبواب ، غير أن الوهابيين وقد قدروا بستمائة هجان وأربع مائة فارس نزلوا وقسموا قوتهم إلى ثلاثة أقسام ، ومن ظل أحد الخانات هاجموا أقرب  باب من أبواب البلدة فتمكنوا من فتحه عنوة ودخلوا ، فدهش السكان وأصبحوا يفرون على غير هدى أي كيف شاء خوفهم . أما الوهابيون الخشن فقد شقوا طريقهم إلى الأضرحة المقدسة وأخذوا يخربونها ، فاقتلعت القضب المعدنية والسياج ثم المرايا الجسيمة ، ونهبت النفائس والحاجات الثمينة من هدايا الباشوات وملوك الفرس والأمراء ، وكذلك سلبت زخارف الجدران وقلع ذهب السقوف ، وأخذت الشمعدانات والسجاد الفاخر والمعلقات الثمينة والأبواب المرصعة ، وجميع ما وجد من هذا الضرب فسحبت إلى الخارج ، وقتل زيادة على هذه الأفاعيل قراب خمسين شخصا من القرب من الضريح في الصحن .

أما البلدة نفسها فقد عاث الغزاة المتوحشون فيها فسادا وتخريبا ، وقتلوا من دون رحمة جميع من صادفوه كما سرقوا كل دار ، ولم يرحموا الشيخ ولا الطفل ، ولم يحترموا النساء ولا الرجال ، فلم يسلم الكل من وحشيتهم ولا من أسرهم . ولقد قدر بعضهم عدد القتلى بألف نسمة ، وقدر الآخرون خمسة أضعاف ذلك . ولم يجد وصول الكهية إلى كربلاء نفعا ، فقد جمع جيشه فيها وفي الحلة والكفل ونقل خزائن النجف الأشرف إلى بغداد ، ثم حصن كربلاء نفسها بسور خاص ، وعلى هذا لم يقم بأي انتقام للفعلة الشنيعة الأخيرة التي قام بها العدو الذي لا يدرك ، وقد كان ذلك الحادث الأليم للباشا الشيخ في عمره هذا صدمة مميتة ، وانتشر الرعب والفزع في جميع أنحاء تركيا وإيران . وبذلك رجع وحوش نجد الكواسر إلى مواطنهم ثقالا على إبلهم التي حملت بنفائس لا تثمن

وأرتحل القوم بعدها إلى الماء المعروف باسم ( الأبيض ) فجمع سعود الغنائم  وعزل خمسها وقسم الباقي بين جنوده للراجل سهم ، وللفارس سهمان ، ثم عاد إلى وطنه.

أما ما ذكرته بعض المراجع العربية تؤيد هذا الوصف وتزيد عليه ، ما جاء في تاريخ كربلاء المعلى وذكره الأستاذ جعفر الخياط في بحثه في موسوعات العتبات المقدسة إذ تقول الرواية : " حتى إذا جاءت سنة  1216 للهجرة جهز الأمير سعود الوهابي جيشا عرمرما يتألف من عشرين ألف مقاتل ، وهجم بهم على مدينة كربلاء ، فدخل المدينة بعد أن ضيق عليها وقاتل حاميتها وسكانها قتالا شديدا ، وكان سور المدينة مركبا من أفلاك نخيل مرصوصة خلف حائط من طين ، وقد ارتكب فيها من الفضائح ما لا يوصف ، حتى قيل إنه قتل في ليلة واحدة عشرين ألف نسمة . وبعد أن تم الأمير سعود مهمته ، التف نحو خزائن القبر ، وكانت مشحونة بالأموال الوفيرة وكل شئ نفيس ، فأخذ كل ما وجد فيها ، وقيل أنه فتح كنزا كان في جمة جمعت من الزوار ، وكان من جملة ما أخذه لؤلؤة كبيرة وعشرون سيفا محلاة جميعا بالذهب ومرصعة بالحجارة الكريمة ، وأوان ذهبية وفضية وفيروز والماس .

وقيل من جملة ما نهبه سعود أثاث الروضة وفرشها ، منها أربعة آلاف شال كشمير وألفا سيف فضة وكثير من البنادق والأسلحة ، وقد صارت كربلاء بعد هذه الواقعة في حال يرثى لها ، وقد عاد إليها بعد هذه الحادثة من نجا بنفسه فأصلح بعض خرابها وعاد إليها العمران رويدا رويدا . وقد زارها في أوائل القرن التاسع أحد ملوك الهند فأشفق على حالتها ، وبنى فيها أسواقا حسنة ، وبيوتا قوراء أسكنها بعض من نكبوا ، وبنى للبلدة سورا حصينا لصد هجمات الأعداء ، وأقام حولها الأبراج والمعاقل ، ونصب عليها آلات الدفاع من الطراز القديم "  .

