طاعة الله ورسوله توجب الحذر ج2 ( الحلقة 11)

طاعة الله ورسوله توجب الحذر ج2 ( الحلقة 11)

الحلقة رقم 11 - تاريخ: 4-7-2012

المُقدِّم: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وأعز المرسلين، المصطفى محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم مشاهدينا الأكارم ورحمة الله وبركاته.

قال الله الحكيم في كتابه الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾

لقد قرن الله تعالى في هذه الآية الأمر بطاعته وطاعة رسوله بطاعة أولي الأمر. بحثنا أيها الأعزاء متواصل في هذا البرنامج عن هؤلاء، من هم؟ ما هي صفاتهم؟ ما هي أسماؤهم؟ كيف لنا أن نعرفهم أو نصل إليهم؟

هل يمكن أن يكونوا كل من وصل إلى السلطة، أو ورث سلطة، أو ارتكب الجرائم وسفك الدم لينال سلطة؟

أم لا بد أن يكونوا أعدل الخلق، أفضل الخلق، أكمل الخلق، أعرف الخلق، أعلم الخلق، صفوة الخلق بعد خير الخلق، بعد النبي صلى الله عليه وآله، وأنهم أئمة اختارهم الله تعالى؟

ضيفنا الدائم في هذا البرنامج، الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي، والذي نرحب به في بداية هذا اللقاء.

المُقدِّم: أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ وحياكم الله ضيفاً عزيزاً على قناتكم قناة كربلاء الفضائية.

الشيخ مصطفى العاملي: أهلاً وسهلاً بكم، رعاكم الله وسدد خطاكم وحياكم الله.


🔗 المحور الأول: ربط الحذر بالطاعة لله ورسوله

المُقدِّم: أهلاً ومرحباً بكم سماحة الشيخ. في الحلقة السابقة ذكرنا أن الله تعالى أمر بالحذر وحذّر من عدم الحذر أيضاً. بقي الكلام في مسألة ما ربط الحذر بطاعة الله ورسوله؟ يعني قبل أن ندخل إلى الآيات الأخرى من سورة الأنفال، هنا نُتم هذا الحديث حول مسألة الحذر. تفضلوا.

الشيخ مصطفى العاملي: بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على خير رسله وأعز أنبيائه، سيدنا ونبينا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين ﴿الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً﴾.

السلام عليكم أيها المشاهدون الكرام والمتابعون لهذا البرنامج، والسلام عليك أخي الكريم ورحمة الله.

المُقدِّم: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

الشيخ مصطفى العاملي: في إطار حديثنا عن الآية الكريمة التي استعرضناها في الحلقة السابقة وهي من ضمن مجموعة الآيات التي وردت في القرآن الكريم التي يأمر الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله، وفي نفس الوقت نجد أن لكل آية من الآيات التي هي مورد بحثنا في هذا البرنامج (خصوصيتها).

بالتالي، نفهم من خلال هذا السياق الذي نستعرضه في هذه الآيات أن المخالفة السلبية أو الإيجابية تؤدي إلى فك لحمة الارتباط مع الطاعة المطلوبة لله ولرسوله؛ لأن الطاعة لله ولرسوله لا بد أولاً من أن تكون مترابطة كما هو واضح من خلال سياق الآيات جميعاً، ولا بد من أن تكون مترابطة مع مدلولات هذه الآيات التي نتحدث عنها.

عندما نقول بالجانب الإيجابي أو بالجانب السلبي، يعني عندما يكون هناك أمر بشيء ما، لا بد لك أيها الإنسان لكي تحقق الطاعة والامتثال لله والرسول من أن تكون إيجابياً، بمعنى أن تمتثل هذا الأمر الذي أمرك الله تعالى به من خلال الآيات القرآنية الكريمة.

والجانب السلبي نقصد منه الامتناع عن الأشياء التي نُهي الإنسان عنها. وبالتالي، عندما نجد هناك علاقة معكوسة في سلوك بعض الناس بحيث أنه لا يلتزم بما أُمر به ويأتي بما نُهي عنه، فمعنى ذلك أن مثل هذا السلوك يؤدي إلى نتائج عكسية، بالتالي لا تتحقق الطاعة. وعندما لا تتحقق الطاعة لله ولرسوله، فإنها ستوصل إلى نتائج سلبية في حياتك الدنيوية قبل الأخروية.

