• الموقع : كتاباتي- صفحة الشيخ مصطفى مصري العاملي .
        • القسم الرئيسي : كتاباتي .
              • القسم الفرعي : مقالات .
                    • الموضوع : آلهة التمر وآلهة النفط إن في قصصهم لعبرة.. .

آلهة التمر وآلهة النفط إن في قصصهم لعبرة..

 آلهة التمر وآلهة النفط

إن في قصصهم لعبرة..
 جاء عن عمر بن الخطاب قوله : 
أمران في الجاهلية . أحدهما : يبكيني والآخر يضحكني . 
أما الذي يبكيني : فقد ذهبت بابنة لي لوأدها ، فكنت أحفر لها الحفرة وتنفض التراب عن لحيتي وهي لا تدري ماذا أريد لها ، فإذا تذكرت ذلك بكيت . 
والأخرى : كنت أصنع إلهًا من التمر أضعه عند رأسي يحرسني ليلاً ، فإذا أصبحت معافى أكلته ، فإذا تذكرت ذلك ضحكت من نفسي.
( اضواء البيان ج8 ص439)
تذكرت وأنا أنظر الى الصور الواردة تباعا والتي تنقل لنا لمحات عن المصير الذي لاقاه الطاغية معمر القذافي بكل ما تحمله من معاني ودلالات، تذكرت تلك القصة التي ينقلها المؤرخون عن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب.. 
وتوقفت عند محطات تربط بين الموضوعين، وسرح بي الخيال بعيدا مستعرضا سلسلة من الاحداث التاريخية وصولا الى حدث الامس.
ولو أردت تدوين ذلك جميعا لاحتجت الى اكثر من مجلد ، ولكن سأكتفي بوضع اشارات وعناوين... واللبيب من الاشارة يفهم..
- عندما كانت اوروبا تعيش تحت سلطة رجال الاكليروس، بعد انتهاء الحروب الصليبية التي قادها زعماؤها نحو المشرق والتي استمرت الى العام 1444 م، كانت هناك محاكمة أمام محكمة الفاتيكان في العام 1633 م  لعالم يدعى (جاليليو جاليلي) وهو الذي يسميه ( انشتاين) بأبي العلم الحديث.
 وكانت جريمته انه يتبنى نظريات علمية ترتبط بالارض والكواكب لا تروق لعلماء الكنيسة آنذاك. 
- وفي القرن التاسع عشر شهدت اوروبا ما اطلق عليه تسمية الثورة الصناعية، بعد أن تحررت من تلك السلطة وانتشرت آفاقها في جميع الاتجاهات.
- تكشفت الثروات الطبيعية التي يختزنها باطن الارض في المشرق العربي والاسلامي وكانت الامبراطورية العثمانية قد وصلت الى مرحلة الترهل وهي تفتك بخيرة الابناء لخلفيات مذهبية وقومية حتى وصل الامر في بعض الاماكن ونتيجة الجوع القاتل الى أن يأكل بعض الناس من لحم الاموات كي يبقوا على قيد الحياة.
- بدأت تداعيات انهيار الامبراطورية العثمانية بالظهور مع اندلاع الحرب العالمية في العام 1914 ، وسرعان ما ابرم اتفاق سري قبل نهاية الحرب بين كل من بريطانيا وفرنسا وتأييد روسيا لتقاسم ما اطلق علية تسمية الهلال الخصيب ، اطلق عليه تسمية سايكس بيكو سازانوف عام 1916 م .
- غدا الهلال الخصيب هدفا لتقاسم الثروات والامكانيات، واستعر الصراع بين الطامحين والطامعين فكانت الحرب العالمية الثانية، وكانت اكذوبة الاستقلال التي قطعت اوصال المنطقة العربية كما يتم تقطيع جسد البقرة الحلوب.
رأس مفصول عن الجسد..
اذنان مقطوعتان عن الرأس..
الاقدام فصلت، وحتى الامعاء.. والافخاذ..
حتى القطعة الواحدة المكتنزة أعملت فيها السكين تقطيعا..
للقبيلة أمارة..
وللعشيرة دولة..
وللعصابة مملكة..
وللّقطاء  مزرعة..
أنظمة متخمة حتى الثمالة.. وأكواخ الصفيح تختبئ في ظل العمارات الشاهقة..
عربيد من اللحم الازرق يبذر الملايين في ليلة حمراء مع مستوردة شقراء.. وملايين يحطمهم اليأس حتى غدوا هياكل رقمية يحنون الهامات أمام سطوة الحاكم أو أمام سوط الجلاد..