النموذج الثالث: أما الحديث عن نموذج العهد البائد فهو حديث ذو شجون والمتحدث فيه بينكم كناقل التمر الى هجر.

البعد الثالث : الحسين والزمان ( ونعني عاشوراء)

وهنا لا بد لنا من أن نتحدث عن بعض تلك الجوانب المرتبطة بيوم عاشوراء..

الجانب الاول: عاشوراء في ثقافة الموالين.

         عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ كَيْفَ صَارَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مُصِيبَةٍ وَ غَمٍّ وَ جَزَعٍ وَ بُكَاءٍ دُونَ الْيَوْمِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ ص وَ الْيَوْمِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ فَاطِمَةُ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ع وَ الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحَسَنُ ع بِالسَّمِّ فَقَالَ إِنَّ يَوْمَ قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع أَعْظَمُ مُصِيبَةً مِنْ جَمِيعِ سَائِرِ الْأَيَّامِ وَ ذَلِكَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكِسَاءِ الَّذِينَ كَانُوا أَكْرَمَ الْخَلْقِ عَلَى اللَّهِ كَانُوا خَمْسَةً فَلَمَّا مَضَى عَنْهُمُ النَّبِيُّ بَقِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع فَكَانَ فِيهِمْ لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَتْ فَاطِمَةُ ع كَانَ فِي أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع لِلنَّاسِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى مِنْهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ع عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا مَضَى الْحَسَنُ ع كَانَ لِلنَّاسِ فِي الْحُسَيْنِ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَلَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بَقِيَ مِنْ أَصْحَابِ الْكِسَاءِ أَحَدٌ لِلنَّاسِ فِيهِ بَعْدَهُ عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ فَكَانَ ذَهَابُهُ كَذَهَابِ جَمِيعِهِمْ كَمَا كَانَ بَقَاؤُهُ كَبَقَاءِ جَمِيعِهِمْ فَلِذَلِكَ صَارَ يَوْمُهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ مُصِيبَةً .

         قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَلِمَ لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ فِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ع عَزَاءٌ وَ سَلْوَةٌ مِثْلُ مَا كَانَ لَهُمْ فِي آبَائِهِ ع.

فَقَالَ بَلَى إِنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ كَانَ سَيِّدَ الْعَابِدِينَ وَ إِمَاماً وَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ بَعْدَ آبَائِهِ الْمَاضِينَ وَ لَكِنَّهُ لَمْ يَلْقَ رَسُولَ اللَّهِ ص وَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ وَ كَانَ عِلْمُهُ وِرَاثَةً عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ص وَ كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ فَاطِمَةُ وَ الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ ع قَدْ شَاهَدَهُمُ النَّاسُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ص فِي أَحْوَالٍ تَتَوَالَى فَكَانُوا مَتَى نَظَرُوا إِلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ تَذَكَّرُوا حَالَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ص وَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ ص لَهُ وَ فِيهِ فَلَمَّا مَضَوْا فَقَدَ النَّاسُ مُشَاهَدَةَ الْأَكْرَمِينَ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ وَ لَمْ يَكُنْ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ فَقْدُ جَمِيعِهِمْ إِلَّا فِي فَقْدِ الْحُسَيْنِ ع لِأَنَّهُ مَضَى فِي آخِرِهِمْ فَلِذَلِكَ صَارَ يَوْمُهُ أَعْظَمَ الْأَيَّامِ مُصِيبَةً .

  الجانب الثاني: عاشوراء في ثقافة المعادين.

         يلاحظ كل متتبع لما يرتبط بهذا الموضوع وجود حملة شعواء منذ القدم لتغيير مسار يوم عاشوراء عن مساره الذي اشاره اليه رسول الله عندما بكى احداثه قبل وقوعها وكانت ام سلمة أول نائحة يوم عاشوراء عندما شاهدت التراب وقد صار دما عبيطا ، بحيث نجد مثل هؤلاء يسعون جاهدين نحو هذا الهدف، ومع ذلك فقد وردت اشارات اخرى وهنا سنستعرض بعض تلك الاقوال:

          ورد في تفسير بن مقاتل: فتاب آدم ، عليه السلام ، يوم عاشوراء يوم الجمعة ، فتاب الله عليه . ويقول: وكان موسى ومن معه قد قطعا البحر في عشر من المحرم يوم عاشوراء.