في حياتك الدنيا يغضب الله عليك وبالتالي تخرج من ظل رحمة الله تعالى، فإنك حتى لو كنت متصفاً بعنوان الإيمان أو بعنوان الإسلام بحيث تُطبق عليك أحكام الإسلام ظاهراً، إلا أنك من الناحية الواقعية تخرج عن هذا الإطار، وهو ما استعرضناه في عدد من الحلقات مما بيّنه أمير المؤمنين عليه السلام. وهذه الآية التي تحدثنا عنها في حديثنا السابق لها خصوصية طبعاً.

المُقدِّم: سماحة الشيخ، تسمح لي أن نشير أيضاً هذه ملاحظة للمشاهدين الكرام حول مسألة نكررها في كل حلقة في بداية الحلقة: أن حديثنا حول الآيات، كما تفضل سماحة الشيخ، حول الآيات التي تأمر بطاعة الله وطاعة رسوله، نريد أن نعرف ما هي الطاعة لله ورسوله حتى نعرف ما هي الطاعة لأولي الأمر، باعتبار الآية المحورية التي الموجودة لدينا: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾. إذا فهمنا طاعة الله وطاعة الرسول، سوف نفهم أيضاً الطاعة لأولي الأمر وهم أئمة الهدى، كما هو عنوان برنامجنا. نعم تفضل.


📜 المحور الثاني: الحذر من موالاة غير المؤمنين

الشيخ مصطفى العاملي: فهنا نعود إلى بيان بعض الآيات التي وردت في إطار الحذر؛ لأن صيغة السؤال الذي وردت في مقدمة حديثك عن الربط بين طاعة الله ورسوله ومسألة الحذر الذي أشرنا إليه في الحلقة السابقة...

الحذر هو جانب يستدعي من الإنسان الالتفات. هناك حذر عام ورد في سياق الحديث الذي أشرنا إليه من أن جميع أعمال الناس تُعرَض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبالتالي فيتعين على الإنسان أن يحذر.

في إطار استعراض الجوانب التفصيلية من حالات الحذر، نجد هناك آية من الكتاب الكريم، ولو أردنا أن نُطبقها على وضع المسلمين اليوم في العالم إلى أين تأخذنا وإلى أين توصلنا، تقول: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 28].

هذا عنوان يحكم علاقة من يقولون أنهم ينتمون إلى رسالة الإيمان.

المُقدِّم: نعم، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم من دون المؤمنين.

الشيخ مصطفى العاملي: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾ [آل عمران: 28].

إذن، ولاؤك أيها المؤمن هل سيكون في إطار الإيمان أم في إطار غير الإيمان؟ هل أنك ستنطلق في واقعك وفي عملك وفي مسؤولياتك من خلال ما يلزمك به إيمانك، أم ما يمليه عليك أولياء النعمة من غير المؤمنين؟ هنا السؤال المركزي الذي يمكن أن يُطرح في إطار تقييمنا جميعاً كمسلمين وكمؤمنين لما نعايشه في واقعنا، سواء كان المعاصر أو في الأزمنة الغابرة أو في المستقبل.

ثم يقول [تعالى] يبين هنا حالة استثناء، لأنه قد يقول قائل: قد يتمسك البعض ببعض الجوانب ويقولون إن أي علاقة مع الكافرين هي خروج عن تعاليم الله تعالى. الله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾ [آل عمران: 28].

إذاً، تكون هناك حالة استثنائية. هل الحالة الاستثنائية هي أن تكون هذه العلاقة الجزئية لمورد خاص يؤدي إلى خدمة المؤمنين وحمايتهم؟ كما نجد مثلاً فيما ورد من أحاديث تحكي عن دور لعدد من المؤمنين في بلاط السلاطين، ممن استحقوا من الله ما يستحقون، ممن ارتكبوا الجرائم وفعلوا ما فعلوا.

