• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : ما لم يقله نصر الله وبري ..عن أخبث صفقة في التاريخ .

ما لم يقله نصر الله وبري ..عن أخبث صفقة في التاريخ

 يحكي لنا التاريخ أن الله تعالى بعث الى بني اسرائيل نبيا لم يجعل له من قبل سميّا، وكان هذا النبي ابنا لنبي قد أتى ببشرى من رب السماء ﴿ يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً)(مريم:7) ﴾.

وكان من ميزات يحيى عليه السلام أن منحه الله مكانة لا ينالها الا العظماء رغم صغر سنه وقبل بلوغه الحلم فخاطبه المولى القدير قائلا: ﴿يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً)(مريم:12) ﴾.

ويؤدي يحيى رسالة ربه الى بني اسرائيل خير أداء ..

فكيف كان جزاؤه ممن أُرسل لهدايتهم؟

لقد ُقدِّم رأسه هدية الى بغي من بغايا اسرائيل..

وهو ما قاله سيد الشهداء الحسين بن علي عليهما السلام لعبد الله بن عمر عندما أشار عليه بصلح أهل الضلال و حذره من القتل و القتال فقال: يا أبا عبد الرحمن أ ما علمت أن من هوان الدنيا على الله تعالى أن رأس يحيى بن زكريا أهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل أما تعلم أن بني إسرائيل كانوا يقتلون ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس سبعين نبيا ثم يجلسون في أسواقهم يبيعون و يشترون كأن لم يصنعوا شيئا فلم يعجل الله عليهم بل أخذهم بعد ذلك أخذ عزيز ذي انتقام.

فكيف كان الانتقام؟

تروي لنا كتب السيرة عن الامام الصادق عليه السلام أن الله سلط على بني اسرائيل بخت نصر  الذي سامهم سوء العذاب جزاء لهم على تجبرهم وكفرهم وطغيانهم ، فلما وصل بخت نصر الى بيت المقدس، نظر إلى جبل من تراب وسط المدينة و إذا دم يغلي وسطه، كلما ألقي عليه التراب خرج و هو يغلي فقال ما هذا فقالوا هذا نبي كان لله فقتله ملوك بني إسرائيل و دمه يغلي، و كلما ألقينا عليه التراب خرج يغلي فقال بخت‏نصر لأقتلن بني إسرائيل أبدا حتى يسكن هذا الدم، و كان ذلك الدم دم يحيى بن زكريا ع و كان في زمانه ملك جبار يزني بنساء بني إسرائيل و كان يمر بيحيى بن زكريا ع فقال له يحيى اتق الله أيها الملك لا يحل لك هذا فقالت له امرأة من اللواتي كان يزني بهن حين سكر أيها الملك اقتل يحيى فأمر أن يؤتى برأسه فأتوا برأس يحيى ع في الطست و كان الرأس يكلمه و يقول له يا هذا اتق الله لا يحل لك هذا ثم غلى الدم في الطست حتى فاض إلى الأرض فخرج يغلي و لا يسكن.

و كان بين قتل يحيى و خروج بخت‏نصر مائة سنة، و لم يزل بخت‏نصر يقتلهم و كان يدخل قرية قرية فيقتل الرجال و النساء و الصبيان و كل حيوان و الدم يغلي حتى أفناهم، فقال أبقي أحد في هذه البلاد؟ قالوا عجوز في موضع كذا و كذا فبعث إليها فضرب عنقها على الدم فسكن...

استذكرت هذه الحكاية التاريخية وأنا أستعرض مسلسل الاحداث الدائرة في بلدي  والمواقف المتتالية ولا أقصد بها المجازر اليومية وآخرها ما حصل بالامس في بلدتي أنصار وما حصل اليوم في الشياح ولكن أتحدث عن المواقف السياسية وصولا الى الاجتماع الذي عقد هذا اليوم في بيروت لوزراء الخارجية العرب وهم أكثر الناس مصداقا لقوله تعالى ﴿ الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ)(التوبة: من الآية97) ﴾ وقد جاء اجتماعهم وكما قال العميد  أمين حطيط في حديث تلفزيوني الليلة أنهم جاؤوا لينقذوا حكومة السنيورة المتواطئة على العدوان منذ اليوم الأول بما تمثله الاكثرية السياسية التي تتشكل منها الحكومة من نهج سياسي له امتداداته الاقليمية والدولية.

