الطاعة المطلقة - (شهادة الإمام علي وآية النجوى) الحلقة 16

الطاعة المطلقة - (شهادة الإمام علي وآية النجوى) الحلقة 16

الحلقة رقم 16 - تاريخ: 08-08-2012 (شهادة الإمام علي وآية النجوى)

🌙 المقدمة (ذكرى استشهاد الإمام علي عليه السلام)

الشيخ مصطفى العاملي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرِّجْسَ وطهرهم تطهيراً.

سادة المشاهدين، فجر مثل هذا اليوم من عام أربعين للهجرة، صدح صوت بين السماء والأرض سمعه كل مستيقظ من الورى قائلاً: "تَهَدَّمَتْ وَاللَّهِ أَرْكَانُ الْهُدَى، وَانْطَمَسَتْ وَاللَّهِ نُجُومُ السَّمَاءِ وَأَعْلَامُ التُّقَى، وَانْفَصَمَتْ وَاللَّهِ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى. قُتِلَ ابْنُ عَمِّ مُحَمَّدٍ الْمُصْطَفَى، قُتِلَ الْوَصِيُّ الْمُجْتَبَى، قُتِلَ عَلِيٌّ الْمُرْتَضَى، قُتِلَ وَاللَّهِ سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ، قَتَلَهُ أَشْقَى الْأَشْقِيَاءِ".

وتسمع زوجة حذيفة من جبريل النداء ليستيقظ بعد نداء السماء، ويمسك بأشقى الأشقياء. وهناك في مسجد الكوفة، مسجد الأنبياء، كان جرح علي ينزف بالدماء، نزفاً لم يبرأ عبر السنين، مستمراً إلى يوم الدين. هناك يجثو للحساب قائلاً: "أنا المظلوم الأكبر".

إنسانية جريحة لم يثنها الأنين، تجسد أنموذج الخلق والرحمة والحنين. إمام الهدى يخاطب ابنه الحسن قائلاً: "اِرْفُقْ يَا وَلَدِي بِأَسِيرِكَ، وَارْحَمْ وَأَحْسِنْ إِلَيْهِ، وَأَشْفِقْ عَلَيْهِ. يَا بُنَيَّ نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا نَزْدَادُ عَلَى الْمُذْنِبِ إِلَيْنَا إِلَّا كَرَماً وَعَفْواً، وَالرَّحْمَةُ وَالشَّفَقَةُ مِنْ شِيمَتِنَا. بِحَقِّي عَلَيْكَ" (علي يخاطب ابنه الحسن) "أَطْعِمْهُ يَا بُنَيَّ مِمَّا تَأْكُلُ وَاسْقِهِ مِمَّا تَشْرَبُ، وَلَا تُقَيِّدْ لَهُ قَدَماً وَلَا تَغُلَّ لَهُ يَدًا. فَإِنْ أَنَا مِتُّ فَاقْتَصَّ مِنْهُ بِأَنْ تَقْتُلَهُ، وَتَضْرِبَهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ، وَلَا تُمَثِّلْ بِالرَّجُلِ، فَإِنِّي سَمِعْتُ جَدَّكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِيَّاكُمْ وَالْمُثْلَةَ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ".

ما أعظمك يا علي إنساناً! ما أعظمك يا علي إماماً! ما أعظمك يا علي جريحاً! وهكذا يسجل التاريخ في ليلة القدر الأولى حدثان: حدث حكته صرخة جبرئيل، وحدث يرسم أنموذجاً لنبل لم تعرفه الإنسانية من قبل ولن تصل إلى مثله من بعد.

في هذه الليلة وفي هذه الذكرى، ذكرى شهادة أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه السلام، نتقدم إليكم جميعاً أيها المؤمنون والموالون بأحر العزاء.

ويمكنكم مشاركتنا في برنامجنا هذا على أرقام الشاشة التي تظهر أمامكم. وبالتالي نحن وإياكم في حلقة جديدة من برنامج أئمة الهدى.