         وفي عوالي الليث بن سعد: ج1 ص 75

عن عبد الله بن عمر انه ذكر عند رسول الله e يوم عاشوراء فقال رسول الله e كان يوم تصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كرهه فليدعه.

وينقل مالك في موطأه في ج1 ص299 عن عَائِشَةَ زَوْجِ النبي e أنها قالت كان يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ في الْجَاهِلِيَّةِ وكان رسول الله e يَصُومُهُ في الْجَاهِلِيَّةِ فلما قَدِمَ رسول الله e الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فلما فُرِضَ رَمَضَانُ كان هو الْفَرِيضَةَ وَتُرِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ .

         أما في كتاب الاثار لابي يوسف فإنه ينقل عن أبي حنيفة عن سعيد بن جبير انه قال صوم يوم عاشوراء يعدل صوم سنة.

         وينقل الطيالسي في ج1 ص 342 عن بن عباس ان رسول الله e قدم المدينة فوجد اليهود صياما يوم عاشوراء فقال ما هذا فقال هذا يوم اغرق الله عز وجل فيه فرعون وانجى فيه موسى عليه السلام فقال رسول الله e فأنا أولى بموسى فأمر رسول الله e بصوم يومه .

         وهنا تتضح حقيقة ذلك في حديث عن الامام الصادق عليه السلام.

قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْهَاشِمِيُّ فَقُلْتُ لَهُ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَكَيْفَ سَمَّتِ الْعَامَّةُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ بَرَكَةٍ فَبَكَى ع ثُمَّ قَالَ:

لَمَّا قُتِلَ الْحُسَيْنُ ع تَقَرَّبَ النَّاسُ بِالشَّامِ إِلَى يَزِيدَ فَوَضَعُوا لَهُ الْأَخْبَارَ وَ أَخَذُوا عَلَيْهَا الْجَوَائِزَ مِنَ الْأَمْوَالِ فَكَانَ مِمَّا وَضَعُوا لَهُ أَمْرُ هَذَا الْيَوْمِ وَ أَنَّهُ يَوْمُ بَرَكَةٍ لِيَعْدِلَ النَّاسَ فِيهِ مِنَ الْجَزَعِ وَ الْبُكَاءِ وَ الْمُصِيبَةِ وَ الْحُزْنِ إِلَى الْفَرَحِ وَ السُّرُورِ وَ التَّبَرُّكِ وَ الِاسْتِعْدَادِ فِيهِ حَكَمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَهُمْ .

وأما في حديث ميثم التمار الذي ينقله الشيخ الصدوق في الامالي: عَنْ جَبَلَةَ الْمَكِّيَّة قَالَ سَمِعْتُ مِيثَمَ التَّمَّارَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ وَ اللَّهِ لَتَقْتُلُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ابْنَ نَبِيِّهَا فِي الْمُحَرَّمِ لِعَشْرٍ يَمْضِينَ مِنْهُ،  وَ لَيَتَّخِذَنَّ أَعْدَاءُ اللَّهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ يَوْمَ بَرَكَةٍ وَ إِنَّ ذَلِكَ لَكَائِنٌ قَدْ سَبَقَ فِي عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَعْلَمُ ذَلِكَ لِعَهْدٍ عَهِدَهُ إِلَيَّ مَوْلَايَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ لَقَدْ أَخْبَرَنِي أَنَّهُ يَبْكِي عَلَيْهِ كُلُّ شَيْ‏ءٍ...

         ثُمَّ قَالَ وَجَبَتْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى قَتَلَةِ الْحُسَيْنِ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ وَ كَمَا وَجَبَتْ عَلَى الْيَهُودِ وَ النَّصَارَى وَ الْمَجُوسِ قَالَ جَبَلَةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا مِيثَمُ فَكَيْفَ يَتَّخِذُ النَّاسُ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ يَوْمَ بَرَكَةٍ.

فَبَكَى مِيثَمٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثُمَّ قَالَ:  يَزْعُمُونَ لِحَدِيثٍ يَضَعُونَهُ  أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي تَابَ اللَّهُ فِيهِ عَلَى آدَمَ وَ إِنَّمَا تَابَ اللَّهُ عَلَى آدَمَ فِي ذِي الْحِجَّةِ .

 وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي قَبِلَ اللَّهُ فِيهِ تَوْبَةَ دَاوُدَ وَ إِنَّمَا قَبِلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ تَوْبَتَهُ فِي ذِي الْحِجَّةِ.

  وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي أَخْرَجَ اللَّهُ فِيهِ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ وَ إِنَّمَا أَخْرَجَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ يُونُسَ مِنْ بَطْنِ الْحُوتِ فِي ذِي الْحِجَّةِ. 

 وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي اسْتَوَتْ فِيهِ سَفِينَةُ نُوحٍ عَلَى الْجُودِيِّ وَ إِنَّمَا اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ فِي يَوْمِ الثَّامِنَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ. 

 وَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي فَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ فِيهِ الْبَحْرَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَ إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأَوَّلِ

  الجانب الثالث: انتظار الحسين يوم عاشوراء.

         تنقل لنا المصادر التي تحكي واقعة عاشوراء

نَهَضَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ إِلَى الْحُسَيْنِ ع عَشِيَّةَ الْخَمِيسِ لِتِسْعٍ مَضَيْنَ مِنَ الْمُحَرَّمِ وَ جَاءَ شِمْرٌ حَتَّى وَقَفَ عَلَى أَصْحَابِ الْحُسَيْنِ وَ قَالَ أَيْنَ بَنُو أُخْتِنَا فَخَرَجَ إِلَيْهِ جَعْفَرٌ وَ الْعَبَّاسُ وَ عَبْدُ اللَّهِ وَ عُثْمَانُ بَنُو عَلِيٍّ ع فَقَالُوا مَا تُرِيدُ فَقَالَ أَنْتُمْ يَا بَنِي أُخْتِي آمِنُونَ فَقَالَ لَهُ الْفِئَةُ لَعَنَكَ اللَّهُ وَ لَعَنَ أَمَانَكَ أَ تُؤْمِنُنَا وَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ لَا أَمَانَ لَهُ. ثُمَّ نَادَى عُمَرُ يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي وَ بِالْجَنَّةِ أَبْشِرِي فَرَكِبَ النَّاسُ ثُمَّ زَحَفَ نَحْوَهُمْ بَعْدَ الْعَصْرِ وَ الْحُسَيْنُ ع جَالِسٌ أَمَامَ بَيْتِهِ مُحْتَبِئٌ بِسَيْفِه‏. 

يَا أُخْتَاهْ إِنِّي رَأَيْتُ السَّاعَةَ جَدِّي مُحَمَّداً وَ أَبِي عَلِيّاً وَ أُمِّي فَاطِمَةَ وَ أَخِي الْحَسَنَ وَ هُمْ يَقُولُونَ يَا حُسَيْنُ إِنَّكَ رَائِحٌ إِلَيْنَا عَنْ قَرِيبٍ وَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ غَدا.

            ويتضح ذلك من النص التالي:  فَجَاءَ الْعَبَّاسُ إِلَى الْحُسَيْنِ ع وَ أَخْبَرَهُ بِمَا قَالَ الْقَوْمُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تُؤَخِّرَهُمْ إِلَى غَدٍ وَ تَدْفَعَهُمْ عَنَّا الْعَشِيَّةَ لَعَلَّنَا نُصَلِّي لِرَبِّنَا اللَّيْلَةَ وَ نَدْعُوهُ وَ نَسْتَغْفِرُهُ فَهُوَ يَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ قَدْ أُحِبُّ الصَّلَاةَ لَهُ وَ تِلَاوَةَ كِتَابِهِ وَ كَثْرَةَ الدُّعَاءِ وَ الِاسْتِغْفَارِ. فَمَضَى الْعَبَّاسُ إِلَى الْقَوْمِ وَ رَجَعَ مِنْ عِنْدِهِمْ وَ مَعَهُ رَسُولٌ مِنْ قِبَلِ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ يَقُولُ إِنَّا قَدْ أَجَّلْنَاكُمْ إِلَى غَدٍ فَإِنِ اسْتَسْلَمْتُمْ سَرَحْنَا بِكُمْ إِلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ وَ إِنْ أَبَيْتُمْ فَلَسْنَا بِتَارِكِيكُمْ فَانْصَرَفَ وَ جَمَعَ الْحُسَيْنُ ع أَصْحَابَهُ عِنْدَ قُرْبِ الْمَسَاءِ.

            ويتضح من هذا السياق انه عليه السلام كان يدرك تماما عصر التاسع ان الوقت لم يحن بعد فلا تزال هناك ليلة لا بد ان تنقضي قبل اليوم الموعود.