إن ما سمعته من كلام العميد حطيط والذي كان له الدور المميز أثناء ترسيم ما سمي بالخط الازرق على الحدود عند اندحار الجيش الاسرائيلي في العام 2000  جعلني أقر له بأنه قد قارب الحقيقة التي تحدثت عنها في مقالي السابق:

    قدر الشيعة بين يهود أمة موسى ويهود أمة محمد

وأما اليوم وبعد ست وعشرين يوما من الملاحم البطولية على كافة المحاور الحدودية والتي لم يتمكن فيها يهود أمة موسى من تقديم الهدية الموعودة ليهود أمة محمد - من عرب الردة الذين كنا نلوم مظفر النواب على اسلوب خطابه معهم- رغم الجحافل الجرارة ، ورغم الاسطول الجوي الذي يمدهم بالقنابل التدميرية، الذكية أو الغبية .. والتي لم تكفه مستودعات الجيش الاميركي في قطر والتي تمثل أمة العرب !!! في مجلس الامن !!! فكانت المستودعات والميزانيات الخاصة جسرا متواصلا من أجل مهمات السلام !!! .

بعد كل هذا تداعى العرب ليأتوا الى بيروت بعد أن نفد موعد شرب كأس انتصارهم الموهوم  الذي كانوا يحلمون به بعد أن سمعوا بأن وزير جيش العدو القادم الى فلسطين من المغرب العربي، حمامة السلام ورئيس حزب العمل، قد أعفى عددا من قادة جيشه من مهامهم ، كقائد لواء غولاني، والخ ...... لنجاحاتهم الباهرة !! في عدم تمكنهم من كسر إرادة قلة من المقاتلين الذين أعاروا جماجمهم لربهم فأحبطوا واحدة من أخبث الصفقات في التاريخ ..

إنها تشبه أخبث صفقة في التاريخ فغدت على ذات النهج..

تلك التي قدم فيها رأس يحيى بن زكريا الى بغي من بغايا من بني اسرائيل.

إن هذا لم يقله نصر الله في كلماته ، ولم يقله بري في تصريحاته..

لقد قالا صراحة بما لا يدع مجالا للشك من أنه لو لم يكن هناك غطاء عربي لهذه الحرب لما استمرت المعركة اكثر من ست ساعات، ومن أن هناك تشجيعا عربيا لهذه الحرب وهو نفس ما صرح به اولمرت، ولكن كيف لنا أن نفهم ما قيل بالامس عن المشروع الاميركي الفرنسي من تبدل المواقف سوى أنه الفرصة الاخيرة لأصحاب المصلحة الكبرى  لهذه للحرب في الوصول الى حلمهم.

فمن هم أصحاب المصلحة الكبرى لهذه  الحرب يا ترى ؟

لم يعد خافيا على أحد أن اسرائيل تخوض هذه الحرب بالوكالة عن غيرها، وفي نفس الوقت فإنها تشفي غليلها مما فيه من أحقاد جعلتها تنهزم أمام الجنوبيين الذين كانوا يهاجمون جنودها بصرخات ، الله أكبر، يا زهراء ، يا مهدي ..الخ، ويزداد حقدها عندما تشاهد إرادة الحياة وروح التحدي على طول القرى الحدودية.

في الصيف الماضي دعاني أحد الاصدقاء الى غداء في منتزه على مياه الوزاني تجتمع فيه مئات العائلات ولم يكن الشريط الحدودي الشائك يبعد عن مياه المنتزه لأكثر من خمسة أمتار، ومررنا أثناء عودتنا ناحية مستعمرة كريات شمونة حيث بدت لنا الاراضي الزراعية على الجانبين.

لقد عاشت المناطق الحدودية ست سنوات من الازدهار ولم تكن تتأثر بالجو العسكري سوى المنطقة التي اريد لها أن تبقى ساخنة عند الاراضي التي لا تزال محتلة في مزارع شبعا، وقد كان هناك نوع من التوازن قائما في المنطقة بعد تفاهم نيسان 1996، فلا أحد يطال المدنيين من الطرفين، والمعركة العسكرية هي في دائرة تحقيق الاهداف المعلنة، نريد استرجاع الارض ونريد تحرير المعتقلين.

في عام 2003 حصلت عملية أسر لجنود  وحصلت بعدها عملية تبادل لجميع الاسرى ولكنها لم تكتمل لوجود أسير او اثنين.

لقد عاش الجميع على جانبي الحدود فترة من الاستقرار المرتكز على توازن في معادلة عدم استهداف المدنيين .

إذن ليس للاسرائيليين مصلحة حقيقية بفتح هذه المعركة الواسعة إن كانت ترغب حقيقة بالسلام لأنه كان متحققا من الناحية العملية.