مشاهدين الكرام، في هذه الحلقة الخاصة من برنامج أئمة الهدى نتابع وإياكم ما يرتبط بآية من الآيات الأحد عشر التي وردت في القرآن الكريم والتي تحدثنا عنها مراراً، وفيها أمر بطاعة الله وطاعة رسوله، ألا وهي الآية 13 من سورة المجادلة. وذلك في إطار بحثنا وحديثنا عن مدلول الآيات التي نتحدث عنها في إطار معرفة ما تدل عليه الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾.


🕋 المحور الأول: آية النجوى (المجادلة 13)

الشيخ مصطفى العاملي:

كانت بداية حديثنا مرتبطة بهذه الآية: أولئك الذين قرن الله طاعتهم بطاعته وطاعة رسوله. أولئك الذين أمر الله بطاعتهم. أولئك الذين يوصفون بذاك الوصف. في الآية التي سنبحثها في هذا اليوم من ضمن الآيات التي وردت بالأمر بالطاعة لله والرسول، نجد الفقرة التالية، الآية التالية التي تقول: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

هذه الآية التي يرتكز ركن رَحَاها على من تحدثنا عنه، أعني قائد الغُر المحجلين إلى جنات النعيم. نلاحظ في هذه الآية أن هذا الجزء منها يرتبط بما قبله. يعني ليست هذه الفقرة التي قرأناها: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ هي بداية الآية، بل هي في وسط آية. ماذا تقول لنا الآية لو أردنا أن نعود إلى بداية الآية؟ فنجد أن هناك أمراً بالطاعة لله وللرسول صلى الله عليه وآله وسلم مرتبط بشيء آخر. يعني عندما تقول الآية: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾، نجد أن بداية هذه الآية تقول:

﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ ۚ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ [المجادلة: 13].


📞 مداخلة أبي محمد ومعنى المعرفة

المُقدِّم: معنا اتصال من المتصل أبو محمد من كربلاء المقدسة. تفضل يا أخي أبو محمد.

الأخ أبو محمد: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الله يبارك لكم بمولى الموحدين أكبر. عظم الله أجورنا وأجوركم وجميع الإنسانية. نعم أخي تفضل. ﴿يَا عَلِيُّ مَا عَرَفَ اللَّهَ إِلَّا أَنَا وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَنِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَكَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَا﴾. نعم. إن طاعة الإنسان مقرونة بطاعة الإمام علي، ثم مقرونة بطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم مقرونة بطاعة الله عز وجل. نعم.

المُقدِّم: أحسنت أخي الكريم. طُرحت صورة السؤال سنتحدث عنها إن شاء الله. شكراً جزيلاً لكم.

الشيخ مصطفى العاملي:

نعود إلى هذه الآية التي تلوناها عندما نتأمل هذه الآية: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾. ثم نجد أن في هذه الآية مجموعة من الفقرات.

الفقرة الأولى تقول: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾. يعني جاءت بصيغة الاستفهام. هذا الاستفهام نراه يحمل معنى التقريع واللوم. أشفقتم؟ ابن عباس يقول حسب ما ورد في عدد من التفاسير: ﴿أَشْفَقْتُمْ﴾ أي بخلتم بالصدقة. في تفسير آخر ورد: خفتم. فالإشفاق يعني الخوف من المكروه.

خفتم؟ بخلتم بالصدقة؟ وشق عليكم أيها المنهاة؟ لم توضح الآية، لأننا سنعود إلى الآية الأخرى التي توضح لنا المخاطبين في ذلك. ولكن في سياق الآية يقول: ﴿أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾. إذن الفقرة الأولى في الآية فيها لوم، فيها تقريع، فيها إشارة إلى شيء آخر لن تتضح جزئيته في هذه الآية.

ثم نجد في نفس الآية فقرة: ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾. فمعنى ذلك أنكم وقعتم في المعصية. يعني أن المخاطبين في هذه الآية وقعوا في معصية الله تعالى. ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾. هناك أمر: ﴿قَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾. فإذا لم تفعلوا يعني لم تمتثلوا هذا الأمر. فإذا كان هناك أمر وعدم امتثال لهذا الأمر، فمعنى ذلك أن هناك مخالفة. قد يقول قائل ليس معنى ذلك أن هناك أمر بالوجوب بقرينة الفقرة التالية: ﴿وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾. إذاً هناك شيء ما حصل، هناك مخالفة ما حصلت، ثم بعد ذلك حصلت التوبة: ﴿تَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾.