الجانب الرابع: عاشوراء في ضمير الامة.

ورد عن الامام الرِّضَا ع إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا وَ هُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا وَ أُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا وَ انْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا وَ لَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أَمْرِنَا

 إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا وَ أَسْبَلَ دُمُوعَنَا وَ أَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَ بَلَاءٍ أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَ الْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ

 ثُمَّ قَالَ ع كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ. 

وفي حديث عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ وَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَا لَا تَصُمْ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ وَ لَا عَرَفَةَ بِمَكَّةَ وَ لَا فِي الْمَدِينَةِ وَ لَا فِي وَطَنِكَ وَ لَا فِي مِصْرٍ مِنَ الْأَمْصَارِ.  

وفي حديث عن نَجَبَةُ بْنُ الْحَارِثِ الْعَطَّارُ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ صَوْمٌ مَتْرُوكٌ بِنُزُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَ الْمَتْرُوكُ بِدْعَةٌ قَالَ نَجَبَةُ فَسَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع مِنْ بَعْدِ أَبِيهِ ع عَنْ ذَلِكَ فَأَجَابَنِي بِمِثْلِ جَوَابِ أَبِيهِ ثُمَّ قَالَ أَمَا إِنَّهُ صَوْمُ يَوْمٍ مَا نَزَلَ بِهِ كِتَابٌ وَ لَا جَرَتْ بِهِ سُنَّةٌ إِلَّا سُنَّةُ آلِ زِيَادٍ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا

         وفي حديث سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ زُرَارَةَ يَسْأَلُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَنْ صَامَهُ كَانَ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِ ذَلِكَ الْيَوْمِ حَظَّ ابْنِ مَرْجَانَةَ وَ آلِ زِيَادٍ قَالَ قُلْتُ وَ مَا كَانَ حَظُّهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ قَالَ النَّارُ أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنَ النَّارِ وَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ مِنَ النَّارِ

         وفي حديث آخر عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ع عَنْ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ وَ عَاشُورَاءَ مِنْ شَهْرِ الْمُحَرَّمِ فَقَالَ تَاسُوعَاءُ يَوْمٌ حُوصِرَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ع وَ أَصْحَابُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِكَرْبَلَاءَ وَ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ خَيْلُ أَهْلِ الشَّامِ وَ أَنَاخُوا عَلَيْهِ وَ فَرِحَ ابْنُ مَرْجَانَةَ وَ عُمَرُ بْنُ سَعْدٍ بِتَوَافُرِ الْخَيْلِ وَ كَثْرَتِهَا وَ اسْتَضْعَفُوا فِيهِ الْحُسَيْنَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ أَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَ أَيْقَنُوا أَنْ لَا يَأْتِيَ الْحُسَيْنَ ع نَاصِرٌ وَ لَا يُمِدَّهُ أَهْلُ الْعِرَاقِ بِأَبِي الْمُسْتَضْعَفُ الْغَرِيبُ ثُمَّ قَالَ وَ أَمَّا يَوْمُ عَاشُورَاءَ فَيَوْمٌ أُصِيبَ فِيهِ الْحُسَيْنُ ع صَرِيعاً بَيْنَ أَصْحَابِهِ وَ أَصْحَابُهُ صَرْعَى حَوْلَهُ عُرَاةً أَ فَصَوْمٌ يَكُونُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ كَلَّا وَ رَبِّ الْبَيْتِ الْحَرَامِ مَا هُوَ يَوْمَ صَوْمٍ وَ مَا هُوَ إِلَّا يَوْمُ حُزْنٍ وَ مُصِيبَةٍ دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ السَّمَاءِ وَ أَهْلِ الْأَرْضِ وَ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ وَ يَوْمُ فَرَحٍ وَ سُرُورٍ لِابْنِ مَرْجَانَةَ وَ آلِ زِيَادٍ وَ أَهْلِ الشَّامِ غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَ عَلَى ذُرِّيَّاتِهِمْ وَ ذَلِكَ يَوْمٌ بَكَتْ عَلَيْهِ جَمِيعُ بِقَاعِ الْأَرْضِ خَلَا بُقْعَةِ الشَّامِ فَمَنْ صَامَهُ أَوْ تَبَرَّكَ بِهِ حَشَرَهُ اللَّهُ مَعَ آلِ زِيَادٍ مَمْسُوخُ الْقَلْبِ مَسْخُوطٌ عَلَيْه‏.