أما الاميركيون واعتبارهم اصحاب المصلحة الاساسية في هذه الحرب استنادا للحديث عن مخطط الشرق الاوسط الجديد وأنه هو الهدف الاساسي لهذه المعركة التي تخوضها اسرائيل ، فواقع الحال أننا كنا نرى في لبنان أن النفوذ الواسع الذي يتمتع به السفير الاميركي في لبنان ، وموكبه الذي لا يحلم به رئيس جمهوريته في بلده يدلنا على أنهم  ليسوا بحاجة الى هذه المعركة كي يزجوا اسرائيل فيها ، وإن كانوا يريدون إرسال رسائل اقليمية فليست هذه هي وسلتهم الوحيدة إن كانوا يرغبون باستقرار لبنان وتألقه نموذجا لديمقراطيتهم التي يتحدثون عنها.

  يبقى اذن الطرف الثالث في المعادلة وهم حكام الانظمة العربية المتصهينة.

 إن بغايا العرب الذين تحدث عنهم مظفر النواب في قصيدته عن القدس والتي أسماها عروس عروبتهم و الذين يتربعون على عروش انظمة مبنية على العهر والفجور والرذيلة من المحيط الى الخليج لم يرق لهم أن يكون في هذا الوطن صوت يفرض معادلة بعيدة عن منطق الخنوع الذي يعيشونه، ويكون له صدى ايجابي في بلدانهم ، فكيف إذا كان هذا الصوت رافضيا!!!

إن حقد التاريخ عند هؤلاء ، أحفاد اولئك الذين كانوا يعربدون على منبر رسول الله وينتهكوا الحرمات والذين كانوا يؤمون الصلاة بالمسلمين وهم سكارى، والذين التقت اهدافهم مع خوارج الامة اتباع بن تيمية والذين يكفرون شيعة أمير المؤمنين ويخوضون حرب ابادة ضدهم ، إن هذا الحقد عند كلا الطرفين جعل كل هؤلاء يستشيطون غضبا مما اعتبروه تهاونا من الاميركيين في العراق مع الروافض، الذين سمحوا لهم بتولي بعض المناصب على أشلاء دولة العراق.

حدثني بالامس صديق من المدينة المنورة قائلا: إن زميلا له في العمل رفع يديه بالدعاء قائلا: اللهم انصر اسرائيل على هؤلاء الروافض في لبنان!!!

وبالطبع سمع العالم أجمع كيف أن السلطات هناك منعت حتى المظاهرات المستنكرة للمجازر التي تحدث في جنوب لبنان.

لقد تحول المتظاهرون في بلادنا العربية وبعض البلدان الاسلامية الذين تحركهم الحمية الدينية او القومية أو الانسانية وتجعلهم يخرجون في مظاهرات رمزية ، لقد تحول هؤلاء  الى فدائيين  بخروجهم لأنهم سيعرضون انفسهم للاقتصاص او الملاحقة أو على الاقل بوضع اسماءهم في لوائج الاجهزة الامنية.

ما لم يقله نصر الله وبري ..

إن تلك البغي من بغايا بني اسرائيل طلبت من الملك الزاني أن يقدم لها رأس النبي يحيى بن زكريا لتمكنه من نفسها لأنه كان ينهى عن الفاحشة.

وبغايا العرب وبعد عجزهم وفشل كل خططهم منذ اغتيال الحريري ولغاية الشهر الماضي ، فشلهم في كسر عنفوان أبناء محمد وعلي والحسين  في لبنان وبعد أن رفض الشيعة بل وفوتوا الفرصة على هؤلاء للانجرار ورارء المشاريع القذرة، كان مطلبهم أن يقدم لهم رأس الشيعة في لبنان كتعويض عما حصل في العراق، فكان الاسرائيليون هم الجنود والضحايا، وكانت القيادة للاميركيين الذين راح الفرنسيون ينافسونهم في تحقيق المكاسب لخطب ود العرب.

لئن بقت دماء يحيى عليه السلام تغلي في التراب مائة سنة، فإن دماء أهلنا الابرياء والتي تسفك على مذبح التجبر والبطش والخيانة ستبقى تغلي في الصدور الى أن تحين ساعة الانتقام ، الذي لا يبقي ولا يذر.

﴿وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (الشورى:41) ﴾

وفي النهاية لا نقول الا ما قال الله تعالى

 ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(لأنفال: من الآية30)

 


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=56
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2006 / 08 / 08
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 04 / 19