ثم نلاحظ أنه في الآية الكريمة بعد هذه العبارة هناك أمر بشيء بل بشيئين. لنقول أمر بالصلاة قال: ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾، وأمر بالزكاة: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾. الصلاة أمر عبادي، الزكاة أمر عبادي. ولكن الفارق: الصلاة أمر عبادي معنوي لعمل يقوم به الإنسان بينه وبين ربه، يقف خاشعاً يتوجه إلى الله تعالى ينوي الصلاة ويكبر ويصلي. أما الزكاة فترتبط بشيء مادي: ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾ تُدفع. فمعنى ذلك أنها خرجت عن دائرة الالتزام العبادي الذي له صفة معنوية فقط لتكون أمراً عبادياً ذا شق مادي.

بعد هذا الأمر نصل إلى الفقرة في مورد حديثنا: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾. ولو لاحظنا أن هذه الفقرة في سياق حديثنا ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ من خلال الآيات التي استعرضناها بالحلقات السابقة، التي نلاحظ أن هناك ربطاً واقتراناً وملازمة بين الأمر بطاعة الله والأمر بطاعة الرسول.

هنا من هذا الباب نعرج على سؤال الأخ أبو محمد الذي ورد قبل قليل. العبارة التي تقول: "يَا عَلِيُّ مَا عَرَفَ اللَّهَ إِلَّا أَنَا وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَنِي إِلَّا اللَّهُ وَأَنْتَ، وَمَا عَرَفَكَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَا". إذاً هناك اقتران بكلمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. المعرفة الحقيقية لله تعالى تجسدت في معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعرفة علي عليه السلام بما يمثل. ومعرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي من الله، الله يعرف قدره ومكانته، ومن البشر علي ومن يمثل. وعلي لا يعرف مكانته إلا الله وخاتم الأنبياء.

هنا نجد أن الاقتران والمقارنة بين الأمر بطاعة الله وطاعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، والربط بين عدد من المعاني التي استعرضناها في عدد من الآيات، يوصلنا إلى ما نتحدث عنه من خلال الفقرة الأخيرة التي وردت في هذه الآية: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾.

﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فيها تنبيه وتحذير. يعني يقول لك: فعلوا كذا، فعلوا كذا، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَهُ﴾، ثم يقول: ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾. يعني أي شيء تقومون به الله تعالى يعرفه، ليس خافياً عليه. يعني يعرف ما في نيتكم، يعرف ما تقومون به، يعرف ما تُضمرون، يعرف كل شيء تقصدونه في عملكم.


🔍 المحور الثاني: تفصيل آية النجوى (المجادلة 12)

الشيخ مصطفى العاملي:

إلى هنا نلاحظ أن الأمر لا يزال ضمن دائرة الإبهام والإيهام في مسألة الآية، فلم نعرف من خلال هذه الآية من هم المخاطبون؟ وماذا حصل؟ وما هو الأمر المرتبط بهذه؟ حينئذ نرجع إلى الآية السابقة، الآية رقم 12 من سورة المجادلة. ماذا تقول الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾. إذاً اتضح لنا من مطلع الآية أن المخاطبين في هذه الآية وما تلاها هم المؤمنون.

ونحن تحدثنا سابقاً أن الخطاب من الله تعالى على نماذج وصيغ مختلفة، تارةً أن يكون الخطاب للمؤمنين، وتارةً يكون للناس جميعاً، وتارةً يكون لشرائح مختلفة، ولكل خطاب خصوصية. فلا يمكن أن يخاطب الناس بشكل عام في مثل الآية ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ ويكون هناك تكليف بأمر جزئي متفرع عن الإيمان. إذن الإيمان له نموذج خاص من الخطابات، الناس لهم نموذج خاص، الذين أوتوا الكتاب وهكذا.