يقول الإمام الكاظم عليه السلام لبعض أوليائه الحقيقيين، ممن يعمل مع الظلمة: "إن كفارة عملك أن تكون عوناً للمؤمنين"، كعلي بن يقطين مثلاً على سبيل المثال، كان في البلاط العباسي.

المُقدِّم: وهنا سماحة الشيخ، تبادر سؤالٌ جداً مهم في هذه الحالة، يعني واقعاً هنا باعتبار هؤلاء مثل علي بن يقطين أو غير علي بن يقطين في زمان المعصومين سلام الله عليهم، كان بإذن المعصوم المباشر. يعني أُدخل علي بن يقطين في بلاط الدولة العباسية في وزارة هارون الرشيد العباسي بإذن المعصوم مباشرة. هنا الآن السؤال المهم: في وقت ما بعد المعصوم؟ في زمن الغيبة؟ في زماننا الآن مثلاً؟ هذه كيف تكون المسألة؟ يعني هذه من يحددها؟ هل يحددها العالم المرجع المُقلَّد؟ هل يحددها أصحاب (كما يعبر عنهم) أصحاب الخبرة؟ أهل الخبرة؟ وقد تكون فيها مطاطية وتدخل في إشكالات كثيرة.

الشيخ مصطفى العاملي: في الواقع بعبارة موجزة، نقول: إن من يمكن أن تقع عليه تبعات مثل هذا الأمر نستطيع أن نقول أنه لا بد من أن يكون منطلقاً في عمله من خلال الموازين الشرعية. الموازين الشرعية هي التي تحدد هذا السلوك. أين تكون الموازين الشرعية وما هي تفاصيلها؟ هذه يكون لها تشخيص تفصيلي آخر، ولكن العنوان الأساسي، هذا العنوان: ﴿تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾، هل هو فعلاً يدخل في إطار مصلحة المؤمنين ومصلحة الإسلام، أم أنه يدخل في إطار تحصيل المكاسب النفعية الخاصة؟

هنا المكاسب النفعية الخاصة يأتي جوابها من نفس الآية: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾. في آية أخرى تحدثنا عنها في الحلقة السابقة تشير إلى أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه. إذن، المسألة ليست من باب التبريرات، ولا يمكن للتبريرات أن تؤدي إلى النتيجة. هناك أمور خارج إطار التبريرات الخارجية، وهي ما يعلمه الله من نفسك. وهنا يقول تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ [آل عمران: 28].

المُقدِّم: يعني قد هذا يشير (نريد أن نؤكد حديثكم وليس ضدكم) إن شاء الله معكم سماحة الشيخ. يعني هنا في الآية المباركة، مسألة الجواب الإلهي لمن يعمل هذا العمل، أولاً قال: ﴿فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ﴾. إذن، هذه حادة وصارمة، حُسِمَت العلاقة، قُطِع الاتصال لأهمية هذه المسألة أولاً. ثم يقول: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾ في نفس الآية، ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾. يعني يريد أن يقول بالنسبة لعملية الانحراف الأساسي، هذا قطع لك كل صلة بالله تعالى. الاستثناء الذي وضعه لك: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾. إن أردت أن تجعله تبريراً لنفسك، نعم، احذر، الله يعلم ما في نفسك ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾. يعني لا تمر على الله تعالى، لا يمكن أن تمر مثل هذه الأمور على الله تعالى.

بعد، ولا تظنن نفسك أنك وصلت إلى ما تريد وانتهى الأمر، لأن هناك حياة أخرى: ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾. وهنا نجد أيضاً في نفس هذا آية أخرى تشير إلى هذا المعنى الذي نشير إليه في البيان، أن مسألة الحساب يوم القيامة ترتبط بأمور ليست خاضعة لما تتمنى من نفسك أو لما تهوى.


