• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : خواطر .
                    • الموضوع : السيد هادي خسروشاهي.. راحل في الزمن المر .

السيد هادي خسروشاهي.. راحل في الزمن المر

السيد هادي خسروشاهي.. راحل في الزمن المر

كنا على موعد للقاء ظهيرة يوم الاحد الأول من شهر كانون الأول الماضي.. كان يوما مزدحما بالنسبة لي فأنا على وشك السفر من مدينة قم فجر اليوم التالي.. أما هو فكان على موعد عليه أن يذهب اليه في طهران.. 

لقاء مباشر هو الأول بيننا، في مبنى مكتبته العامة التي رغب بأن أطلع عليها والتي أنشأها بامكانياته الشخصية الذاتية دون أية استفادة من شبكة علاقاته الواسعة على صعيد رسمي او غير رسمي، فما كان يأمله هو أن تكون هذه المكتبة خالصة لله، ولا يقبل بدعمها سوى ما يتبرع به المتبرعون وخاصة مما يوصي به بعض من يرحل عن عالمنا المادي فيبعث الى عالمه الاخروي رصيدا في حسابه ، فيهدي مكتبته الى هذه المكتبة العامة، وكانت آخر تلك المكتبات المهداة هي مكتبة المرحوم الشيخ محمد مهدي الآصفي، الذي أوصى بكل مكتبته، فأخذت حيزا خاصا في عرضها أسوة ببقية المكتبات الخاصة المهداة.

عندما تبادلنا عبارات الترحيب قال لي بتواضع صادق لا كمن يتصنع التواضع.. ذاك المثل العراقي المعروف في الأوساط العلمية والاجتماعية، ( أن تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ) ..

كان هذا فاتحة الكلام في ذاك اللقاء الذي أخذنا نحو جوانب كثيرة في الحديث فطالت جلستنا أكثر مما كان مقررا ، و تغافل كل منا في ذاك اليوم عن مواعيده اللاحقة، فقد كان لدي موعد لتسجيل حلقة تلفزيونية وكان لديه موعد في طهران،

لقد انتابني شعور بأننا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد.. فتلمست دلالة الحديث الوارد .. الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف ، وما تنافر منها اختلف.. وكأن ذلك حاصل بيننا من عالم الذر.
احاديث متعددة ومتنوعة تناولناها في ذاك اللقاء اليتيم، من شخصية وعامة تعكس صورة عما يحمل كل واحد منا من أفكار حول قضايا تشكل قاسما مشتركا بحيث أبرزت ثقة وانفتاحا في الكلام ليس معهودا بين اثنين في لقاءهما الأول..

تواعدنا على أمور .. وعلى اللقاء ثانية بعد عودتي من لبنان ... ولكن القدر المجهول لم يعطنا تلك الفرصة . فقد رحل السيد هادي خسروشاهي اليوم سريعا، بسبب هذا المرض الذي فتك به سريعا ( فايروس كورونا ) ومنعني من السفر الى قم قبل ثلاثة أيام كما كان مقررا منذ ذاك الوقت.

اخبرني نجله بالأمس مساء يوم الاربعاء بانه قد تم نقل والده الى المستشفى التخصصي في طهران الذي خصص لاستقبال هذه الحالات، بواسطة سيارة اسعاف بعد أن ساءت حالته ..

لقد ظهرت عليه علائم الإصابة بهذا الفيروس ولكنه تعاطى معها باعتبارها نزلة برد عادية..

لم يستطع جسمه الذي انهكته السنون بأن يتحمل آثار الفيروس القاتل الذي لم يمهله في تلك المستشفى سوى ليلة واحدة بعد ان انتظر نهارا خمس ساعات كي يتم استقباله في المستشفى الذي لم يكن ليحصل لولا تدخل من مكتب رئيس مجلس الشورى ، ومكتب مرشد الثورة..

فلفظ أنفاسه قبيل الظهر من يوم الخميس..

ويا لها من مفارقة ..

السيد هادي خسروشاهي، الذي كتب كثيرا عن الامام الهادي، ينتقل الى ربه في يوم شهادة الامام الهادي عليه السلام الثالث من شهر رجب من العام 1441. فيترجل مودعا بصورة مؤثرة ومؤلمة.
لم يكتب لنا ان نلتقي ثانية، ولكن هذا اللقاء قد ترك لدي انطباعا مميزا ، وقليلون من يتركون في ذهني أثرا كبيرا لكثرة من التقيت والتقي في مسيرة حياتي، ولكنني هنا أسجل للسيد هادي خسروشاهي بأنه ترك في ذاكرتي انطباعا متمايزا ، فقد تلمست فيه انموذج الانسان الذي يفرض احترامه وتقديره على من يلتقيه بغض النظر عن مدى التطابق في الأفكار واختلافها، فهذه ميزة أشهد له بها ..