فهنا نلاحظ أن مطلع الآية أخذنا إلى دلالة على أن المخاطبين في هذه الآية وما سبقها هم الذين آمنوا. بعد ماذا تقول الآية؟ ﴿إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾. يعني خطاب لمجموعة من المؤمنين كانوا في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. كانوا مع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. إذ لا يصح أن يقال لنا في زماننا نحن مثلاً: ﴿نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾. المناجاة هي الحديث المتبادل بين اثنين. نحن نخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في زماننا، ولكن لا نسمع الجواب. المناجاة تكون في محضر الجلوس.

فإذاً كان هناك خطاب لتلك الشريحة من المسلمين: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ﴾. ﴿إِذَا﴾ أداة شرط. ما هو المشروط؟ ﴿فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾. إذاً هناك أمر بأن تقدموا صدقة من الصدقات، تدفعوا مالاً. ولكن لمن هذه؟ هل هي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟ لا. للفقراء، للمساكين. يعني أنت أيها المسلم الذي تريد أن تخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن تتحدث مع النبي، تجلس وتسأله، قبل أن تقوم بهذا العمل يجب عليك أن تدفع صدقة. هذا هو الأمر.

والهدف من هذا الأمر كما تقول الآية: ﴿ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ﴾. هناك تزكية، هناك تربية، هناك توجيه لكم في ذلك. ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾. إن كنتم مُعْسِرين، ليس لديكم مجال، فذاك له حكم آخر.

في الواقع هذه الآية تجعلنا نقف أمام الذهنية التي يجب أن ينطلق بها الإنسان في نظرته للنبي صلى الله عليه وسلم. النبي يقول في حديث: "لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِهِ وَعِتْرَتِي، أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ عِتْرَتِهِ وَذَاتِي أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ ذَاتِي". هكذا يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

فماذا حصل بعد هذا الأمر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾؟ لكي تأتي الآية التالية تقول: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾، وفيها توبيخ.


👑 المحور الثالث: علي عليه السلام يمتثل ويُخفف العذاب

الشيخ مصطفى العاملي:

نأتي هنا أعزاء المشاهدين إلى ما يقوله مفسرو الإسلام، مفسروا الكتاب. ما ورد في كتب العامة قبل كتب الخاصة. ينقل ابن كثير عن مجاهد يقول في تفسير هذه الآية: "نُهُوا (يعني المسلمين) عن مناجاة النبي حتى يتصدقوا، فَلَمْ يُنَاجِهِ إِلَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قَدَّمَ دِينَاراً صَدَقَةً تَصَدَّقَ بِهَا، ثُمَّ نَاجَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَنْ عَشْرِ خِصَالٍ". من هنا يتضح أن هناك أناس مقصودون بهذه الآية، وهناك تنفيذ لهذا الأمر حصل من شخص واحد.

تعال أخي المشاهد الكريم العزيز وانظر إلى الثعلبي في تفسيره ماذا يقول. ينقل يقول: "جاء علي بدينار فتصدق به، وكلّم النبي، وأمسك الناس" عن الثعلبي ليس فقط أن علي الذي تصدق وتكلم، بل أن الناس أمسكوا، يعني لم يتقدم أحد ليخاطب النبي ليناجي النبي مقابل أن يدفع صدقة. هذا أنموذج تحكيه لنا الوقائع المعززة بكتاب الله تعالى.

ينقل الزمخشري يقول عن علي عليه السلام (نريد تفاصيل ما حصل، نريد أن نعرف حقيقة ما حصل وما يرتبط بهذه الآية): لنستمع ينقل عن علي عليه السلام يقول: "إِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَآيَةً مَا عَمِلَ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَعْمَلُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي". كان لي دينار، كل ما عنده دينار، "فكنت إذا ناجيته تصدقت بدرهم". (صرف الدينار إلى دراهم). يقول الثعلبي: تصدق به في عشر كلمات سألهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. إذاً علي عندما نزلت الآية بهذه النصوص، الوحيد الذي تصدق وذهب ليسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم. وحينئذ نفهم عندما يقول: "عَلَّمَنِي حَبِيبِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَلْفَ بَابٍ مِنْ الْعِلْمِ، يُفْتَحُ لِي مِنْ كُلِّ بَابٍ أَلْفُ بَابٍ".

بعد، عن ابن عمر يقول: "كان لعلي ثلاث صفات، ينقل عن عمر: لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إليَّ من حُمر النَّعَم".