  

المحور الثالث : ماذا لو لم يكن هناك حسين؟

من خلال قراءتنا لشخصية الحسين عليه السلام بأبعادها الثلاثة نصل الى نتيجة مفادها عدم إمكانية التفكيك بين تلك الابعاد ، وبالتالي فإننا سنتناول الموضوع من خلال طرح التساؤلات التالية:

الاول: ما هو المسار الافتراضي لمسيرة الحياة فيما لو لم يكن الحسين بما تمثله شخصيته من ابعاد موجودا؟

 وللوصول الى الجواب لا بد من أن نلاحظ في ذلك ما يلي:

أولا: لو لم يكن الحسين موجودا فمعنى ذلك انتفاء وجود الابعاد الثلاثة المرتبطة بشخصية الحسين..

والتي تحدثنا عنها بشيء من التفصيل.

ثانيا: إن كل ما نشأ وارتبط بالحسين لا بد وأن نحذفه من ذاكرة الوجود بما له من امتدادات وتشعبات.

ثالثا: لا بد لنا حينئذ من أن نقرأ مسار الاحداث بمعزل عن الاثار والنتائج المرتبطة بشخصية الحسين عليه السلام.

وهذا يوصلنا الى الاستنتاجات التالية:

على الصعيد السياسي في تاريخ الامة:

بعد مضي خمسة عقود من الزمن على انتقال رسول الله ص الى الرفيق الاعلى فقد وصل زمام قيادة الامة من بعده الى شخص تتمثل فيه جميع جوانب الانحراف..

انحراف في سلوك الفرد ،الظاهري والباطني. السري والعلني، العقائدي والسلوكي.

انحراف علني في منهج قيادة الامة بحيث تحولت من كونها مهمة الهية رسم الله تعالى معالمها، الى منهج يرسم معالمه افراد حسب فهمهم واهواءهم ، الى ملك يتوارثه الابناء كما يتوارثون المتاع، الى مرحلة كشف القناع بأن يوصى بأمر الامة الى من يتصف بكل انواع الانحراف الشخصي.

انحراف في وعي الامة اوصلها الى مرحلة التسليم بكل نماذج ذاك الانحراف الذي تجسد في الحاكم والانقياد له واعتباره نموذج الارادة الالهية لقيادة الامة في خليقته.

لم تكن حالة الانحراف في تاريخ الامم بالامر الجديد ، فهو يدخل في مرحلة الامتحان الالهي لبني البشر عبر الاجيال ومنذ بدء الخليقة، وليست أمة محمد ص ببعيدة عن هذا الامتحان..

أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ . ولقد فتنا الذين من قبلهم..

 ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى‏ آثارِهِمْ بِرُسُلِنا

         ولكن هنا تتوقف دورة الزمن..

لقد قال تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْميزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَ أَنْزَلْنَا الْحَديدَ فيهِ بَأْسٌ شَديدٌ وَ مَنافِعُ لِلنَّاسِ وَ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَ رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزيزٌ (25)

           النتيجة 

لقد حصل الانحراف في مسيرة الامة كما حصل في الامم السابقة ، فهل يترك الله الناس سدى؟

أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ.

لقد ختم الله النبوات بمحمد، وحصل الانحراف كما كان يحصل في الامم السابقة ، ولكن الارادة الالهية كانت تتدخل بهدف التصحيح فترسل انبياء آخرين لكي يبقى التوازن قائما ولا تترك الساحة لابليس كي يحسم الصراع.

وبعد أن وصلت الامور الى ما وصلت اليه وبعد ان اكمل الله الرسالات، فكانت ارادة الله تعالى ان تستمر المواجهة مع شر ابليس باسلوب مختلف ينفي امكانية الحاجة الى انبياء جدد.

فارتسم مسار الاستقامة في الامة من خلال ما خطه الحسين عليه السلام ، الحسين الانسان ، الحسين الرسالة، ابو الائمة التسعة، آخرهم قائمهم الذي سيحقق به الله الوعد : وَ نُريدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثينَ (5)

وبذلك يتحقق الوعد الالهي على الارض.

قال لي احدهم عندما سمع مني عنوان هذا البحث :

لو لم يكن هناك حسين لما كان هناك دين.

وأردت أن اقول لو لم يكن هناك حسين لما خلق الله الحياة بكل ما تحمله من مفردات، وهنا نفهم دلالات حديث الكساء.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مصطفى مصري العاملي
 

 

 

 

 

 

 


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=693
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 08 / 31
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28