• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : هنيئا لك أيها الخال.. حالة الاطمئنان ساعة الرحيل .

هنيئا لك أيها الخال.. حالة الاطمئنان ساعة الرحيل

 

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي *

ليلة الجمعة رحلت ، وفي يومها الى مسكنك الجديد انتقلت.

في ذكرى شهادة الكاظم غادرت.

عندما وصلك آخر سلام منذ يومين ابتسمت  .

 خاطبك سامي القادم لوداعك من بعيد ، هذا مصطفى عبر الهاتف  يسلم عليكَ فطلبت الدعاء وحمدت.

 والى جوار الامام الحسين  بقلبك اتجهت.

                     ***

كنت أؤدي صلاتي الظهر والعصر يوم أمس الخميس في الطابق الثاني من الحرم المطهر.. و عندما أركع أو أرفع رأسي من الركوع أنظر الى كلمة محفورة على ركن من أركان المقام .. يا حسين يا شهيد،

       وأتذكر صلاة الحسين عليه السلام في هذه الساحة وهو يتلقى السهام من قوم أئتموا به في صلاتهم.. ويصلون عليه في تشهدهم وتسليمهم،  وهو يردد:

       الهي تركت الخلق طرا في هواك

                                   وأيتمت العيال لكي أراك

            فلو قطعتني بالحب إربا

                                   لما مال الفؤاد الى سواك

ما أن أنهيت الصلاة ودخلت الى المكتب حتى رأيت على هاتفي اربع اتصالات متتالية..

إنه ابني المهندس موسى.. ليخبرني بأن خالي الحاج عبد الله عاصي.. قد انتقل قبل دقائق من عالمنا الملوث بالأدران والمغطى بالأقنعة المزيفة حيث آخر محطات الاختبار.. الى عالم تتساقط فيه كل تلك الاقنعة، وتنكشف فيه كل الوان الزيف.. 

دمعت عيني وجلست أستعرض شريطا من الذكريات..

الدمعة على فقد من نحب.. ونأنس به.. هي شعور عاطفي ، يجسد المشاعر الإنسانية التي تجمع بين بني البشر.. فكيف إذا كانت الروابط أعمق وأشد..

من يرحل عنا، يرحل ضاحكا.. عندما يكون مطمئنا.. وينظر الينا نحن الباكين بجزع.. يخاطبنا فلا نجيبه.. يتحدث الينا فلا نسمعه.. ترفرف روحه فوقنا ونحن ننظر الى جسده الذي خلعه كما يخلع الواحد منا الثوب الخلق..

                     ***

قبل ثلاثة أيام تحادثت مع والدي فقال .. لقد ذهبنا الى المستشفى لزيارة خالك برفقة خالاتك.. كان هادئا مطمئنا.. لقد أوصاني برعاية أبناءه دينياً..

لقد أدى دوره.. وهو على استعداد لكي يفد على الرب الكريم الرحيم..

كانت أمنيته أن يزور الحسين في كربلاء..

كان يأمل من أن يزور العباس في كربلاء..

كان يعيش الحنين بقلبه ومشاعره وهو ينظر الى قناة كربلاء تنقل مراسم زيارة الخدم بعد الظهر من كل يوم..

كان يعجبه هذا النشيد.. نداء العقيدة... ولكنه رحل قبل ان يحقق تلك الامنية..

كانت لدي رغبة بأن أستقل طائرة الى لبنان لأشارك في التشييع  ولكن بعد أن تحادثت مع الاهل جميعا ..  قررت أن أبقى لأصلي له صلاة الهدية تحت قبة الحسين ، وأزور نيابة عنه.. كان حلمه أن يزور الحسين فنويت أن أزور عنه بدل أن أذهب الى هناك..

إن وجودي هناك ومشاركتي التشييع تنفعنا نحن الاحياء..

أما بقاءي وزيارتي عنه وصلاتي له فهي تنفع الاحباء..

إن صلاة الهدية تنفع الراحل... أكثر من أي شيء آخر..

                     ***

قبل ثلاثة أشهر كان آخر لقاء لي معك أيها الراحل الحبيب ..

ذهبت الى بيروت ضمن فعاليات الاسبوع الثقافي الذي اقامته العتبة الحسينية هناك..

ما أن وصلت الى البلدة حتى كانت زيارتي الاولى بعد السلام على والدتي ووالدي  لخالي الحاج ابو نبيل..

تكررت الزيارات في الايام القليلة.. أصر على أن يزورني رغم ما به..

اتكأ على يدي وهو يغادر المنزل بعد أن أوصلته الى السيارة..

في آخر حديث معه قال لي .. كم أنا معجب بكتاباتك وخاصة بكتابك رحلة في عالم الصلاة.. لقد أعدت قراءته أكثر من مرة..

وكم أعجبني موضوعك ونقاشك فيه عن الوضوء..

إنني أرغب بأن تعيد طباعة كتابي " صراعنا مع اسرائيل"  وتضيف عليه ما ينسجم مع المتغيرات والمستجدات طوال أكثر من اربعة عقود..