  1. تزوجه فاطمة. وقد مر معنا: لو لم يكن لعلي لما كان لفاطمة كفء، وفاطمة زوجت في السماء قبل أن تزوج في الأرض.
  2. إعطاؤه الراية يوم خيبر. وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
  3. وآية النجوى. يعني آية النجوى كانت واحدة من الميزات التي ميز بها أمير المؤمنين عليه السلام.

أيها المشاهدون الكرام، نتابع وإياكم هذا البرنامج ونتلقى اتصالاتكم ولكن بعد هذا الفاصل القصير.


🎬 فاصل إعلاني

المُقدِّم: عزاء المشاهدين، نعود وإياكم لمتابعة هذه الحلقة الخاصة من برنامج أئمة الهدى لنكمل وإياكم الحديث بما يرتبط بآية النجوى، والتي هي واحدة من الآيات التي ورد فيها الأمر بطاعة الله وطاعة رسوله. وقد وصل بنا الحديث قبل الفاصل إلى ما يشخص الموضوع الذي تتحدث عنه الآية الكريمة، وهو أن آية النجوى لم يطبقها أحد من المسلمين سوى علي بن أبي طالب عليه السلام.


المحور الرابع: فترة المنع ودفع العذاب

الشيخ مصطفى العاملي:

وهنا نتوقف أمام فقرة ترتبط بهذا الموضوع. يقول البعض: كم هي المدة التي جاء بها الأمر ثم جاء السماح في الآية الثانية (الأمر بتقديم النجوى)؟ وبعبارة أخرى، كم هي الفترة الزمنية التي امتنع فيها المسلمون عن مخاطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكي لا يدفعوا صدقات؟ ولم يفعل ذلك سوى علي بن أبي طالب. كم هي الفترة؟

ينقل مقاتل بن حيان: "إنما كان ذلك عشر ليال". عشر ليال كان المسلمون هناك لم يتقدم أحد منهم سوى علي عليه السلام ليخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم. البعض يحاول أن يطرح رأياً مختلفاً بأن يقول أنه فترة قصيرة جداً. ولكن سياق الكلام، سياق الآية لا يمكن أن يكون ضمن هذا الإطار، لأنه لا معنى لكي يكون هناك أمر لفترة قصيرة لا يتمكن إلا شخص واحد من امتثاله، ثم يأتي لوم وتقريع لعدم الامتثال. لا بد من أن يكون هناك فترة زمانية لكي يصح أن يكون هناك تقريع وتوبيخ خلال الآية: ﴿أَأَشْفَقْتُمْ﴾.

وطبعاً عندما نقول ذلك، أن الامتناع الذي يكون لفقير وغير متمكن قد يوجد له العذر، ولكن عذر أولئك المتمكنين، عذر أولئك الميسورين، هنا جاء التقريع.

تعالوا أعزاء المشاهدين لنأخذ نصاً يبين لنا شيئاً مما حصل. في تفسير الثعلبي ينقل عن علي عليه السلام يقول: "بِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ". نحن نعرف أنه عندما يكون هناك تكليف ولا يمتثل هذا التكليف فهناك عقاب. "بِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ".


📞 مداخلات المشاهدين (التخفيف من العذاب والصيام)

المُقدِّم: معنا اتصال للأخ أحمد من ديالى. تفضل يا أخ أحمد. يبدو فقط، يبدو أن الاتصال انقطع مع الأخ أحمد. حاول مرة ثانية يا أخ أحمد. شكراً لكم.

الشيخ مصطفى العاملي:

ماذا يقول حسب ما ينقله الثعلبي عن علي عليه السلام؟ قال: "بِي خَفَّفَ اللَّهُ عَنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ" لأن الله امتحن الصحابة بهذه الآية، كما أسلفنا هذه الآية ليست لجميع المسلمين بالإلحاظ استمرارية مجيئهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم، هي لمجموعة كانت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم. "وامتحن الله صحابته بهذه الآية". ماذا حصل؟

يقول علي عليه السلام: "فَتَقَاعَسُوا عَنْ مُنَاجَاةِ الرَّسُولِ". لا أدري ماذا يحمل هؤلاء في قلوبهم نحو النبي؟

المُقدِّم: معنا اتصال ممن؟ الأخ حيدر من الناصرية. تفضل يا أخ حيدر.