المحور الثالث: تجسيد الأعمال والحساب

الشيخ مصطفى العاملي: يقول تعالى: ﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ﴾ [آل عمران: 30]. في آية سابقة قلنا أن هذه الأعمال تُعرَض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

في عندنا روايات أن الأعمال تتجسم يوم القيامة. الآن مثلاً في واقعنا الحياة العملية، نقول أن الإنسان قد يتكلم بكلام، الكلام ليس له شيء مادي يتجسد به في واقعنا حسب الفهم السابق للناس، ولكن الآن ماذا يحصل؟ هذا الصوت الكلام يُسجَّل، فيتحول هذا الصوت إلى شيء مُدوَّن على أمر مادي، فتجسد هذا الصوت.

الآن يأتي إنسان ما في عمل ما، يكون عرضة لمساءلة ما، أن تقول: لا لم أقل. يُحضرون له التسجيل الصوتي أو التسجيل الفيديوي أو ما أشبه ذلك: هل ليست هذه صورتك؟ هل ليس هذا صوتك؟

قد يقول قائل أن هذا فيه تقنيات التزوير والتخريب، إذاً هناك خبراء يكشفون حقيقة المزور من حقيقة الذي لا يكون مزوراً. هذا كله في الإطار المادي في الدنيا. فكيف عند الله سبحانه وتعالى الحقيقة والنية والعمل؟

﴿يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَّوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾ [آل عمران: 30].

يعني تصوّر مثلاً بحياتنا تصدر أحياناً بعض أحكام الإعدام على مجرمين، نعم أحكام الإعدام. ويحصل في واقع حياتنا أنه بين صدور الحكم وتطبيق الحكم تكون هناك فاصلة زمنية، لا، غير مسألة وقف التنفيذ، يُنفذ ولكن لا يبادر مباشرة إلى تنفيذ الحكم.

نسمع أحياناً أنه نُفّذ حكم الإعدام بشخص ما قد حُكم قبل خمس سنوات أو قبل ثلاث سنوات أو أكثر.

يوم القيامة عندما تُعرض الأعمال السيئة على الإنسان، نعم تُحضر له الأعمال السيئة، يتمنى هذا الإنسان: ﴿تَّوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا﴾.

هنا يقول تعالى: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ﴾. عملكم الصالح سيظهر لكم، عملكم القبيح عملكم السيئ سيظهر لكم. والله رؤوف بالعباد، رؤوف من خلال الفرصة التي أتاحها لهم في هذه الحياة، من خلال الفسحة التي منحهم إياها في هذه الحياة لكي يتراجعوا. لأننا نلاحظ أن الله تعالى في هذه الحياة فتح باباً أسماه التوبة.

الإنسان الذي يمارس المعصية، يرتكب الخطيئة، قبل أن يُغلق باب الحياة في وجهه، لا يزال أمامه باب أسماه التوبة، يمكن أن تُمحى أعماله، يمكن أن تُحذف نهائياً من سجل الخاطئين، ويمكن أن تصل إلى مرتبة أن يكون من أولئك الذين يبدل الله سيئاتهم حسنات.

ولذا يقول: ﴿وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ﴾. وقد لا يُوفَّق للتوبة أيضاً، وبالتالي يكون حينئذ من الهالكين الذين يستحقون العذاب الأليم في يوم ﴿لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ [الشعراء: 88-89]. وهذا القلب السليم الذي يرتبط بالعمل السليم.


👑 المحور الرابع: الحاكم بما أنزل الله (ربط الحذر بالحكم)

الشيخ مصطفى العاملي: في آية أخرى ونحن في سياق الحديث عن الحذر، قبل أن ننتقل إلى محور آخر من الآيات الكريمة، نجد آية تقول تخاطب الرسول صلى الله عليه وآله وتشبه الآية الأخرى التي ختمنا بها الحلقة السابقة: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾ [المائدة: 49].