أخذني بالذاكرة الى ذاك اليوم الذي كنت فيه فتى يافعا وأنا أسمع من بعض خالاتي بأن هناك مقابلة اذاعية في اذاعة بيروت الرسمية مع خالي عبد الله وستقدم له جائزة على كتابه الذي ألفه..

كان ذلك في عام 1969 م .. ذكرته بتلك الخاطرة.. فقال لي سأضيف لك شيئا جديدا..

عندما قدمت نسخة من الكتاب الى الوزير الراحل موريس الجميل والذي كان حينها وزيرا للتصميم، حيث كان خالي ابو نبيل ضمن مجموعة الكوادر الاساسية الاولى التي عملت في تلك الوزارة حينها وعمل ضمن فريق بعثة إرفد .. قال لي الوزير اريد منك ان تحضر لي نسخا بعدد الوزراء حينها.. ووصفهم بكلمة لاذعة لكي اعطي كل واحد منهم نسخة علهم يفهمون ما يقرأون.. وأخذت له نسخا بعدد الوزراء..

أجبته سأحقق لك ما تريد إنشاء الله..

سأكتب جزءا آخر من الكتاب ليكون فصلا ثانيا ويبقى الكتاب فصلا أولا، وأحكي فيه عن تجربة عشتها طوال ما يزيد على اربعين سنة من تاريخ صدور هذا الكتاب..

قدم لي نسخته الوحيدة المتبقية من الكتاب.. احضرتها معي .. وضعت عناوين لما سأكتب شرعت في طباعة نسخة الكتاب... ولكن موعد الرحيل قد حان انجاز المرام.

سأعمل أيها الخال الحبيب على انفاذ وصيتك بما يمكنني منه الله تعالى ..

                  ***

لقد امضيت طوال النهار في حرم الحسين عليه السلام..

شاركت مع الخدم بعد صلاة الجمعة في الزيارة وانا انظر اليك واقفا معنا تؤدي مراسم الزيارة..

دخلت الى الضريح الطاهر .. قبلته نيابة عنك..

زرت وصليت وأهديت ثواب الزيارة الى أبي الاحرار نيابة عنك..

شاركني عدد من الاحبة في ذلك..

وبقيت حتى صلاتي المغرب والعشاء..

دخلت الى قرب الضريح مجددا..

أكثر من أربعين محباً أدوا صلاة الهدية تحت قبة الحسين عليه السلام..

دمعت عيني مرتين..

مرة عندما اذكر الحسين..

ومرة عندما استذكر حنانك..

قالت لي بالامس ام نبيل.. انك تعرف كم كان يحبك..

نعم كان يحبني كثيرا.. ففضلت أن ابقى لأزور نيابة عنه ليلة الجمعة. ونهارها ومساءها لاصلي له صلاة الهدية في ذكرى شهادة الكاظم عليه السلام..

وقبل أن انهي موضوعي يخبرني ابني المهندس موسى الذي عايشه في فترات سفري خاصة أيام حرب تموز، يخبرني عن رؤيا كان قد قصها خالي على والدي منذ ايام.. لقد شاهد  في منامه من فترة قريبة .. ربما لا تزيد عن20 يوما

انه مات .. والكل يبكون عليه ، فقال لهم لا تبكوا .. المسألة بسيطة وما بتخوف و سهلة، وبعدها انتقل لعالم الآخرة.

فوجد خالي ابو حمزة و ابنته عفيفة (علما انه لم يعرف انها ماتت الشهر الماضي)

فسلم عليهم وسألهم عن خالي عبد المنعم .. فقالوا له ان درجته اعلى مع الشهداء

ويضيف ابني قائلا: اني لاحظت هذه المرة عندما ذهبت للمستشفى اكثر من مرة .. انه يعرف او يحس ان هذه المرة سيموت وذلك من طريقة كلامه مع الجميع وما يوصي به.

وكذلك فقد قال أحد الأطباء انه يستغرب من حالته .. فعندما يضع يده على اي منطقة منه ويسأله هل تحسّ بالألم .. فيقول له: نعم

ولكن الإستغراب انه لا يرى عليه علامات وانعكاسات الألم .. ولا يسمعه يتأفف أو يتأوه ولا مرة واحدة..

قلت لابني .. نعم هذا هو نموذج الرضا والتسليم.. لقد كان يشعر بأنه قد اقترب من ساعة اللقاء الابدي.. فكان نموذجا لقوله تعالى..

يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي *

رحمك الله ايها الخال الحبيب.. أقرئ الأحبة عنا السلام.. وإنا على الدرب سائرون .. والى اللقاء في عالم الخلود.. والى روحك وأرواح من سبقنا من المؤمنين الفاتحة..

                                         كربلاء المقدسة

ومن جوار حرم سيد الشهدا ...

مصطفى...

مساء الجمعة 24 رجب 1433

                                         15 حزيران 2012

 

 

 

 


  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=141
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2012 / 06 / 15
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28