الأخ حيدر: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. نعزيكم بمولى الموحدين، التعزية موصولة للجميع. وحاول يا أخ حيدر تخفف التلفاز. حاول تخفف التلفاز وتسمعني من الهاتف فقط. يا صاحب العقل والزمان يا أمير المؤمنين. زادكم الله خيراً لما تعملون من الأمر أبي عبد الله الحسين. ولي مولى المؤمنين. زادكم الله خيراً. تفضل في عندك شي سؤال يا أخي حيدر؟ لا لا تعزية تعزية فقط. شكراً. شكراً جزيلاً لك يا أخ حيدر. الله يحفظكم إن شاء الله ويحفظ جميع المستمعين والموالين.

الشيخ مصطفى العاملي:

يقول علي عليه السلام: "امتحن الصحابة بهذه الآية. فَتَقَاعَسُوا عَنْ مُنَاجَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ قَدِ احْتَجَبَ فِي مَنْزِلِهِ". يعني النبي صلى الله عليه وسلم بقي في منزله من مناجاة كل أحد. يعني بمعنى آخر، اعتذر عن استقبال أي شخص. يقوم بواجباته، ولكن استقبال الأشخاص للمحادثات الخاصة فيه اعتذار. لماذا؟ لأن هذا الاعتذار مشروط بعمل. هذا العمل ما هو؟ أن تقدم صدقة. أن تريد أن تتحدث مع النبي، قدم صدقة. وهذا ما حصل.

فيقول عليه السلام: "احْتَجَبَ فِي مَنْزِلِهِ مِنْ مُنَاجَاةِ كُلِّ أَحَدٍ إِلَّا مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ". ماذا حصل؟ يقول: "كَانَ مَعِي دِينَارٌ فَتَصَدَّقْتُ بِهِ، فَكُنْتُ أَنَا سَبَبَ التَّوْبَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حِينَ عَمِلْتُ بِالْآيَةِ، وَلَوْ لَمْ يَعْمَلْ بِهَا أَحَدٌ لَنَزَلَ الْعَذَابُ لِامْتِنَاعِ الْكُلِّ مِنَ الْعَمَلِ بِهَا".


📞 مداخلة أبي مهند (أعمال ليالي القدر)

المُقدِّم: معنا اتصال آخر ممن؟ الأخ أبو مهند من كربلاء. تفضل يا أخ أبو مهند. عظَّم الله أجرنا يا شيخنا. أهلاً. عليكم السلام. عظم الله أجورنا وأجوركم بالمصائب الثلاثة. عظم الله أجورنا وأجوركم وجميع الموالين والمحبين بأمير المؤمنين. الله يحفظكم ويبارك فيكم. تفضل بلا زحمة عني. الليلة المخاضرة. نعم. قالوا لي لكي أدركها لأتفجعها 6 أيام. يعني 6 أيام صباح وظهر و المغرب. نعم. وقالوا أحيوا هم يطلقوها. أنا الحمد لله وكلوا حسن المطعم. الصوت شوي مشوش. عيد آخر عبارة ماذا قلت؟

الأخ أبو مهند: يعني؟ عيد صيغة السؤال. ربما ربما نلتقي في القدر. نعم. لقد صلوا مئة ركعة. يعني مئة ركعة ركعة اثنى ركعة. شو اللي تريد تسأل؟ تفضل. وقسم يبقى لها ستة أيام. يعني تقوم بها ستة أيام. نعم. ستة أيام يعني.

الشيخ مصطفى العاملي:

عزيزي أبو مهند، فيما يتعلق بما ورد بإحياء ليل القدر، عندنا أكثر من حالة يمكن أن يحيي بها الإنسان ليلة القدر. واحدة منها صلاة مئة ركعة. وفي عندنا بعض الروايات على عشر ركعات. فكل إنسان يمكن أن يمتثل ما يستطيع حسب ما يسمح له الوضع حسب توجه النفس والقلبي لإحياء هذه الليالي المباركة. يمكن أن يمتثل أي واحدة من هذه الأشياء. وتقبل الله من الجميع عملهم وصومهم وقيامهم في هذه الليالي المباركة. ومن أهم الأشياء التي ورد استحبابها في ليالي القدر زيارة الحسين عليه السلام.