الهوى: رغبة الإنسان أن تكون الأمور وفق ما يريد ويتمنى. نعم، فالله تعالى أمر: ﴿احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾. الحكم بما أنزل الله، من يعرفه؟ نعم، يعرفه من يعرف أحكام الله، صحيح؟

إذن، من يتولى الحكم بين الناس وهو لا يعرف حكم الله تعالى، هل يمكن حينئذ أن يحكم بين الناس بما أنزل الله؟

الذي يريد أن يتصدى للحكم بين الناس ولا يعرف الأحكام الشرعية التي بينها الله تعالى لنبيه، ولا يعرف حكم الأَرش، ولا يعرف حكم الإِرث، ولا يعرف حكم هذه، ولا يعرف حكم الحدود، ولا يعرف تلك، هل يمكن أن يكون حينئذ من مصاديق ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾؟

ألا يكون حينئذ هذا الإنسان الذي يتولى أمور الناس ويتولى أمور العباد ممن يحكم بهوى نفسه؟

إن كان حينئذ ممن يحكم بهوى النفس، فهل يمكنه حينئذ أن يتجرد من الأهواء التي يمكن أن يتبعها من خلال حكمه بين هذا وذاك؟ نعم، ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.

فعندما يكون حكم رسول الله هو حكم لله تعالى، وبالتالي من يريد أن يحكم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، هل يمكن أن يكون من أولئك الذين لا يميزون بين أمور أمر الله تعالى بها لصالح العباد؟


🎬 فاصل إعلاني

المُقدِّم: سماحة الشيخ، نتوقف هنا عند هذا الكلام ونذهب إلى فاصل إن شاء الله لإكمال هذا البحث وهذا التساؤل المهم جداً. إن شاء الله سنعود إليه فيما بعد الفاصل.

المُقدِّم: مشاهدينا الأعزاء، نذهب إلى فاصل ونعود إليكم، فابقوا معنا.


📢 عودة ومواصلة الحديث عن الحكم والأهواء

المُقدِّم: تحية لكم مشاهدينا الكرام، وأهلاً ومرحباً بكم في برنامجكم "أئمة الهدى"، وأيضاً نرحب بضيف البرنامج الكريم سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي. أهلاً وسهلاً بكم سماحة الشيخ.

المُقدِّم: طبعاً نواصل الحديث حول حديثنا. ما زلنا في ربط الحذر بطاعة الله وطاعة رسوله كما أشرنا في بداية الحلقة، وتفضلتم في عدة آيات تناولت الحذر (يعني آيات قرآنية مباركة). ووصلتم أو انتهيتم إلى الآية 49 من سورة المائدة. نعم، وتفضلتم ببعض التساؤلات المهمة جداً لتكتمل الفائدة وتعم الفائدة للمشاهدين الذين يلتحقون بنا قد في هذا الوقت.

الشيخ مصطفى العاملي: الآية الكريمة التي تدخل في إطار الحذر هذه قلنا في عدد من الآيات التي استعرضناها كان الخطاب موجه للمؤمنين بمسألة الأمر بالحذر. هنا جاءت هذه الآية في سياق توجيه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن في إطار أمر يرتبط بما أنزل الله تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ﴾. نعم، بما أنزل الله. يعني أمرٌ للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يحكم بين الناس بين العباد بما أنزل الله، مع لفت النظر: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾. يعني لا يجعلك ما يقولون تغفل عما يجب أن تقوم به.

لذا مثلاً هذه تأخذنا إلى أين؟ تأخذنا إلى الآية الكريمة التي نزلت، الآيات التي نزلت في حجة الوداع، وهي من أواخر الآيات التي نزلت في القرآن الكريم، نعم، التي تقول: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾ [المائدة: 67].

هذه طبعاً نعد المشاهدين الكرام بأننا سنخصص لها في المستقبل حديثاً خاصاً إن شاء الله (آية البلاغ). ثم نجد ﴿وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾، فنجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام بما قام به، ونزلت بعدها الآية المعروفة: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ [المائدة: 3.

هنا هذه الآية الكريمة تحمل شيئاً من المعاني التي تشير لها تلك الآية: ﴿احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾. إذن أنت مكلف بأن تحكم بين الناس بما أنزل الله. نعم.

وبالتالي، لا بد (هذا استطراداً نقول) لا بد لمن يتولى مهمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن يحكم بين الناس بما أنزل الله، ولكي يحكم بين الناس بما أنزل الله، لا بد من أن يكون عارِفاً بما أنزل الله، لا أنه أُوصل إلى موقع وهو ليس مؤهلاً لذاك الموقع على الإطلاق، ولا يمكن حينئذ أن يكون من مصاديق من أمر الله تعالى بطاعتهم: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ﴾.