- عندما احتدمت نار الوغى في الحرب العالمية الثانية وحصدت الملايين من الضحايا في صراع السيطرة على مصادر القوة نشأت حدود فرضتها موازين قوى المقاتلين..فكان في برلين جدار.. و بين مارون الرأس  وصلحا حدود.. وبين عمان وابو ظبي فواصل.. وبين وبين وبين ... حتى ونحن في القرن الحادي والعشرون لا تزال تفرخ بين ظهرانينا دول جديدة..
جيل مضى بعده جيل وجيل.. 
وصرنا كدود القز الذي يخنق نفسه بنتاج عمله..
هياكل منصوبة في ما صرنا نسميه اقطارا ودولا يظن الناس انها تملك من أمرها ما تطلقه على نفسها من القاب..
فذاك أمير كذا.. وذا خادم كذا .. وذاك رئيس كذا..وذا قائد..وذاك زعيم..
هل يمكن لواحد منا أن يقرأ سيرة هؤلاء؟
لن أستعرض أسماء هؤلاء وجرائمهم..
لن أتحدث عن عهر الساسة ودجل الحكام ونفاق القادة..
كيف لنا أن نقرأ سيرة حاكم تربع على عرش من جماجم أبناء وطنه عقودا من الزمن، أغدق عليه فيها الخيّرون من الاخوان! والاصدقاء، والحلفاء، ومراكز القوة والنفوذ كل ما يمكنه من البطش والاجرام بل وحتى الاستمرار في حرب ضروس حصدت الملايين..  
وما أن تتوقف طاحونة الموت حتى يُغرى به لينال صيدا فيصيرُ الصياد صيدا مع الفريسة.  
كيف لنا أن نقرأ سيرة حاكم امضى عقودا من السنين كخادم أمين وهو يحوِّل أكبر دولة عربية الى رقم متورِّم لا يُحسب لها أدنى حساب، فلم تعد في العير ولا في النفير.
ويحسب نفسه فرعونا يستعين بهامان ليبني لأبناءه صرح البقاء..
كيف لنا أن نقرأ أنظمة زرعت في أغنى الارض ثراءً، لينعم بخيراتها ذووا الدم الازرق من أبناء واحفاد وحاشية ومنتفعين، وليعيش أهلها حالة العبودية المقنعة التي لا ترحم..
قرأت في بعض الصحف مقالة استوقفتني فيها عبارتان:
الاولى: أن سفيرة الاتحاد الاوروبي في بيروت زارت نبيه بري لتقدم له التهنئة بمقتل القذافي..فأبرز لها صورة رئيس الوزراء الايطالي يقبل فيها يد العقيد...
الثانية: راح بري يدقق في كلمات أناس طالما نمى لحم أكتافهم من مال العقيد.. بل وقاتلوا من أجله.. وسبحوا باسمه.. وحملوا لواءه فقد كان ولي نعمتهم.. وها هم الان يتبرأون منه..
لقد صنعوا لنا في عالمنا العربي آلهة من نفط وليس من تمر..
سكروا منها حتى الثمالة.. وعندما شاخت وأفل نجمها ولم يبق لديها ما تعطيه بعد أن بدأ التفلت من سطوة الجبار.. فتراكضوا جميعا لأكل القصعة من جديد..
لقد شحذوا سكين السنتهم وهم يتسابقون في اعلان البراءة ممن صنعوه الها من نفط.. وعندما اصبح الصباح أكلوا اله التمر..
رحم الله أمير المؤمنين حقاً وهو يشخب دماً ويوصي ولديه وذويه قائلا: يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُلْفِيَنَّكُمْ تَخُوضُونَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ خَوْضاً تَقُولُونَ قُتِلَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ قُتِلَ أَمِيُر الْمُؤْمِنِينَ أَلَا لَا يُقْتَلُنَّ بِي إِلَّا قَاتِلِي انْظُرُوا إِذَا أَنَا مُتُّ مِنْ ضَرْبَتِهِ هَذِهِ فَاضْرِبُوهُ ضَرْبَةً بِضَرْبَةٍ وَ لَا يُمَثَّلُ بِالرَّجُلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه واله يَقُولُ إِيَّاكُمْ وَ الْمُثْلَةَ وَ لَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ.
وما أن أنهيت موضوعي حتى نقلت الاخبار أنه قد تم دفن القذافي في مكان مجهول من الصحراء..
لقد انقضى ثلاث وثلاثون عاما على اخفاءه السيد موسى الصدر..
لقد أخفاه كما أخفى آثار الكثيرين..
إن في قصصهم لعبرة..
 
 
 
 

  • المصدر : http://www.kitabati.net/subject.php?id=135
  • تاريخ إضافة الموضوع : 2011 / 10 / 25
  • تاريخ الطباعة : 2024 / 03 / 28