📞 مداخلة أم حسين (حكم قصر الصلاة في كربلاء)

المُقدِّم: إذن شكراً لك أخي أبو محمد. نعود إلى حديث أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "لو لم يعمل بها أحد لنزل العذاب". لأنه جاء أمر ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ﴾ الرسول ﴿أَن تُقَدِّمُوا﴾. فإذا لم يفعل أحد مع القدرة على الامتثال، لأنه ليس هناك إعسار للجميع، هناك إعسار لجماعة، فيقول عليه السلام: "كنت أنا سبباً لأن يتوب الله على المسلمين".

المُقدِّم: معنا اتصال آخر من الأخوة أم حسين من بغداد. تفضل يا أخوة أم حسين. السلام عليكم شيخنا. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الله يحفظك. كنت أرغب بالحكم. سأذهب لزيارة طويريج يومين. نعم. هل يصير صيامي يومين قضاء في كربلاء؟ أو قضاء؟ يعني مقيمة في كربلاء؟ أو وين مقيمة؟

الشيخ مصطفى العاملي:

مقيمة في بغداد وإقامتها في بغداد وتريد تجي إلى طويريج يومين. يومين. هذه لا بد من الإفطار في هذه الحالة إذا وصلت قبل الظهر. يعني اليوم اللي تطلع فيه من بغداد بعد الظهر تبقى صائمة. اليوم الثاني إذا بقت ورجعت إلى بغداد قبل الظهر أيضاً تبقى صائمة. ولكن إذا زاد عن ذلك، يعني كان اليوم الثاني الظهر خارج بغداد، في هذه الحالة هذا اليوم لا بد من قضائه لأنه يعتبر بحكم الإفطار. في اليوم الثالث مثلاً إذا رجعت أيضاً إلى بغداد قبل الظهر فكذلك الحال. يعني يكون اليوم الأول والثالث صيامها صحيح. وقد تقضي اليوم الثاني اللي كانت فيه في طويريج.


👑 المحور الخامس: علي عليه السلام نموذج لـ أولي الأمر

الشيخ مصطفى العاملي:

نتابع وإياكم أعزائي المشاهدين الكرام ما يرتبط بموضوع هذه الآية الكريمة. نأتي إلى تفسير الكشاف وغيره من التفاسير الكثيرة. وذكرت ما ورد في مصادر إخواننا أهل السنة ولم أذكر ما ورد في مصادر أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام، للدلالة على أن هذه المسألة هي مسألة إجماعية، وليست مورد اختلاف، ومدلولها واضح من جميع المسلمين.

المُقدِّم: معنا اتصال من الأخ أحمد من ديالى. تفضل يا أخي أحمد.

الأخ أحمد: وعلى السلام عليكم. عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الله يحفظك ويرعاك أهلاً عزيزي. عظم الله أجوركم بموالاة الموالين. وأجوركم جميعاً وأجور الموالين والمحبين. الله يحفظكم. أتمنى أن يكون لي جار صادق. حبيبي أنا أريد أسألك نعم. سأرحل لشهر من الشغل. نعم. طبعاً الجلوس يحتاج هم يطول أكثر من عشرة أيام، 12 يوم، 13 يوم. نعم. ومدة هم مقودة. نعم. فهناك قضاء ثمانية أيام ملزومتين.

الشيخ مصطفى العاملي:

يعني هذه الصيام الاحتياطي. وعن قضاء صيام عليك. لا، إذا أنت يا عزيزي وصلت للنجف وما نويت الإقامة، وأنت جاي من أهل ديالى ما نويت إقامة عشرة أيام، وصمت في هذه الحالة، صيامك غير صحيح ولا بد من أن تعيده. لأنك تقول بقي ثمانية أيام. نعم. في حالة ثانية يمكن نويت إقامة. إذا نويت الإقامة وصمت 8 أيام ثم انتهى عملك وأردت أن ترجع، يكون صومك صحيح وما في أي إشكال عليه. يعني الأيام اللي صمتهم بعد أن نويت الإقامة في النجف يكون صومك فيها صحيح إن شاء الله وما في أي مشكلة. نعم. إذا كان ما كان فيه (للي ما عندو نية إقامة وصام بدون نية إقامة) بهذه الحالة يُعيده.