فمن يمكن أن يوصف بأنه من أولي الأمر؟ من يحكم بما أنزل الله، بعد أن يكون عارفاً بذلك.

ونجد هنا أن الآية الكريمة تقول: ﴿وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ [المائدة: 49].

الآية التي أشرنا إليها والتي جاء فيها تحذير للنبي: ﴿وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ﴾. لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدرك حالة الضعف التي تعتري عدداً كبيراً من الأمة في تلك الفترة عليهم من أن لا يتحملوا حقيقة ما أُمروا بالالتزام به من أمر الله تعالى، فكان يُؤخِّر إلى أن جاءه الأمر بالإبلاغ المباشر في تلك المرحلة.

المُقدِّم: يعني في مسألة تنصيب الولاية لأمير المؤمنين سلام الله عليه. أحسنتم.

الشيخ مصطفى العاملي: ولذا هنا نجد أنه في هذه الآية يقول: ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا﴾. نعم. يعني لم يلتزموا بما بيَّنت لهم بما حكمت به بينهم، ﴿فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ﴾ [المائدة: 49].

ليش قال ببعض ذنوبهم؟ لأنه لو أراد الله أن يؤاخذ الناس مباشرة على ما يفعلون من معاصٍ، ما ترك عليها من دابة، ولكن يؤخرهم، يعطيهم المجال للاستقامة والتراجع. ﴿فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ﴾.

والمخالفة لأمر الله توصل في عدد من مصاديقها إلى ما تحدثنا عنه من الكفر. هذه آية من الآيات بس تتحدث عن الحذر.

المُقدِّم: نعود إلى آية أخرى فيها عبارة صريحة. يعني هنا سماحة الشيخ، هذه الآية قبل أن ننتقل للآية الجديدة، يعني هنا الآية كما تفضلتم أنها تقول: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ﴾. هنا بما أنزل الله، تفضلتم من باب الاستطراد، أن يكون الخليفة بعد النبي صلى الله عليه وآله عليه أن يحكم بما أنزل الله، لا بد هكذا، وإلا كيف يحكم إذا كان خليفة؟

طبعاً مصداق الحقيقة للخليفة، ونحن نرى مثلاً الحكام أو الملوك كما يعبر عنهم الأمويون، والحكام العباسيون، من ارتكب سفك الدماء، وخصوصاً منهم أولئك الذين قتلوا أئمة الهدى سلام الله عليهم، فماذا يكون حكمهم؟

هل يمكن لله تعالى الذي يتحدث عن طاعته وطاعة رسوله أن يأمر بطاعة مثل هؤلاء بعنوان أنهم من أولي الأمر؟ الجواب عند المشاهد الكريم.


👪 المحور الخامس: الحذر من مخالفة الرسول والفتنة

الشيخ مصطفى العاملي: نعم أحسنت أحسنت جيد.

الآية الأخرى التي تتحدث عن الحذر، نعم، تقول: ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا﴾ [النور: 63].

هنا تريد الآية أن تبين مكانة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. هو من الناحية الجسمانية بشر، نعم، ولكن بما أنه يحمل تلك الصفة، فلا تظنوه مثلكم.

﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ [النور: 63].

عندما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أنفذوا جيش أسامة، لعن الله من أخر جيش أسامة أو من تخلف عن جيش أسامة" ويذهبون ويتركون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾. وأية فتنة وقعت فيها الأمة إلا نتيجة مخالفتهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فلو أن الأمة استقامت على ما أمرها الله تعالى بالالتزام به من طاعة رسوله المقرونة، هل كانت وقعت بينهم فتنة؟

﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور: 63].

ثم يقول تعالى، وهنا نقف أمام عنوان يرتسم في كثير من السلوكيات، نعم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ﴾ [التغابن: 14].

صفة الزوجية هل تعطي صفة القداسة للطرف الآخر؟ لا، كلاً. صفة البنوة هل تعطيه صفة القداسة؟ لا. لا بد من أن يكون هناك انسجام في السلوك وتطابق في العمل بين هذه الصفة وتلك الأفعال الأخرى.