هذا هو الشعور الذي انتابني عند لقاءنا ، فقد كان يمتاز بشفافية صادقة في الكلام.. وهو ما شعرت اننا نفتقده في زماننا وفي يوم رحيله، وخاصة بما يتعلق بظروف هذا الحدث..
نعم نفتقد اليوم الى الشفافية الصادقة التي تنقل لنا بأمانة مجمل الأخبار عن هذا الفيروس القاتل، وتنقل لنا نتائجه وآثاره بشفافية وصدق، إذ أننا نتلمس تخبطا واضحا واضطرابا في الاخبار الرسمية، إذا لم نرغب باستعمال وصف آخر..
فمن ذلك القول بأنه كيف يمكن لنا ان نفسر او نقرأ مسار الأمور والاخبار منذ أسبوع عندما أعلن ولأول مرة عن وجود إصابات في مدينة قم بهذا الفيروس؟
لقد تم الإعلان في البداية عن نبأ الإصابتين في اليوم الأول وبدأت تتسرب أخبار تدل على عدم الشفافية، و سمعنا ردودا بأنها حملة إعلامية من الأعداء للتأثير على الانتخابات التي جرت يوم الجمعة الماضية.. فهل كان التكتم على الاخبار الحقيقية بهدف تسهيل إجراءات الانتخابات في موعدها؟ أم لغايات أخرى؟ هل كان ناتجا عن قصور ، أم تقصير؟

المهم .. لقد مرت الانتخابات وبدأت ارقام الإصابات والضحايا ترتفع.. وكان اللافت في الموضوع انها لا تنسجم مع السياق المنتشر عالميا والذي ابتدأ في الصين ووصل الى اكثر من خمسين دولة في العالم وكان التعاطي مع الموضوع بخفة واضحة .. إذ كانت نسبة المقارنة بين اعداد المصابين واعداد المتوفين على الصعيد العالمي تترواح بين 2 الى 5 % في أسوأ الحالات..
اما ما لاحظناه في البيانات الرسمية الصادرة فهو يقارب نسبة 20% فعندما أعلن عن وصول عدد المصابين في الأيام الأولى الى 28 كان عدد المتوفين قد بلغ 6. فكان هذا مما اثار علامات الاستغراب..
فإما أن تكون خطورة هذا المرض هي اشد منه في أي بلد آخر، لارتفاع نسبة الوفيات عن غيره، وإما أن تكون هذه الأرقام المعلنة غير صحيحة ، وبالتالي فهل عدم صحتها هو أمر مقصود لعدم إيجاد حالة هلع كما يمكن ان يتصور البعض؟ أم هناك جهل؟ او استهتار؟ أم ماذا؟
مهما كان الجواب فما يذاع من ارقام ولحد اليوم وبعد مضي أسبوع يكشف عدم الشفافية بل عدم المصداقية لوجود خلل في الأرقام المعلنة.
فكيف نفهم خبرا رسميا هذا الصباح عن وزارة الصحة يفيد باكتشاف 106 حالات جديدة مصابة بالفيروس خلال 24 ساعة بحيث ارتفع العدد الإجمالي الى 245 وعدد الوفيات الإجمالي الى 26 شخصا.
وبعد ساعات قليلة في نفس اليوم يتم الإعلان عن شفاء 476 حالة مع بقاء عدد الوفيات على ما هو عليه؟.. فأي الخبرين نصدق؟
وفي نفس اليوم نسمع انه تم اكتشاف علاج وان منظمة الصحة العالمية بعثت مندوبا للحصول على هذا العلاج، وفي نفس الوقت يتم الإعلان عن ان المستشفيين المخصصين لهذه الحالة في قم قد استوعبا الطاقة القصوى من المصابين ولم يعد بالإمكان استيعاب اية حالة جديدة مع إصابة مدير المستشفى ومساعديه وآخرين من الكادر الطبي؟
فما هي الحقيقة؟
الحقيقة الثابتة هي عدم وجود شفافية خاصة بعدما شاهدنا قبل أيام من تراشق علني بين نائب عن مدينة قم، أصيب بالفايروس كما أصيب نائب رئيس لجنة الخارجية والامن وبالمناسبة هو نائب عن قم أيضا، وبين وزير الصحة الذي أصيب نائبه أيضا ، حيث وجه اتهاما صريحا لوزارة الصحة بعدم اعلان الحقائق وأن عدد الضحايا هو اكبر بكثير مما تعلنه الوزارة رسميا.

هذه الشفافية هي ما تلمسته من الراحل .. فما أحوجنا الى هذه النماذج في حياتا؟ مهما كانت الظروف ومهما كانت الصعاب، وما أقبح التبريرات ..
رحمك الله أيها العامل بصمت...
في زمن كثر فيه العواء..
أيها العامل بصدق...
في زمن كثر فيه الرياء.

أيها العامل بتواضع...
يسقط فيه الكبرياء.

الى روحك الفاتحة..

مصطفى مصري العاملي


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=657
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2020 / 02 / 28
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28