الشيخ مصطفى العاملي:

بالنسبة لسؤالك حسب مقتضى السؤال صومك صحيح إن شاء الله. الله يحفظكم ويرعاكم إن شاء الله.

الشيخ مصطفى العاملي:

في تفسير الكشاف ينقل عن علي عليه السلام مر معنا من خلال السرد بعض النصوص أن الدينار الذي كان عنده علي عليه السلام ولم يكن يملك غيره، صرفه إلى دراهم، باعه بدراهم. عشر مرات، عشرة أيام امتنع المسلمون عن مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. علي عليه السلام ناجى النبي عشر مرات، وفي كل مرة يدفع درهم. وفي كل مناجاة هناك سؤال. ماذا يحكي علي عليه السلام حسب ما ورد في الكشاف والنسفي وغيره؟ يقول سأله في الأولى (يعني عندما تصدق بالدرهم الأول) أنه بعد أن أجهده المرات العشر، يقول في المناجاة الأولى سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: ما التوحيد؟ فأجابه: "شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ".

في سؤال آخر، المناجاة الثانية مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سأله: ما الفساد؟ قال: "الْكُفْرُ وَالشِّرْكُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ". الكفر مرّ معنا في عدد من الحلقات الأولى أن الكفر كفران (يعني نوعان من الكفر). ليست صفة الكافر تطلق فقط على من ينكر وجود الله تعالى. هناك كفر ذاك نسميه كفر جحود، المادي الذي لا يؤمن بوجود خالق، لا يؤمن بوجود الله، كفره كفر جحود. ولكن هناك كفر معصية. إبليس كافر، ولكن كفر إبليس (إبليس عنده إيمان بمعنى المعرفة لله تعالى)، ولكن كفر إبليس كفر معاندة ومعصية في هذه الحالة. علي عليه السلام ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عن الفساد: أنه الكفر والشرك: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ﴾.

في اليوم الثالث أو السؤال الثالث، المناجاة الثالثة عندما دفع الدرهم الثالث قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما الحق؟ أجابه النبي: "الإِسْلَامُ وَالْقُرْآنُ وَالْوِلَايَةُ إِذَا انْتَهَتْ إِلَيْكَ". ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ﴾. إذن منهم الولاية، وهذه ثاني الحق. وهنا إشارة إلى ما سنتحدث عنه مستقبلاً بما يرتبط بالآية المركزية الأولى المرتبطة ببحثنا: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾. من هم أولو الأمر؟ هذه إشارة بدأنا نقترب من خلال الإشارات والتصاريح التي تدلنا على حقيقة ما نبحث عنه. وهذا ليس وارداً في مصادرنا فقط بل في مصادر إخواننا أيضاً.

تتمة ما قاله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الدقيقة الأخيرة من برنامجنا نُجملها. قال له: ما الحيلة؟ قال: "تَرْكُ الْحِيلَةِ". قال: وما علي؟ قال: "طَاعَةُ اللَّهِ وَطَاعَةُ رَسُولِهِ". قال: كيف أدعو الله تعالى؟ قال: "ادْعُوهُ بِالصِّدْقِ وَالْيَقِينِ". عندما تدعو الله ادعوه بالصدق واليقين. ماذا أسأل الله تعالى؟ قال: "سَلْهُ الْعَافِيَةَ". قال: ما أصنع لنجاة نفسي؟ قال: "كُلْ حَلَالًا وَقُلْ صِدْقًا". قال: وما السرور؟ قال: "الْجَنَّةُ". والعاشرة؟ قال: وما الراحة؟ قال: "لِقَاءُ اللَّهِ تَعَالَى".

بعد أن انتهى علي عليه السلام من مناجاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذه المسائل، نصل وإياكم إلى ختام هذه الحلقة الخاصة من برنامجنا في هذا اليوم، على أن نلتقيكم في الأسبوع القادم في حلقة جديدة. نستودعكم الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.