عندما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "حسين مني وأنا من حسين، أحب الله من أحب حسينا". عندما يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة". فمعنى ذلك أنه يرسم إضافة إلى كون علاقة البنوة بينه وبينهم، يرسم لهم عنواناً ومقاماً يشير لارتباطهم به.

﴿فَاحْذَرُوهُمْ﴾. العداوة هنا على أي عنوان؟ هل هي عداوة على المال؟ هل هي عداوة على الجاه؟ هي عداوة ترتبط بصفة الإيمان التي تُوصفون بها. أزواجكم وأولادكم عدواً لكم، ولذا نجد أن البعض ينحرف عن جادة الاستقامة بسبب اتباعه لهوى ابنه أو زوجته أو ما أشبه ذلك.

ولذا نجد عندنا في الحديث عن الزبير (الزبير بن العوام ابن عمة أمير المؤمنين عليه السلام) فقد قال: "الزبير منا أهل البيت حتى شب ابنه عبد الله فاتبع هواه وانحرف وحصل معه ما حصل".

إذن هنا يقول: ﴿وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [التغابن: 14] فيما لو تراجعوا عما يقومون به.

نجد أيضاً حذراً معاكساً، تشير بما أننا نستعرض الآيات القرآنية الكريمة التي تتحدث عن الحذر، نجد هناك حذراً معاكساً ويا ليته لم يكن عندهم، عندما يتحدث عن المنافقين يقول تعالى: ﴿يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ﴾ [التوبة: 64]. نفاقهم ويصلحوا أنفسهم، وبالتالي لتكون أعمالهم مرتبطة مع ما هم عليه.

في إطار ذلك، الآية الأخيرة التي نستعرضها في إطار الحديث عن الحذر نجد الآية الكريمة التي تقول: ﴿وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ [التوبة: 122].

إذن هناك مهمة الوقوع في المعاصي والوقوع في الأخطاء، وبالتالي يلتزم بما أمر الله تعالى به في هذا الحديث. هذا ما يمكن أن يوصلنا إلى السؤال الذي ذكرتموه: أنه وكيف يكون الحذر مرتبطاً بطاعة الله ورسوله؟ هذه نماذج الآيات التي استعرضناها من خلال الالتزام بأشياء والابتعاد عن أشياء، ففيها طاعة لله وطاعة رسوله.

الشيخ مصطفى العاملي: فهنا نجد تحذيراً من أمور أن لا نأتي بها، وتحذيراً عن ترك أمور لا بد من أن نأتي بها. عندما يجتمع هذان العنصران: الإتيان بما أُمر والابتعاد عمّا نُهي، يكون هناك تطابق مع ما أمر الله تعالى به من طاعة الله وطاعة رسوله. وحينئذ يكون الحذر متحققا، والأعمال التي تُعرَض على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صباح كل يوم مؤهلة لنا لأن ندخل في سجل الفائزين والناجين والناجحين في يوم تشخص فيه الأبصار إن شاء الله.

المُقدِّم: أحسنتم سماحة الشيخ، جزاكم الله خير الجزاء. إذن إلى هنا ينتهي حديثنا فيما يتعلق بمسألة الحذر بهذه المسألة. طبعاً انطلاقاً من الآية الثانية والتسعين من سورة المائدة: ﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾.


🕋 المحور السادس: الانطلاق إلى سورة الأنفال (إن كنتم مؤمنين)

المُقدِّم: جيد. إذا لا يوجد لديكم شيء آخر ننتقل إلى الآية الأخرى، طبعاً الآية الأولى من سورة الأنفال: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ۖ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: 1].

هنا سماحة الشيخ، الله سبحانه وتعالى عقّب الأمر بالطاعة بقوله: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ في آخر الآية، مع أن الخطاب للمؤمنين. ثم يقول: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. كيف؟ تفضل.

الشيخ مصطفى العاملي: هذه الآية الكريمة هي من ضمن مجموعة الآيات التي نتحدث في مدلولاتها: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ﴾، ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ ضمن سلسلة الآيات الأحد عشر التي أشرنا إليها مراراً.

هذه الآية لو أخذنا الأمر بالإطاعة يقول: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. السؤال نحن قلنا سابقاً أن هذه الآية هي خطاب للمؤمنين، نعم، ثم يقول هنا: ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾.

يتضح ذلك من خلال الفقرة التي سبقت هذا الجزء من الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ۖ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾. إذن هناك أمرٌ، نعم، هناك بيان لمسألة سنستعرض هذا الجانب منها، وهناك أمرٌ بجانب آخر ورد في هذا السياق.

طبعاً لكي تتضح حقيقة هذه المسألة، ربما نستعرض فيما تبقى لدينا من وقت ما يرتبط بخصوص هذه الآية، على أن نشرح بشكل تفصيلي حقيقة مدلول هذه الآية في حلقة قادمة: كيف أن الطاعة لله تعالى تدخل في الإيمان، وأن المخالفة تنفي الإيمان، وهو النكتة التي وردت في كلامكم: أنه ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ بمعنى أنه يمكن للإنسان بعد أن يتصف بعنوان الإيمان أن يخرج عنه من خلال سلوك يقوم به في هذه الحياة، وهو ما نستعرضه من خلال هذه الآية.

الآية الكريمة نحن نلاحظ أنها هي الآية الأولى في سورة الأنفال. الأنفال هي الغنائم التي غنمها المسلمون في الحرب.

يحدثنا التاريخ، يحدثنا ما يرتبط بهذه المسألة من أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تنازعوا فيما بينهم على الأنفال. طبعاً هنا مسألة نشير إليها أن المسلمين نتيجة انحراف بعضهم عن تعاليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وطمعهم في جانب معين مادي، قد تسببوا في أن تحل بالمسلمين هزيمة، ألا وهي معركة أحد.

نعم صحيح، معركة أحد يحدّثنا التاريخ أنها كانت من المعارك التي حشد فيها المسلمون قوتهم لمواجهة الجيش القادم من المشركين بقيادة أبي سفيان والد معاوية بن أبي سفيان من المشركين، وكان مع المشركين خالد بن الوليد.

وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجموعة من الرماة بأن يحموا ظهر المسلمين في جبل أحد قرب المدينة المنورة. حصلت المواجهة، انتصر المسلمون في تلك المعركة وحلت الهزيمة بالمشركين.

في تلك اللحظات، مجموعة الرماة عندما شاهدوا النصر، تركوا مواقعهم ولم يبق إلا ثلاثة منهم، وبهدف تحصيل الغنائم لهم، فكان من المشركين أن التفوا بقيادة خالد بن الوليد على الرماة من كان قد بقي منهم، استُشهد في المعركة، وهجم المشركون على المسلمين من الخلف، فحلت الهزيمة بجيش المسلمين وقُتل من قُتل منهم وحصل ما حصل مما له تفاصيل كثيرة في التاريخ.

إذن هنا التنازع حصل، كما حصلت مخالفة في معركة بدر في مسألة الأنفال، حازها المسلمون، حصل خلاف لمن هذه الأنفال؟ هل لمن يأخذها أم هي خاضعة لتشريع إلهي؟

عندما حصل الخلاف، جاء الحسم بالآية القرآنية الكريمة التي تقول: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ۖ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾. أمرها بأمر الرسول، نعم. وهنا لا بد لكم من أن ﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ﴾، تخافوا الله، لا تُضمروا في أنفسكم شيئاً لا يرضاه الله، ﴿وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾.

نعم، لا بد من أن تكون عقيدتكم وسلوككم وإيمانكم متطابق بشكل مطلق مع ما يقوله الله.


🔚 الخاتمة

المُقدِّم: نعم، جزاكم الله خير الجزاء. أشار المُخرج لانتهاء وقت البرنامج وما أردت أن أقاطعكم وحجتكم وحديثكم. شكراً جزيلاً سماحة الشيخ.

المُقدِّم: في نهاية اللقاء مشاهدينا الأعزاء، أشكر أولاً سماحة الشيخ مصطفى محمد مصري العاملي، الباحث الإسلامي والأستاذ في الحوزة العلمية، والشكر متواصل إليكم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.